story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

لسان المغرب باق

ص ص

طنجة، حومة بنيدر، الثامن من ثاني شهور السنة، فبراير، سنة سبعة، تسعمئة وألف، لكوازيط البلد حينها، انضاف لسان، أنطقه افرج الله نمور أولى حروفه، روى به حال المغرب، قص عبره أنباءه، وضم في طياته بنود مسودة أول دستور للبلد. صحيفة تبنت خطاب السياسة والتجارة والأدب، وعرضت مضامينها أسبوعيا لظمآى الخبر، مقابل عشرين سنتيما. واختير لها من الأسماء حينها “لسان المغرب”.

لسان الناس لغتهم، وقلبهم الناطق، فلما أراد ابن منضور تأليف معجم شامل وجامع ترتيبا ووضعا للمواد اللغوية، لم يجد له من الأسماء أفضل وأخير من “لسان العرب”، فصار بذلك أشهر مجلد له بين الخمسمائة التي ترك، بين تأليف واختصار. إن اللسان، سيد الإعراب والإفصاح. فإن هو تخلف في التعبير الدقيق، والصحيح، اختل الفهم، وبطل الحجاج وفسدت النيات. وإذا فسدت النية، وقعت البلية.

الرباط، زنقة الينبوع، الشهر الحادي عشر بالسنة، نونبر، ثلاثة وعشرون وألفين. لازال الوطن في تيه، مئات الأفواه تصرخ، وتصرخ. الصراخ يتعالى، والأصوات تتشابك، والتيه، التيه، يغزو الساحات جلها. لكن، لا لسانا رشيدا بليغا يبوح. وإن ذلاقة اللسان، لا تستدعي أبدا سلامة اللفظ فحسب، بل تستدعي لبابة الفهم، وفضيل المقصد، ولسان الناس، صوتهم. وصوت الناس، صرختهم، هياجهم، سكينتهم، همسهم، وسكونهم حتى. في تسجيله خلود للذاكرة، وفي تدوينه حفظ لا يفنى.

وحتى لا تكون -أو تظل- “آفة حارتنا النسيان”، فتتكرر مصائبنا، فإن تأبيد الصوت غاية لا بد أن تدرك. وفي الصوت بوح، وفي البوح الملاذ والمعتصم. وإنه ليس أحب للمرء، من أن يجد من يسكب نفسه في نفسه، فردا كان، أو مكتوبا، فيصير له الملاذ والمعتصم.

إن نمور قد مات حتما، إلا أن فرج الله أبدا لا يموت، فرج الله باق، يأتي من حيث لا نحستب، ويضعه الله حيث لا نعلم، فرج الله قد تلقاه، واليقين أنه حتما يلقاك. قد يلقاك في كف مسكين. نمور مات حتما، لكن لسان المغرب، صوت المغرب باق. وإن كنت تفتش عنه، فهو ملاقيك، حتما ملاقيك، في كف مسكين، في حبره، ملاقيك هذا لسان المغرب، لسانكم.

هذا صوت المغرب، صوتكم، همسكم، سكونكم، يروي أسبوعيا لا نبأكم، بل نبأنا أجمع، نخلد به الذكر والذكرى. نخطه نحن، فيقرأه العالم، ربما بعيونه، لكن الأكيد أنه بصوتنا يقرأ إن الصوت هوية. وفي حمل الهوية وعد وعهد، وصدق.

وهذا صوت المغرب، يرفع إليكم خطاب السياسة، والتجارة، والأدب، وأكثر. هذا صوت المغرب، صوت الهوية، لكل هوية. منكم إلينا، ومنا إليكم. نعطي سويا صدى، لصوت البلد، باسم البلد. أما قبل، ثم أما بعد، فإن خير الاستهلال الحمد، وأجل الختام الحمد. فمن قبل ذا وذاك، وبعد ذا وذاك، نحمد الله أطيب الحمد وأوفاه، -ولو كان للحمد لفظ أبلغ من هذا، لحمدناه به تعالى- ، وإنا على يقين أنا مهما اجتهدنا في ذلك، قصرنا شديد التقصير. ولا نستثني ذكرا أبدا، خير من نطق فأفصح، وكان للبلغاء قدوة وإماما.

صل الله عليه وعلى آله الأطهار الطيبين، وصحابته الأبرار الخيرين.

من الرباط، زنقة الينبوع، الشهر الثاني عشر بالسنة، دجنبر، ثلاثة وعشرون وألفين.

هنا، لصوتكم صدى يكسر حدود المدى.