story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

مشنقة أردوغان ونبوءة القذافي

ص ص

لا أعرف ما إذا كان هناك من لم يقتنع بعد بأن الأمر يتعلّق بطاغوت الزمان عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل وجرائمها. وإذا كانت هناك بقية باقية ممن لم يستوعب ذلك بعد، ها هو الكيان المحتل لفلسطين يعطي دليلا جديدا: تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن يلقى المصير نفسه الذي لقيه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، أي الشنق.
لمن لم يتابع القصة، يتعلّق الأمر برد إسرائيلي، كان من الطبيعي أن يصدر وأن يكون قويا وعنيفا.. لكن المفاجئ فيه هو هذا التلويح بمصير صدام الذي ظلّ قاتلوه يبررون شنقه بالسعي لنشر الديمقراطية والحرية في بلاد الرافدين.
الرد الإسرائيلي جاء بعد تصريحات أدلى بها الرئيس التركي قبل يومين (الأحد 28 يوليوز 2024) خلال مشاركته في تجمّع لحزبه، العدالة والتنمية، في منطقة “ريزا” الواقعة في شرق الساحل الشمالي المطل على البحر الأسود.
وحسب التصريحات التي نقلتها وكالة أنباء الأناضول، أي أن الرسالة جرى تبليغها عن سبق إصرار وترصد، فإن تركيا تستطيع الهجوم على إسرائيل إن هي حازت القوة العسكرية الكافية.
وضرب أردوغان المثال بكل من أذربيجان وليبيا، حيث قامت تركيا بتدخلات عسكرية في السنوات القليلة الماضية، وأبانت عن قدرات عسكرية كبيرة، وتمكّنت من ترجيح كفة الطرف الذي ساندته في كل من الحالتين.
هذا تهديد صريح ومباشر، بصرف النظر عن خلفياته وسياقه ودواعيه. وهذا النوع من التهديدات يعطي الحق، وفق القانون الدولي، للطرف المستهدف به بالرد والشجب والتنديد.
لكن المفاجئ هو طريقة الرد الإسرائيلي على التهديدات التركية، والتي جاءت عبر تغريدة لوزير الخارجية الإسرائيلي في منصة “إكس”، قال فيها يسرائيل كاتس إن أردوغان يسير على خطوات الرئيس العراقي السابق صدام حسين، داعيا إياه إلى تذكّر ما وقع هناك و”كيف انتهى الأمر”.
وأرفق الوزير الإسرائيلي التغريدة بصورة لصدام حسين التقطت له لحظة اعتقاله خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وبما أننا في هذه الأرض السعيدة أصبحنا مطالبين بتبرير البديهيات، بما في ذلك التضامن مع الفلسطينيين ومناهضة دولة عنصرية مجرمة مثل إسرائيل، فإننا سنترك الشنآن الذي وقع بين دولتين أجنبيتين وشأنه، فكلاهما “فران وقاد بحومة”، وسنشير إلى ما يفترض أنه يهمّنا في الواقعة.
وأول ما ينبغي تسجيله، هو أن إسرائيل ليست مقدّسة لا يمكن الاقتراب من ساحتها أو مشاكستها. ها هو أمامنا رئيس دولة مسلمة (علمانية) محسوبة على هذا الشرق المراد تفكيكه وتشتيته، يقف أمام الجماهير في ساحة عمومية ويهددها ويتوعها.
ليس مطلوبا من أي كان أن يقتدي بأردوغان ولا أن يقلّده، المطلوب فقط استيعاب أن من الممكن اتخاذ مواقف ضد هذا الكيان مهما كانت المصالح المرتبطة به. وهل هناك من مصلحة مرتبطة بإسرائيل أكثر من سلامة تركيا أمنيا واستقرارها اقتصاديا، وهي العضو في حلف شمال الأطلسي؟
