story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

هل ابتلعتنا إسرائيل؟

ص ص

هذه الأخبار التي تأتينا من اسرائيل محمّلة بتفاصيل غير ودية بتاتا، تحمل على القلق في الحاضر والخوف على المستقبل. على صوت ما، من الدولة العميقة أو السطحية لا يهم، أن يخرج ليشرح للمغاربة ماذا يجري بيننا وبين هذا الكيان الشرير بطبيعته.

هل ما يتم إعلانه صحيح ودقيق؟ وللصدفة كل ما يعلن يصدر من داخل اسرائيل وعبر أذرعها الإعلامية وأخطبوطها الدعائي الفتاك. فخبر السفينة العسكرية الاسرائيلية التي رست في ميناء طنجة وتزودت بحاجياتها من الطاقة والمؤن، تم تسريبه للمرة الأولى عبر منصة إعلامية عبرية متخصصة في أخبار الاقتصاد والتكنولوجيا، واليوم نحن أمام خبر جديد، يتعلق بالقمر الاصطناعي الذي يفترض ان المغرب أبرم صفقة شرائه من اسرائيل مقابل مليار دولار، تم تسريبه انطلاقا من اسرائيل دائما.

هذا الذي يحصل لنا ليس بريئا ولا طبيعيا، أي الإصرار على توريطنا أكثر في علاقة حلف لن يسمح لنا بغير موقع التابع بسبب فارق الإمكانات ووسائل الضغط، ثم الحرص على إعلان ذلك، وصبه كالماء البارد فوق رؤوس المغاربة في عز اشتعال لهيب غضبهم وامتعاضهم مما يرتكب في حق اخوتهم الفلسطينيين من حرائق وإبادة.

سمعنا مؤخرا التفسير الذي قدمه وزير الدولة السابق، المصطفى الرميد، والذي ربط تطبيع العلاقات المغربية الاسرائيلية بحادث إغلاق المعبر الحدودي بين المغرب وموريتانيا، أي معبر الكركرات. وهو تفسير أتقاسمه شخصيا وسبق لي التعبير عنه في كتابات عديدة كتحليل وقراءة شخصيين.

لكن وبصرف النظر عن دقة هذا التفسير ودرجة مطابقته للواقع، فإنه بات شيئا من الماضي السحيق، وطوفان الأقصى وما تلاه من حرب إبادة دفنه في سابع أرض، ولم يعد يصلح سوى في تفسير عابر للحظة التوقيع على الاتفاق، ولا يسعف بتاتا في ايجاد أي مبرر لاستمرار تطوير العلاقات المغربية الاسرائيلية، بهذا الشكل المستفز للمشاعر والمثير للمخاوف.

ماذا يعني الصمت تجاه أنباء استقبال سفينة اسرائيلية مخصصة لمهام عسكرية، في وقت يشن فيه الجيش الاسرائيلي حرب إبادة وحشية على الفلسطينيين؟ ثم ما دلالة استمرار الشق الدفاعي تحديدا في أجندة هذه العلاقات، والمضي بشكل طبيعي في صفقة القمر الاصطناعي، كأننا غير معنيين بكل ما تموج به الأرض من تحولات، وبما نتابعه من انعكاسات مباشرة لما يحدث في غزة على أعتى الدول وأكثر الأنظمة تماسكا، كما هوا الحال في أمريكا وبريطانيا وفرنسا….؟

لا يمكن لعاقل أن يكون ضد حرص المغرب على الحفاظ على خيط رفيع يمنع انهيار خط التماس بين المصالح والمخاطر . لكن لا يمكننا ايضاً ان ننكر أن المغرب ضيع فرصة أهدتها له المقاومة الفلسطينية الباسلة، بفعل طوفان الأقصى والصمود في مواجهة الحرب الإسرائيلية التي تحولت إلى حرب إبادة جماعية.

لقد جعل الصمود الفلسطيني كل أوراق التوت تسقط عن عورة الاحتلال، وأصبحت اسرائيل بفضله تواجه برفض كبير، ليس في الأوساط الحقوقية والمحتفظة بضمير إنساني، بل حتى داخل الاوساط التي كانت تاريخيا منغلقة وغير مبالية بما يجري في فلسطين.

