ورقة: غياب شرط أن يكون الناشر مديرا للنشر يُمهّد لسيطرة رجال الأعمال على مجلس الصحافة

اعتبرت ورقة بحثية حديثة أن غياب اشتراط أن يكون الناشر لوسيلة إعلامية، مديرا للنشر، في مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة يفتح المجال أمام مالكي المؤسسات الإعلامية غير الممارسين لتولي عضوية المجلس، رغم “احتمال عدم إلمامهم بطبيعة الممارسة الصحافية”.
وأوضحت الورقة المنشورة على المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن العديد من رجال الأعمال يستثمرون في الإعلام كما في القطاعات الصناعية أو التجارية والخدماتية، مشيرة إلى أن “بعض الصحف الحزبية تتولى نشرها شركات يرأسها قادة أحزاب، بينما تصدر صحف خاصة أخرى عن مجموعات استثمارية أو شركات قابضة يترأسها رجال أعمال نافذون لهم ارتباطات سياسية”.
وحذرت الورقة التي جاءت تحت عنوان “التنظيم الذاتي للصحافة: خطوة أخرى إلى الوراء”، من أن هذه المقتضيات القانونية الجديدة قد تسمح لهؤلاء الأفراد بامتلاك عضوية كاملة في المجلس الوطني للصحافة المقبل، “ما قد يهدد استقلالية مؤسسة التنظيم الذاتي للصحافة ويؤثر على نزاهة قراراتها”.
وأفادت الوثيقة، في هذا السياق، بأن مسار التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب يواجه ثمانية إشكالات أساسية، بعد أن كان يعتبر مكسبا ديمقراطيا رائدا في المنطقة، موضحة أن هذا التراجع بدأ مع قرارات حكومية سابقة مثل تمديد.. وإحداث لجنة مؤقتة لإدارة قطاع الصحافة والنشر، قبل أن يتكرس من خلال مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة.
وذكرت الورقة، أن قراءة معمقة في المستجدات التي جاء بها مشروع القانون المذكور، وتَتبُّعُ مسار إخراجه وتمريره السريع في الغرفة الأولى للبرلمان، “تفيد بحدوث تراجعات تمسُّ جوهر وفلسفة التنظيم الذاتي للصحافة”.
وتتجسد هذه التراجعات وفق الورقة التي أعدها الصحافي محمد كريم بوخصاص، في “تغييب النقاش حول المشروع، حيث أعد بنهج أحادي، وذلك خلافا لما استقر عليه العُرف التشريعي في قضايا الصحافة بالمغرب”، لافتا إلى أن الأدبيات في التجربة المقارنة، تُظهر أن التنظيم الذاتي ينجح طالما كانت جميع مكونات المهنة منخرطة في توافق تام.
وثاني هذه الإشكالات، فيرتبط بعدم المساواة في آليات التمثيل، حيث سجلت الورقة وجود اختلال واضح في المساواة بين مكوني المجلس الوطني للصحافة، إذ يُبقي المشروع على انتخاب ممثلي فئة الصحافيين المهنيين بالاقتراع الفردي، بينما يستعيض في فئة الناشرين عن الانتخاب بآلية الانتداب/التعيين من طرف الهيئات الأكثر تمثيلية.
ويُثير هذا التفريق بحسب المصدر أسئلة حول مبرراته الموضوعية، خاصة وأن التجربة التأسيسية للمجلس قامت على الانتخاب في الفئتين مع اختلاف الصيغة الإجرائية، وهو ما يستوجب بحسبه إما تعليل تشريعي محكم يبين أسباب هذا الاستثناء ومعاييره وضوابطه أو مراجعة تعيد إدراج الانتخاب في فئة الناشرين تحقيقا للتماثل الإجرائي واستقرار الشرعية التمثيلية.
وتضيف الورقة البحثية أن الإشكال الثالث يتمثل في منح الغلبة للناشرين، إذ يرفع تمثيلهم إلى تسعة أعضاء بواقع سبعة ناشرين منتدبين وعضوين من الناشرين الحكماء، مقابل سبعة صحافيين، بعدما كان العدد متكافئا في القانون السابق، وترى الورقة أن هذا الأمر يفضي إلى اختلال بنيوي في تمثيل المصالح داخل المجلس، ويرفع مخاطر تعارض المصالح، ما قد يحد عمليا من حياد القرارات وشرعيتها.
كما سجل المصدر أن الإشكال الرابع يتجلى في جعل التمثيلية مرتبطة بالمال لا بالتأثير، فالمشروع يربط مقاعد الناشرين برقم معاملات المؤسسة وعدد مستخدميها، ما يمنح الأفضلية للمؤسسات الكبرى ماليا حتى وإن لم تكن الأكثر تأثيرا أو التزاما بالأخلاقيات، ويرى معد الورقة أن ذلك يفتح الباب لهيمنة رأس المال على مؤسسة يفترض أن تحرس القيم المهنية.
ويتعمق هذا الإشكال وفقه من خلال اعتماد نظام للأصوات الإضافية قد يصل إلى عشرين صوتا للمؤسسة الواحدة، بناء على رقم معاملاتها وعدد مستخدميها، معتبرا أن هذه الهندسة تغذي مخاطر تعارض المصالح، خاصة وأن جل المؤسسات الإعلامية الكبرى في المغرب تعتمد على الدعم العمومي، ما يجعل تصنيفها كبيرة نتيجة للتمويل الحكومي لا الاستقلالية الاقتصادية.
أما الإشكال الخامس فيتمثل في إسناد تنظيم الانتخابات للجنة مؤقتة معينة بقرار حكومي، وترى الورقة أن هذا يتعارض مع فلسفة الاستقلالية، لأن غالبية أعضاء اللجنة معينون من قبل رئيس الحكومة، “ما يطرح شكوكا حول حيادها”.
وتوقفت الورقة عند الإشكال السادس، المتمثل في غياب تمثيلية الجمهور، إذ أن المشروع الجديد أبعد ممثلي المحامين والكتاب الذين كانوا يشكلون جسرا مع المجتمع، ولم يعوضهم بممثلين عن جمعيات حماية المستهلك أو شخصيات مستقلة، ما يضعف وفقها الرقابة المجتمعية ويزيد احتمالات التواطؤ المهني.
ورصدت الورقة الإشكال السابع المرتبط بتشديد العقوبات التأديبية، حيث رفع المشروع مدة سحب بطاقة الصحافي في حالة العود إلى ثلاث سنوات، وهو ما يساوي عمليا حرمان الصحافي من ممارسة المهنة، كما أضاف مقتضى يحيل إلى النيابة العامة في حالة عدم إرجاع البطاقة، واعتبرت الورقة أن ذلك يتعارض مع فلسفة حرية الصحافة.
وفي ختام تحليلها، أوصت الورقة بضرورة حماية التنظيم الذاتي باعتباره مكسبا وطنيا، من خلال صون مبدأ الانتخاب وإبعاد المال عن هندسة المجلس، كما دعت إلى فتح نقاش عمومي موسع يضمن تعددية الآراء، وإلى منع تحويل المجلس إلى أداة إغراء مادي، حتى يستعيد مساره كآلية ديمقراطية لتنظيم المهنة.