الأمر الثاني، وربما الأهم في هذه الواقعة، هو تلك الحقيقة التي صدرت اليوم على لسان مسؤول رسمي هو وزير خارجية إسرائيل، عن غزو العراق وتدميره وتقتيل قرابة مليون من مواطنيه وإعدام رئيسه عبر تعليقه في حبل المشنقة أمام أنظار العالم.
الحقيقة كانت معروفة، إلا عند من في قلوبهم مرض، لكن الجديد الآن هو الحجة الدامغة التي قدّمها الوزير الإسرائيلي، على أن العراق تعرّض للتدمير والفتك، ليس لأن حاكمه دكتاتور يفتك بمواطنيه، وهذا حقيقة ينبغي الاعتراف بها واستنكارها أيضا، ولا لأنه هدّد دولة الكويت المجاورة وحاول غزوها، ولا لأنه تحالف مع القاعدة وناصر بن لادن كما زعم البعض… بل لأنه استعصى على آلة التطويع والإخضاع.
نعم صحيح أن صدام حسين خاض حربا طويلة ومدمرة ضد ايران بالوكالة عن الغرب وحلفائه في المنطقة، وصحيح أيضا أنه هدّد جيرانه العرب والعجم، وصحيح كذلك أنه ارتكب جرائم فضيعة ضد مواطنيه… كل هذا صحيح، لكن ما يهمّنا هنا هو العلة التي تقف وراء الغزو والدمار والشنق.
تصريحات الوزير الإسرائيلي تعني أن بإمكانكم يا حكام المنطقة العربية الإسلامية أن تكونوا فاسدين، ودكتاتوريين، وتفتكوا بمواطنيكم، وتحاربوا بعضكم البعض، وتنهبوا خيرات بلدانكم، وتعيثوا في الأرض فساد، لكن إياكم أن تجرؤوا على إزعاج إسرائيل ولو برفع البصر نحوها، بالأحرى تهديدها بالغزو العسكري كما فعل أردوغان اليوم وقبله صدام حسين.
تصريحات الوزير الإسرائيلي العلنية، ردا على تهديدات أردوغان العلنية أيضا، تعطينا فكرة عما يتعرّض له حكام المنطقة في السرّ على ما يمكن أن يقدموا عليه من رسائل سرية تبدي التحفظ على المطالب والإملاءات الإسرائيلية.
يمكننا أن نتخيّل ما حصل للريس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن عندما تلقى دعوة لإلقاء خطاب أمام البرلمان التركي.. كان الله في عونه.
تهديدات الوزير الإسرائيلي الرعناء ضد رئيس أقوى دولة على الإطلاق في المحيط العربي والإسلامي لإسرائيل، بما أن السلاح النووي الباكستاني يظل رقما في معادلة التوازن مع الهند فقط، وتحت الرقابة الغربية.. (هذا التهديد) صفعة لمن لم يستيقظ بعد.
نعم لا شك أن وراء تصريحات أردوغان مصلحة وطنية تركية ما، يريد تحقيقها بالضغط على واشنطن عبر قناة وكالتها الصهيونية. ومن المؤكد أن الرئيس التركي يسعى إلى تدارك الوضع بعد هزائم حزبه الانتخابية الأخيرة، والتي فسرها المراقبون بعوامل من بينها ضعف الموقف التركي من العدوان الإسرائيلي على غزة… لا شك في كل هذا بتاتا..
لكن ماذا تريد باقي شعوب المنطقة، من أنظمتها وحكامها، سوى الحرص على مصالحها الوطنية وتحقيقها، مع استحضار معطى مهم: المستهدف بسمّ العقرب المدسوسة في قلب المنطقة ليس فلسطين وحدها، بل كامل دول وشعوب المنطقة، بدءا من تركيا التي كانت فلسطين تحت سيادتها لحظة غزوها، ووصولا إلى المغرب الذي كانت له حارة كاملة في القدس.. هي أول ما دمّره الاحتلال الإسرائيلي للقدس عقب هزيمة 1967.
بئس الزمان الذي أدركنا حتى بتنا نستحضر طاغية مثل معمر القذافي لنستشهد بخطابه، وهو القائل ذات قمة عربية انعقدت في العاصمة السورية دمشق عام 2008: “يمكن الدور جاي عليكم كلكم”.