في هذه المرحلة التي أصبحت فيها اسرائيل كيانا منبوذا، كان على المغرب ان يقود معركة لدى الموقعين على اتفاقات ابراهام من أجل تجميدها إلى حين وقف الحرب، وفي يده أكثر من ورقة ضغط وتبرير، أقلها غليان الشارع المغربي ومطالبته اليومية بهذا التجميد.

الواقع أن المغرب الرسمي لم يتحرك في هذا الاتجاه لأسباب نعجز عن استنتاجها مهما اجتهدنا في التفهم وإيجاد المبررات.. بل إن الدبلوماسية المغربية غابت بشكل غير مفهوم عن الوفد العربي الذي كلف بالتواصل مع العواصم الكبرى.

وفي الوقت الذي وجهت إسرائيل حملتها ضد قطر (التي كانت ضمن الوفد العربي)، وكانت واشنطن تبحث عن بديل ممكن للقيام بدور قطر إما كليا أو جزئيا، أي لعب دور الوساطة والتنسيق بين الطرفين، وبينما لم يكن هناك أي طرف عربي مؤهلا لذلك، بما في ذلك مصر التي تشارك إلى جانب قطر في تدبير المفاوضات، والتي لا تملك الأوراق والامكانيات للعب دور الوساطة لوحدها بعدما حشرتها اسرائيل في الزاوية الضيقة باحتلالها معبر رفح… في عز كل هذه التطورات، لم تُظهر الدبلوماسية المغربية ما يتيحه لها وضع التطبيع وارتباطه بالأجندة الأمريكية من مبادرات، وبالكاد تم السماح بإدخال المساعدات المغربية إلى غزة…لكن الخطوة بقيت معزولة.

أ كل هذا من أجل هذا؟

اليوم ومع تصاعد الحديث عن إمكانية ابرام صفقة بين اسرائيل وحماس، فإن تداعيات مابعد حرب غزة تصبح أكثر تعقيدا وصعوبة على المغرب. ستجد الدول العربية الموقعة على اتفاقات التطبيع، ومنها المغرب، نفسها مجبرة على التورط في مآلات الحرب، خاصة مع مطالبة أمريكا وإسرائيل بتشكيل قوة عربية-أممية لإدارة غزة. أي أن هذه الدول، وربما أخرى غير موقعة على اتفاقات التطبيع مثل السعودية، ستصبح “في آخر أيامها” حامية لإسرائيل.

هذا الموقف السلبي للمغرب غير مفهوم، لأننا وبعدما أضعنا فرصة الدفع في اتجاه تجميد اتفاق التطبيع، فإننا اليوم نضيع فرصة أخرى تتعلق بالحاجة إلى إدارة المصالحة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية من أجل بلورة موقف يقود نحو توحيد الصف الفلسطيني، وبالتالي قطع الطريق على أية إمكانية لفرض حكم عسكري لغزة، أو الدفع في اتجاه تشكيل قوات مشتركة عربية لإدارتها، مما يعني مزيدا من التوريط.

بالمناسبة، وبما أن البعض يجد الشماعة السهلة لتعليق كل هذه الورطات في ملف الصحراء، فإن ربط وحدتنا الترابية بقضية فلسطين، يشكل خطرا وجوديا على المغرب. هذا رغم كل محاولات المقاومة التي قام بها المغرب، وكشف أحد تجلياتها المصطفى الرميد في حواره الأخير معنا، حين قال إن الوزراء الذين التقوا نهاية 2019 وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، تلقوا توجيهات ملكية صارمة بعدم إثارة موضوعي فلسطين والصحراء نهائيا، لمنع واشنطن من ربطهما ببعضهما، (رغم هذه المقاومة) فإن الارتباط بات قائما ولم يعد مجرد احتمال.

لقد كان هذا الربط الذي نجح المغرب طيلة فترة النزاع حول الصحراء من منع حدوثه، خطرا كبيرا علينا ولا زال، لأنه يُحكم قبضة فكي الكماشة الدولية على الوريدين الذين يربطان قلب المغرب بدماغه: الشرعية الدينية للملكية ودفاعها عن الوحدة الترابية. وسيتضاعف أكثر هذا الخطر مع فوز حزب العمال ببريطانيا بالانتخابات، وتوسيع رقعة الداعمين للحق الفلسطيني…

ستصبح مهاجمتنا وضرب مصداقية مطالبنا وحقوقنا الترابية، أسهل من شربة ماء، لأننا بكل بساطة: حلفاء لسيئة الذكر، اسرائيل.