story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

هل جنت على أهلها المقاومة؟

ص ص

بعد ثمانية أشهر من الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، وفي ظل استمرار العدوان الهمجي ضد سكان القطاع الأبرياء، عاد بعض المشككين ليتساءلوا عن جدوى وتأثير الهجوم الذي نفذته المقاومة في السابع من أكتوبر، وهل تسرعت في تنفيذ الهجوم دون التعمق في الحسابات التي قد تنتج عنه؟ متذرعين بحجم الدمار الذي يعاني منه الغزاويون يوميا.

لا أحد ينكر أن المدنيين في قطاع غزة يعانون من أبشع حصار وتدمير وتجويع لشعب بأكمله في إبادة وانتقام جماعيين لا نظير لهما في العقود القليلة الماضية. لكن، وكما هو الشأن بالنسبة لأي شعب مقاوم عبر العالم، لابد له من تقديم التضحيات في سبيل الانعتاق المنشود. وما شهدناه منذ بدأ العدوان على غزة، فالغالبية العظمى من الغزاويين يدعمون مقاومتهم ويعينونهم بالصمود الشامخ لكل أبناء شعبهم. كما أنه لا يمكن إنكار حجم الصمود الذي تظهره المقاومة المسلحة في غزة يوما بعد يوم، في تحد باسل لبطش آلة الدمار الإسرائيلية.

أولا، المقاومة استطاعت إعادة فرض حل الدولتين على العالم بعد أن كانت إسرائيل قد محته من النقاش العالمي بالقوة. وكثيرة هي الدول التي عادت لتعلن دعمها لضرورة التسريع بحل الدولتين لضمان سلام دائم في الأرض المقدسة. كما تمكنت المقاومة من كبح جماح رياح التطبيع التي هبت على المنطقة العربية، كما فرملت تطبيع السعودية وإسرائيل الذي كان سيعطي انتصارا مهما لنتنياهو وبايدن.

ثانيا، استطاعت المقاومة أن تعري الغرب أمام العالم وتظهره بمظهر المنافق، مع ما يترتب عن ذلك من فقدان ثقة الشركاء وعدم التعويل على الغرب في فرض قيم الديمقراطية والسلام عبر العالم. ظل الغرب يلقي محاضراته على العالم بشأن كونه مساندا للشعوب المظلومة ورغبته في التصدي لأي عدوان على المدنيين العزّل، آخرها عندما رغب في تعبئة العالم ضد روسيا في حربها على أوكرانيا. لكنه ظهر على حقيقته عندما كال بمكيالين في عدوان إسرائيل على المدنيين العزّل في غزة.

ثالثا، استطاعت المقاومة أن تفضح الغرب أمام شبابه وجيل المستقبل لديه. حيث شهدنا كيف أن الاحتجاجات الطلابية المساندة لفلسطين والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار قد رجت سكون الطبقة السياسية في أمريكا وبعثرت أوراقها، خصوصا أن غالبية هذه المظاهرات قد خرجت من رحم أعرق الجامعات الأمريكية.

خامسا، المقاومة استطاعت أن تجعل الداخل الإسرائيلي في حالة تمزيق لم يشهدها منذ حرب النكبة سنة 1948. حيث أن الشارع الإسرائيلي في هذه الأيام يعرف خروج ثلاثة أنواع من الاحتجاجات، والتي تنبئ بصراع داخلي يمكن أن يتحول عنيفا. أولا، هناك احتجاجات عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، الذين يحاولون الضغط على الحكومة لقبول شروط الهدنة وجعل إرجاع الأسرى أولى الأولويات.

ثانيا، هناك احتجاجات المعارضة، والتي تروم تنحي نتنياهو ومحاسبته على كل الجرائم التي قام بها. ثم أخيرا هناك موجة جديدة من الاحتجاجات لشباب “الحريديم” الذين كانوا إلى وقت قريب حلفاء لحزب الليكود والأغلبية اليمينية المتطرفة الحاكمة.

هؤلاء الشباب معفيون من الخدمة العسكرية لكونهم متفرغون لدراسة التوراة والعبادة، لكن جزءا مهما من الإسرائيليين صاروا يطالبون بضرورة تجنيدهم لملء الفراغ الذي يطرحه العدد الكبير لضحايا الجيش الإسرائيلي. فيما يردد “الحريديم” في مظاهراتهم بأن الموت أهون عليهم من التجنيد في الجيش.

كل هاته الاحتجاجات المختلفة هي دليل واضح على مدى تأثير هجوم السابع من أكتوبر الماضي على النسيج المجتمعي الإسرائيلي.

كانت هذه فقط جزءا من المكتسبات التي لا يمكن طرحها بالكامل في مقال واحد، لكنها تظهر لا محالة أن خطوة المقاومة لم تكن اعتباطية، وأنها كانت تدرس نتائجها بشكل دقيق، لا سيما أنها تعرف عدوها أكثر مما يعرف نفسه.