story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

مدونة الشغل قبل الأسرة

ص ص

في الوقت الذي ينغمس فيه طيف واسع من المجتمع والهيئات الحزبية والمدنية في نقاش مراجعة مدونة الأسرة، ويعتقد كل من “المعسكرين” الحداثي والمحافظ، أنه يدافع عن نموذج مختلف للمجتمع والأسرة وأدوار المرأة فيهما عبر تصوره الخاص لهذا القانون، تطلعنا المندوبية السامية للتخطيط هذا الصباح، عن نتائج دراسة تخبرنا أننا نخطئ الطريق تماما حين نحمّل نصا قانونيا أكثر مما يحتمل ونتجاهل قوانين السوق والمجتمع.
الدراسة التي تتعلق بمشاركة النساء في سوق الشغل انطلاقا من أبحاث ميدانية ومقارنة بين جهتين تمثلان وجهين مختلفين للمغرب: جهة الدار البيضاء الكبرى وجهة الشرق، تقول إن أوضاع المغربيات لا ترتهن فقط إلى قرارات الزواج والطلاق والولاية والحضانة… بل إن جل هذه الحالات ما هي في الحقيقة سوى نتيجة لعوامل ثقافية واقتصادية، هي ما ينبغي أن تتجه السياسات العمومية للدولة نحو التأثير فيه لتحسين وضعية المرأة المغربية.
تخبرنا الدراسة الجديدة أننا مقبلون من الآن على إعادة إنتاج نفس الأوضاع الاجتماعية التي تبقي قسما كبيرا من المغربيات سجينات تمثل اجتماعي يحصر دورهن في العمل المنزلي والبقاء خارج الدورة الاقتصادية، ومن ثم تضخم الانتظارات والنقاشات حول فصول المدونة والنفقة والإرث وتقاسم الثروة بعد الطلاق…
بلغة الأرقام، تخبرنا الدراسة الجديدة أن 36 في المئة من المغربيات اللواتي يتراوح سنهن بين 15 و24 سنة، هن أصلا في دور ربات البيوت، و62 في المائة فقط منهن تتابعن دراستهن، بينما يتابع 94 في المئة من الذكور المنتمين إلى هذه الشريحة العمرية دراستهم، أي أننا مقبلون على إعادة إنتاج نفس “البروفيل” من النساء غير العاملات حاليا، واللواتي يصبح الزواج ورعاية الأبناء بمثابة الوظيفة التي يؤدينها مقابل “النفقة”.
كما تخبرنا الدراسة أن أعلى نسب احتمال عدم الولوج إلى سوق الشغل، تسجل في صفوف النساء اللواتي تجمعن بين العوامل التالية: أن تكون متزوجة، وسنها بين 25 و34 سنة، وذات مستوى تعليمي ضعيف أو متوسط. بينما ترتفع حظوظ الحصول على فرصة شغل في صفوف النساء اللواتي تجمعن بين عنصر العزوبية والمستوى التعليمي المرتفع… وهو ما يلاحظ بوضوح في صفوف المغربيات الحاصلات على مستوى تعليمي مرتفع واللواتي يتراوح سنهن بين 25 و44 سنة.
بل إن عاملي الزواج والولادة يعتبران “عنصري تشديد” وعقبتين كبيرتين في طريق المغربية نحو سوق الشغل، لأن نسبة احتمال البقاء دون عمل تقفز من أقل من 18 في المئة عند المغربيات الحاصلات على شهادات عليا ممن يتراوح سنهن بين 25 و44 سنة، إلى 36 في المئة حين يتعلق الأمر بمغربيات متزوجات، ثم إلى 53 في المئة عندما يضاف إلى الزواج عامل وجود أبناء.
المفارقة التي تسجلها الدراسة، هي أن أعلى نسبة احتمال عدم الحصول على فرصة شغل، هي التي تسجل لدى الفئة الشابة، أي التي يتراوح سنها بين 25 و34 سنة، حيث تصل هذه النسبة إلى 60 في المئة.
إلى جانب العامل الاقتصادي، يتدخل عنصر الخصائص الثقافية والاجتماعية، إذ ترتفع نسبة احتمال عدم العمل في صفوف النساء من 68 في المئة في جهة الدار البيضاء سطات، إلى 81 في المئة في جهة الشرق، بينما تكاد النسبة لا تختلف بالنسبة للذكور في الجهتين، وتناهز 7 في المائة في الدار البيضاء و8 في المئة في الشرق.
وتبرز الفوارق بين المغربيات حسب الانتماءات المجالية حين ينظر إليها في إطار وطني شامل، حيث تبلغ نسبة احتمال عدم العمل 87 في المئة في صفوف المغربيات في جهة العيون الساقية الحمراء، بينما تنخفض هذه النسبة إلى حدود 68 في المئة بالنسبة للمغربيات المقيمات أقصى شمال المملكة، أي في جهة طنجة تطوان الحسيمة.
وتبرز أهمية هذه العنصر الاجتماعي والثقافي عندما نأخذ على سبيل المثال فئة النساء العازبات غير المتعلمات، اللواتي ترتفع نسبة احتمال بطالتهن من 58 في المئة في جهة الدار البيضاء سطات، إلى 82 في المئة في جهة الشرق.
في المقابل، يلعب عنصر استمرار مظاهر الأسرة الممتدة والتكافل العائلي في صالح عمل النساء في جهة مثل الشرق، في مقابل تأثير عنصر الأسرة النووية السائدة أكثر في جهة مثل الدار البيضاء سلبيا في حظوظ النساء في العمل أو الحفاظ على مناصب الشغل في حالة الزواج ووجود أبناء، فيما تعاني المشتغلات منهن من عبء مضاعف نتيجة تحملهن للعمل داخل وخارج البيت.
نتائج جزء من دراسة المندوبية تم في شكل مجموعات بؤرية شملت 274 امرأة تتوزعن بين العالمين الحضري والقروي لجهتي الشرق والدار البيضاء سطات، كشفت ثقل الضغوط والرفض العائليين لعمل النساء وتأثيره في حظوظهن لولوج سوق الشغل، حيث تعاني نساء جهة الشرق بشكل خاص من التمثل الاجتماعي السلبي للمهن النسائية “الحرة”، على خلاف التقدير الذي يحظى به العمل في سلك الوظيفة العمومية.
وتزيد معاناة النساء من صعوبات خاصة لا يوجهها الرجال في فضاءات العمل، مثل التحرش والأجور المتدنية والعمل دون عقود أو بعقود محدودية المدة… من تعقيد علاقة المغربيات بسوق الشغل وقدتهن على ولوجه.
أضم صوتي إلى صوت المندوبية في ما انتهت إليه من خلاصة، حين دعت إلى توجيه السياسات العمومية نحو معالجة الأسباب العميقة لعدم ولوج المغربيات إلى سوق الشغل، وهي أسباب سوسيو ثقافية، وذلك أساسا عبر ضمان استفادة المغربيات من حقهن الكامل في التعليم واستكمال الدراسة حتى مستوياتها العليا، مع القيام بكل ما يلزم من إجراءات لتيسير مهمة المرأة العاملة وتمكينها من التوفيق بين مسارها المهني ومسؤولياتها الأسرية، عبر التحفيز على “مهننة” الأعمال المنزلية، وتوفير فضاءات استقبال ورعاية أبناء النساء العاملات.