story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

وحش الغابة يا بابا إينوفا

ص ص

هناك لعبة خبيثة تجري أطوارها حاليا لتفجير منطقة شمال أفريقيا وتحويلها إلى مستنقع جديد للاضطرابات والحروب والتناحر الإقليمي.
غريب أن يضم مقر منظمة الأمم المتحدة في الأسبوع نفسه، بل وفي اليوم نفسه، لقاءات رسمية تتعلق بكل من ملف الصحراء المغربية ومنطقة القبايل الجزائرية.
مجلس الأمن الدولي يلتئم في قاعته الرسمية للاستماع ل”إحاطة” المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، بينما فرحات مهني، رئيس حركة تقرير مصير منطقة القبايل. يتحدث أمام منتدى الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية، المنعقد هذا الأسبوع في دورته الثالثة والعشرون في نيويورك، ويعلن من هذا المنبر موعد لإعلان قيام “دولة” القبايل يوم 20 أبريل.
والغريب أكثر أن مسار التحضير لخطوة التحرك الانفصالي في الجزائر، اتسم في الشهور الأخيرة بإصرار واضح على إقحام المغرب وتقديمه “بزّز” كداعم للخطوة، وإحدى الخرجات الإعلامية المخصصة لهذا الاقحام مرت عبر قناة إسرائيلية ناطقة باللغة العربية… فما الذي يدبّر لنا في هذا الركن الغربي من أفريقيا؟
كم كان مؤلما ذلك الشعور الذي انتابني وأنا أفتح رسالة صديق خبر التجربة الانفصالية من داخل جبهة البوليساريو، قبل أن “ينفصل” عنها ويصبح أحد أكثر المدافعين عن خيار الوحدة والتقارب بين شعوب المنطقة.
كانت الرسالة عبارة عن رابط مقال يتضمن تصريحات نشطاء مغاربة ينسبون أنفسهم إلى الأمازيغية، ويعلنون تأييدهم للخطوة الانفصالية في منطقة القبايل الجزائرية، مرفقا إياه بسؤال استنكاري: “في نظركم الى أي مدى يخدم نشر هذه الدعوة مستقبل المنطقة؟”.
ما يحصل يا صديقي لا يخدم لا حاضر ولا مستقبل المنطقة، ويوفّر في المقابل مزيدا من الثقوب كي تتسلل إليها أجندات الخراب والدمار، ولا يمكن لعاقل هنا أو هناك أن يكون في صف مخططات التفتيت والتفكيك وتعميق التمزّق.
ما يجري يحمل على القلق والخوف لأنه مختلف عن كل ما حصل في السابق. المطالب السياسية لسكان ومنطقة القبايل الجزائرية ليست جديدة ولا طارئة، وهي مطالب مشروعة ومبررة بغياب الديمقراطية في الحكم والشفافية في التدبير والإنصاف في توزيع الثروة وثمار النمو وخيرات باطن الأرض الجزائرية، وفي ظل استمرار سلوك السلطات الجزائرية الرافض للاعتراف بالحقوق الثقافية المكفولة طبيعيا ودوليا لجميع بني البشر.
لكن هناك اختلاف في التحرّكات الجديدة، هو هذا الإصرار على جعله يندرج في أجندة إقليمية ودولية يراد للمغرب أن يكون رأس الحربة فيها، حتى نصبح في الهوى سوى، ويتورّط كل منا في دعم مشروع انفصالي في أرض جاره.
وأكثر ما يخيف في هذه التطورات ليس توريط المغرب في دعم واحتضان مشروع انفصالي، بعدما قضى أكثر من نصف قرن في بناء الأطروحة المركزية لسياسته الخارجية، والقائمة على الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والانحياز لخيار الوحدة الترابية للدول، ولنعد إلى تصريحات الخارجية المغربية عقب الهجوم الروسي على أوكرانيا، لنقرأ كيف “جددت المملكة المغربية دعمها للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”، بل إن ما يخيف أكثر هو المبررات التي تقدمها الأصوات المغربية التي تدعم التحرك الانفصالي في القبايل الجزائرية.
هذه المبررات لا تخرج عن دائرة دعم مطالب الناطقين باللغة الأمازيغية في الجزائر، وربط هذا التحرك الانفصالي بأحداث أليمة كمثل ما يعرف ب”الربيع الأمازيغي” الذي شهدته الجزائر في 20 أبريل 1980، وعرف تجاوزات عنيفة من جانب السلطات في حق المتظاهرين المطالبين بحقوقهم الثقافية.
الخشية الكبرى تنبع من كون هذه المبررات نفسها، ومع احترام الفارق الموجود في تعاطي النظامين المغربي والجزائري مع مطالب الحركات الثقافية الأمازيغية وتفوّق المغرب الواضح في هذا المجال، يمكن أن نجدها بسهولة في تاريخنا الحديث والمعاصر، وما أكثر المناطق المغربية الناطقة باللغة الأمازيغية التي تعاني التهميش والتفقير واستغلال الثروات. وما أكثر الأحداث الدامية التي ارتكبت فيها السلطة تجاوزات وانتهاكات.
وإذا كنا جميعا متفقين على استنكار هذه الأوضاع والتنديد بها والعمل بجميع الوسائل السلمية الممكنة لترتيب الحقائق والمسؤوليات وضمان عدم تكرار تلك الانتهاكات، فإننا لا يمكن أن نتفق في جعلها مطية ممكنة أو محتملة لأي مشروع أو أجندة تسعى إلى تفكيك المغرب وضرب وحدته.
ما الذي سيمنع غدا من يدعمون اليوم مطلبا انفصاليا لا نجد له من مبررات سوى تعنّت السلطات الجزائرية في منح حقوق ثقافية واقتصادية مشروعة لسكانها، وارتكابها جرائم وتجاوزات واعتقالات سياسية في حق من يطالبون بها، (ما الذي سيمنعهم) من تبني الطرح الانفصالي نفسه داخل المغرب إذا وجدوا بدورهم غطاء دوليا أو إقليميا أو قناة إسرائيلية تفتح لهم شاشاتها؟
الطرح الانفصالي في منطقة القبايل الجزائرية لا يجد له من مبرر في التاريخ سوى القول إن المنطقة لم تخضع للاستعمار الفرنسي إلا سنة 1857، أي بعد أكثر من ربع قرن من احتلال الجزائر العاصمة. ومن هنا ينطلق فرحات مهني ومن معه في التأسيس لفكرة “شعب القبايل” الذي قد يكون وجوده قائم بالمعني الثقافي، لكنه يوظّف لغايات سياسية غير مشروعة.
بهذا المنطق سيكون على الأصوات المغربية التي تدعم انفصال القبايل أن تخبرنا كيف ستتعامل غدا مع كون مناطق كثيرة في المغرب، منها الأطلس وتازة… التي لم تسيطر عليها فرنسا إلا مطلع الثلاثينيات؟ هل سنعتبر ذلك مبررا لادعاء عدم انتماء هذه المناطق للمغرب وأنها “شعوب” تستحق الاستقلال؟
كلام العقلاء منزّه عن العبث، ومن قضى أكثر من نصف قرن في محاربة وتسفيه أطروحة خرقاء سخيفة اصطنعتها الجزائر لتبرير مشروع الانفصال في نصف ترابه، لا يمكن أن يتحول فجأة إلى منصة لانطلاق مشاريع انفصالية.
احذروا، إن وحش الغابة الذي حذّرت منه أغنية الفنان القبايلي، الراحل إدير، يطرق بابنا بقوة..