story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

لا خوف على العلاقات المغربية- الاسبانية في حال تنحي بيدرو سانشيز من الحكم

ص ص

تفاجاً الكثير من المغاربة من الرسالة التي نشرها رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز على موقع إيكس، والتي لمح فيها إلى إمكانية تنحيه من السلطة بحلول يوم الاثنين القادم. ولعل أول سؤال تبادر لذهن الكثيرين هو ما هو مآل العلاقات بين المغرب وإسبانيا، علماً أن السيد سانشيز لعباً دوراً محورياً في ضخ دماءً جديدة في هذه العلاقات وفي الرقي بها إلى أعلى المستويات بعد ما أكد قبل عامين أن مشروع الحكم الذاتي المغربي هو الأساس الوحيد الذي يمكن البناء للتوصل لحل سياسي نهائي للنزاع حول الصحراء المغربية.

من خلال حواري مع بعض الأصدقاء وقراءتي لبعض التعليقات، لاحظت أن هناك كثير من التخوف لدى الرأي المغربي في أن تعيش العلاقات بين الرباط ومدريد انتكاسة في حال تنحي سانشيز ورجوع الحزب الشعبي للحكم. ولتوضيح الصورة لدى الرأي العام، ينبغي الإشارة إلى ما يلي:

احتمال رجوع الحزب الشعبي للحكم في إسبانيا في هذه الفترة، حتى في حال تنحي سانشيز من الحكم شبه منعدمة. رجوع الحزب الشعبي يعني إجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها وهو ما لا يمكن تحقيقه في الوقت الراهن. والسبب وراء ذلك هو أن قانون الانتخابات في إسبانيا يشترط مرور سنة على الأقل من آخر دعوة لإجراء الانتخابات قبل إمكانية إجراء انتخابات برلمانية جديدة. وهو الشرط الذي لا يتوفر في هذه الحالة لأن آخر مرة دعا فيها سانشيز لاجراء انتخابات كان بتاريخ 29 ماي الماضي. فلو افترضنا أن سانشيز، قرر تنحيه من منصب الرئاسة بحلول 29 ماي القادم أو بعد هذا التاريخ، ففي هذه الحالة، كان سيتعين عليه الدعوة لتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، مما يفتح الامكانية أمام الحزب الشعبي للعودة لرئاسة الحكومة. إلا أن عدم مرور سنة على آخر دعوة للانتخابات العامة يجعل هذه الفرضية غير واردة.
وبالتالي، فحتى في حال قرر ساشنيز التنحي، فسيتم تعويضه بخليفة له من داخل الحزب الاشتراكي، الذي سيتعين عليه الحصول على تزكية البرلمان، وهو ما سيمكن تحقيقه دون صعوبات.

وحتى اللحظة، يبدو أن هذا السيناريو ليس هو الأقرب إلى الواقع وأن سانشيز في طريقه إلى الحفاظ على منصبه وإتمام ولايته الانتخابية. فبمجرد أن نشر سانشيز رسالته للشعب الاسباني في موقع إيكس، تحركت كل القوى الفاعلة والشخصيات المؤثرة في الحزب الاشتراكي لإقناعه بالعدول عن فكرة التنحي بالسلطة. وأكدوا له أنهم عاقدون العزم على عدم ادخار أي جهد لمساعدته على التصدي لكل الهجمات التي تتعرض لها عائلته. ولتحقيق هذا الغرض، قررت اللجنة الفدرالية للحزب الاشتراكي، وهي أعلى هيئة في الحزب، تنظيم تجمع جماهيري يوم السبت للتعبير عن دعمها المطلق لرئيس الوزراء سانشيز. ولم يحصل سانشيز على الدعم الداخلي فقط، بل كذلك على دعم دولي من قبل عدد من القادة الأجانب الذي ينتمون لنفس توجهه الأيديولوجي، ناهيك عن الهيئة الدولية للاشتراكية (La Internacional Socialista)، والحزب الاشتراكي الأوروبي، اللذان نشرا بيانين عبرا فيه عن دعمهما لرئيس الوزراء الاسباني وعن أملهما في أن يظل في منصبه. وبالتالي، أمام هذا الدعم منقطع النظير الذي حصل على رئيس الوزراء الاسباني وعزم القوى الاشتراكية الاسبانية إفشال الأساليب الشعبوية التي لجأت لها أحزاب اليمين واليمين المتطرف لتقويض سمعة سانشيز والتشكيك في نزاهته، أعتقد أنه سيبقى في منصبه.

