story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

نموذج قيمي بديل

ص ص

لقد بصم النموذج الليبرالي الإنسانية لفترة معتبرة من الزمن، وقد تمكن الغرب بريادته الاقتصادية والعسكرية والعلمية أن يفرض تفوقه القيمي عبر تبنيه لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان كفلسفة أفرزتها مرحلة ما بعد الحروب العالمية المدمرة

لا يهمني اللحظة الخوض فيما إذا كانت جينيالوجيا النموذج الحقوقي الليبرالي مبدئية بالأساس منذ نشأتها تهدف إلى حماية الإنسان بوصفه إنسان، أم تهدف لخدمة مصالح الإنسان الغربي وتكريس تفوقه، ما يهمني اللحظة هو محاولة قراءة مآلات هذا النموذج بعد أن تسَيَّدَ الخطاب الأخلاقي لفترة طويلة من الزمن.

لا أحد ينكر أن النزعة الغربية المركزية المعتَدَّة بمنجزها الديمقراطي، استطاعت أن تُصَدِّرَ نموذجها وتُسوِّق له كحلم إنساني تناضل لبلوغه شعوب الأرض، حتى أن النموذج تمت ترجمته إلى الإتفاقيات الأممية الأساسية التي اكتسبت صفة الكونية حتى حصنت نفسها بالطبيعة والبداهة، أي أن كل انسان متحضر في هذا العالم، من الطبيعي والبديهي أن يكون نصيرا للنموذج المتسيد وإلا فهو متخلف وغير طبيعي.

وقد ظل البراديغم المؤطر لهذا النموذج ينهل من مركزية الإنسان وأولوية الإنسان وحُرمة نفس الإنسان وسلامته وحريته، وهو ما جعله جاذبا وملهما ومتفوقا، حتى صارت الاتفاقيات الدولية التي تبلورت في كنف هذا النموذج قادرة على انتزاع صفة السُّمو على كل التشريعات المحلية، وتدعو إلى التسريع بتعديلها للملاءمة والمواءمة،

إن المعنى الثاوي وراء ذلك هو أن شعوب الأرض كلها بخصوصياتها وتاريخها وحضاراتها عاجزة عن انتاج ما يفوق مخرجات هذا النموذج قيميا وأخلاقيًا، وأنها مجبرة على الانصياع له والتسليم بنبوغه، والشواهد والمبررات ظلت دائما تكمن في مستوى عيش الشعوب الغربية ورفاهيتها واحترام كرامتها وحقوقها في ظل أنظمة تستند إلى معايير الديمقراطية المرجعية.

ما الذي يحدث اليوم؟ وما مآلات هذا النموذج؟

لقد بدت مؤشرات تآكله الداخلي تتعاظم منذ فترة، حيث فقدت القيم الديمقراطية ذات المرجعية الليبرالية مناعتها في الغرب لصالح نزعات مادية تبحث عن تحقيق مصالح الإنسان الأبيض ولو على حساب غيره من البشر، وهو ما ترجمه الصعود اللافت والمعبر لليمين المتطرف في الغرب، كما عكسته الانتهاكات المتكررة لحقوق الأقليات ورفض اللاجئين وتصاعد الإسلاموفوبيا ودعم الديكتاتوريات دفاعا عن المصالح الذاتية، والتآمر على توق باقي الشعوب للحرية والديمقراطية، كما أن النزوع الفرداني وتغول حقوق الفرد على الجماعة أفرز تهديدا حقيقيا للمعايير والقيم الإنسانية التي حمت وجود البشر على كوكب الأرض.

هذا النموذج الذي يزداد هشاشة تلقى اليوم رصاصة الرحمة بإطلاق عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023. لقد جرف الطوفان في طريقه أشياء كثيرة ستتضح مع الزمن، وأبرز ما تم تجريفه هو هذا النموذج الذي أثبت إفلاسه الأخلاقي وعدم مبدئيته وتجريده، كما كسر وهم انحيازه للإنسان وهو يشاهد متفرجا ومتواطئا تجريد الإنسان الفلسطيني من إنسانيته، بل وحتى مما يحظى به الحيوان في هذا النموذج المنافق.

لقد تفكك هذا النموذج أمام صور استشهاد الأطفال والرضع وصور ارتعاش أجسادهم الهزيلة من هول ما عاشوه بعدما تم تسليمهم بشيك على بياض لآلة عنصرية إجرامية لا تُبقي ولا تذر.

لم يعد النموذج القيمي الغربي قادرا على التصدر بعدما فقد بريقه بسبب احتضانه لإسرائيل وعجزه عن التصدي لهمجيتها، وبذلك فالبشرية بحاجة أكثر من أي وقت مضى لنموذج أخلاقي وقيمي جديد، يعيد إليها توازنها ويمنحها استحقاق التفوق على باقي الكائنات التي لا تتسم لا بالعقل ولا بالحكمة ولا بالتبصر، ومع ذلك لم تتسبب في مثل ما يحدث اليوم من إبادة وجرائم ضد الإنسانية في غزة