story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

وائل، أبو حمزة الشهيد

ص ص

وائل الدحدوح يلخص معاناة شعب الجبارين. كلما أصابه الأعداء ممن نخشى استهدافهم أو لا نأمن غدرهم في مقتل، استمر صابرا محتسبا، بل يزيد عطاؤه وتعلو همته.

وائل الدحدوح رجل، بل وطن يمتد ويتمدد. لا تتوقف حدوده في بضع كيلومترات مربعة هي مساحة غزة، بل وطن يُسجن داخله كل الأحرار طائعين. وطن يُحْيِي كل ذي ضمير متقد، وللمفارقة يُعَذَّب فيه السجانون، رغم أنهم هم من صنعوا السجن بتجبرهم وظلمهم وقتلهم وعنفهم وجبنهم، وكذا الخونة ممن ساهموا معهم متفرجين، متباكين، مدعين، كذابين، أفاقين، متواطئين، محرضين…

وائل الدحدوح صرخة كَمَدٍ تُحْزِنُ من له قلب، لكنها لم ولن تكسر همة رجل فاقت الجبال شموخا والأرض خصوبة.
لا أعرف كيف يقف وائل صلبا صلدا، وتُزْهِر منه يانِعَة رياحين الصبر وتُثْمِر فيه أشجار الأمل، رغم محاولات التجريف والحرق.

وائل الدحدوح أسطورة جيل المناضلين في معركة نقل الصورة وكشف الحقيقة. وائل لا يكشف حقيقة الموت الأسود الذي ينشره العدو الغاصب، بل يتماهى معه ويجسده بفلذات كبده، ومهجة قلبه.

وائل الدحدوح لا يدعك صامتا، بل يدفعك بهدوء دفعا لتغضب غضبا شديدا. وائل يدفعك لتغيير المنكر بقلبك وإِنْ كنت أضعف المؤمنين أو أكبر الملحدين. وائل الدحدوح سردية مستمرة رسمها قبله الكثيرون، ويستمر في خط كلماتها وائل ورعيل فلسطين اليوم، وسيجسدها من نجوا من تحت الأنقاض، وتابعوا صورته على التلفاز أو النقال، أو سمعوا صوته المبحوح محتسبا على موجة إ.ف.م FM المتوفرة لأهل غزة ومقاوميها.

وائل الدحدوح صاحب القبعة المائلة المُغْبَرة، واللحية المبعثرة التي يغزوها شيب الوقار وغبار الدمار، والصندل البلاستيكي المفتوح على أكوام الحجارة ومخلفات بقايا الهمجية البربرية، والملابس المستحيلة إلى اللون الرمادي… وائل لا يعرف معنى للون الرمادي الذي يحيط به في الأرض والجو، بل يقف شامخا في المنطقة السوداء حين ينقل همجية العدو الغاشم وينال حَظَّهُ من سوادها فقدا للأهل والأحباب، وينتقل إلى المنطقة البيضاء حينما يبشرنا بالاستمرار في البقاء هناك حيث الإنسان والأرض كائنان هُلامِيان لا ينفصلان.

أيها العظيم، أخبرني من فضلك عن النبع الذي ترتوي منه إيمانا وصبرا واحتسابا. علمنا سيدي الوفي معنى الوفاء استمرارا على الدرب رغم الرَّزايَا. أيها العاشق لأرض غزة، والناظم غَزَلَك إقبالا على الموت حتَّى تَصِفَ قتل الصبايا والصبيان، والإماء والشيوخ والشبان، وتكشف ظلم ذوي القربى من أهل القبلة والعُرْبان، اكتب لنا وصفة تعزيز مناعة الانتماء، لِتُعيدَ للجسم العليل القدرة على طرد الخلايا السرطانية التي استحكمت في العقول وتطمع أن تُميتَ القلوب.

يا أبا حمزة… سأناديك باسم الشهيد الذي قَلَّبْتَ يده تقبيلا، وانتحبت فوق جسده المُسَجَى حزنا. سأنسبك للابن البارِّ الحنون الكريم المعطاء الذي أبرأت ذِمَّتَهُ أمام الدنيا. سأناديك بأبي حمزة لأن ذلك ديدن الفاتحين والمجاهدين الذين أرعبوهم على مر التاريخ.

سأناديك بأبي حمزة حتى أذكر عملك الصالح الذي دعا لك بالصبر، والذي لن ينقطع أجره إلى يوم الدين. سأناديك أب حمزة الشهيد الذي كاد يسبق ابنه في افتداء أسطوري لم أعرف له مثيلا، فاختار رب العزة حمزة، وتركك لنا نستزيد من درسك المثالي.

يا أبا حمزة، يا أب الشهيد، ويا أب الشهيدة، وجَدَّ الشهيد، ويا زوج الشهيدة… سلام عليك منا يا من يُعَزِّينا في مصابه.

هل سبق لكم أن رأيتم مثل وائل؟ هل عرفتم الآن كيف يقبض شعب وائل على قضيته ويعضُّ عليها بالنواجد؟ هل أدركتم أن وائلا أسلوب حياة وخَيَارُ استمرار ومشروع بقاء من أجلنا جميعا؟

عزيزي وائل الدحدوح، حسبك من الدنيا ما أنت عليه، وحسبنا من الهوان أنك اخترت أن تكون هناك على أرضنا، قبل حمزة، وبعد حمزة ماضيا مستمرا ما دمت على وجه الدنيا الفانية.

أنت ماض يا وائل في طريقك ولا عزاء للمتخاذلين… أنت هناك حيث اخترت، ونحن هنا نختار أن نكون معك عزيزي وائل، وإنا معك على الدرب سائرون…