كما أن هناك معطى أساسي ينبغي الانتباه إليه، وهو ما تحدث عنه الكثير من المختصين في الشأن الاسباني، وهو أن سانشيز يعتبر “وحش” سياسي يمتلك من الخبرة والحنكة والمرونة ما يؤهله لتجاوز كل الصعاب وكل المطبات للرجوع بشكل أقوى مما كان عليه. وفي حال بقائه في منصب- وهو السيناريو الاقراب إلى الواقع- فإنه سيستغل الدعم الذي حصله عليه من كل أقطاب الحزب الاشتراكي وكل المتعاطفين مع الحزب لاكتساب شرعية سياسية أقوى ستؤهله لمواجهة كل الهجمات اليومية التي يتعرض إليها من قبل الحزب الشعبي وحزب فوكس اليميني المتطرف ومنظمات المجتمع التي تدور في فلكهما.

حتى لو افترضنا جدلاً أن الحزب الشعبي سيرجع للحكم- وهو كما أشرت إلى ذلك لن يتحقق في الوقت الراهن- فلن يكون لذلك وقع كبير على العلاقات بين المغرب وإسبانيا، ولن يدفع هذه الأخيرة إلى إعادة النظر في الموقف الذي تبنته تجاه المغرب بخصوص الصحراء حين عبرت عن دعمها الواضح لمخطط الحكم الذاتي المغربي. لقد وقع تحول كبير في نظرة الحزب الشعبي تجاه المغرب. فمنذ أكثر من عقد من الزمن- وحتى وإن كان المغرب يفضل التعامل مع حكومات اشتراكية- فقد ظهرت بوادر انفتاح نخبة الحزب الشعبي على الابتعاد عن النظرة التي كانت سائدة في صفوفهم حتى نهاية العقد الأول من هذا القرن. فبعدما كانت له بعض المواقف المعادية للمغرب خاصةً إبان تواجد رئيس الوزراء السابق خوصي ماريا أثنار، غير الحزب الشعبي من لهجته الحادة تجاه المغرب بعد تولي رئيس الوزراء الحالي ماريانو راخوي لمقاليد الحكم في صيف عام 2011. فقبل الانتخابات البرلمانية لعام 2011، أبدى الكثير من المراقبين تخوفهم من أن ترجع العلاقات بين المغرب وإسبانيا إلى نفس التوتر الذي شهدته خلال ولايتي أثنار على رأس الحكومة خلال الفترة ما بين 1996 و2004.

غير أن راخوي فطن أن المغرب أصبح معادلة صعبة في السياسية الداخلية والخارجية الإسبانية، ومن تم تبنيه لنفس النهج الذي تبناه سلفه من الحزب الاشتراكي خوسي لويس رودريغيز ثاباتيرو، والمتمثل في تمتين العلاقات بين البلدين وتفادي كل ما من شأنه أن يعكر صفوها. وخلافاً لما يكن يتصوره بعض المراقبون، فلم تتخذ الحكومة الإسبانية أي موقف معاد للمغرب في قضية الصحراء، واتبعت نفس سياسة الحياد الإيجابي التي تبنتها حكومات فيلبي غونزاليس وروريغيس ثاباثيرو. بل الأكثر من ذلك، كانت إسبانيا في إطار مجموعة الصداقة حول الصحراء، التي تضم كذلك فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، من بين الدول التي لعبت دوراً مهماً في إقناع الولايات المتحدة بتغيير لغة مشروع القرار الذي طرحته أمام مجلس الأمن في شهر أبريل 2013، والقاضي بتوسيع صلاحيات المينورسو لتضم مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.

فمع مرور السنوات وتعاقب الحكومات الإسبانية، وصلت العلاقات المغربية الإسبانية لمرحلة متقدمة من النضج تجعلها في منأى عن التحولات السياسية في إسبانيا. بمعنى آخر، مهما كان لون الحزب الذي يتقلد الحكم في إسبانيا، فإن من أولى أولوياته الحفاظ على متانة العلاقات بين البلدين والعمل على تطويرها. وبالتالي، فحتى في حال انتقلت رئاسة الحكومة الاسبانية إلى قبضة الحزب الشعبي، فلن يطرأ أي تغير على موقف إسبانيا بخصوص الصحراء المغربية.