story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

كيف ينظم المغرب عمليات نزع الملكية لأجل المصلحة العامة؟

ص ص

تتواصل عمليات الهدم والترحيل ونزع الملكية في عدة أحياء بمدينة الرباط، ومنها حي المحيط الذي عرف هدم عدد من البنايات وترحيل قاطنيها، ما خلف موجة استنكار واسع في أوساط المواطنين والنشطاء الحقوقيين.

واتهم العديد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين السلطات المعنية بالتعسف وخرق القانون، حيث يرى البعض أن التبريرات التي تُقدمها سلطات العاصمة من قبيل “المصلحة العامة” و”التهيئة العمرانية” هي مجرد “ذرائع لا تحمل أي أساس قانوني حقيقي، ولا تراعي مصالح المواطنين بشكل عادل”. 

وفي ظل هذه التطورات، تبرز تساؤلات كثيرة حول مدى شرعية الإجراءات المتخذة، خاصة فيما يتعلق بالعدالة في التعويضات والشفافية في تطبيق مبدأ “المنفعة العامة”.

نقلنا هذه التساؤلات إلى وجيه الغاشي، مستشار في الشؤون القانونية والعقارية، الذي قدم لنا تحليلاً شاملاً للإجراءات القانونية المرتبطة بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وكيفية تنظيمها في المغرب.

إليكم نص الحوار:

  • ماذا نعني بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة ؟

نزع الملكية لأجل المنفعة العامة هو مجموعة من الإجراءات التي تقوم بها الدولة، أو الجماعات الترابية، أو بعض المؤسسات العمومية المخول لها القيام بهذه العملية، بحيث يتم نزع ملكية الأفراد أو المؤسسات، باعتبارها مسطرة عينية تخص العقار، وذلك قصد إنجاز مشروع له مصلحة عامة.

العنصر الأساسي في نزع الملكية هو المنفعة العامة، إذ لا يمكن اللجوء إلى هذا الإجراء إلا إذا كان هناك مشروع يحقق مصلحة عامة واضحة. وأول خطوة في هذه المسطرة هي إعلان المنفعة العامة، وهو ما تقوم به الدولة أو الجهة المختصة قبل الشروع في أي إجراءات أخرى.

ويمكن اعتبار نزع الملكية أحد طرق الاقتناء التي يخولها القانون، لكنه يخضع لمسطرة دقيقة تحكمها مقتضيات قانونية صارمة، التي ينظمها القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت.

وهذا القانون يحدد المساطر وكذلك الإجراءات التي يجب سلكها من طرف الجهة نازعة الملكية لإنجاز مشاريعها ذات المنفعة العامة.

  • كيف ينظم القانون المغربي إجراءات نزع الملكية؟

إجراءات نزع الملكية تمر عبر ثلاث مراحل أولها المرحلة التمهيدية، حيث يتم دراسة جدوى المشروع وتحديد هل يشمل منفعة عامة، كما يتم تحديد الوعاء العقاري الذي سيقام عليه المشروع.

وبعد ذلك، ننتقل إلى المرحلة الإدارية، إذ تقوم الجهة نازعة الملكية بإعلان المنفعة العامة، بحيث يصدر مرسوم بإعلانها و يحدد أن الوعاء العقاري المعني يشمله نزع الملكية لتحقيق مشروع معين، مثل إنشاء مدينة جديدة أو مرافق عامة أخرى.

وبعدها تبدأ مرحلة البحث الإداري، حيث يتم تحديد العقارات المشمولة بنزع الملكية بشكل دقيق، وجمع المعلومات المتعلقة بها، والمتمثلة في نظامها العقاري (مُحفظة، غير محفظة، أو في طور التحفيظ)، ومساحتها، وملاكها أو ملاكها المفترضين، ومحتوياتها والحقوق السطحية إن وجدت.

يلي ذلك مسطرة النشر والإشهار، بحيث ينشر مشروع مقرر التخلي في الجريدة الرسمية والصحف المعتمدة لنشر الإعلانات القانونية، إضافة إلى تعليقها بالجماعات الترابية التي يقع فيها مشروع نزع الملكية.

وعقب تعليق المشروع المذكور في مقر الجماعة المعنية، يبتدئ أجل مدته شهرين للإدلاء بملاحظاتهم حول المعلومات المضمنة به بالسجل الممسوك لدى رئيس الجماعة.

وبعد انتهاء الآجال القانونية، يتم رفع سجل الملاحظات إلى الجهة نازعة الملكية لدراسة الملاحظات و البث فيها، قبل إصدار مرسوم بمثابة مقرر التخلي النهائي، الذي يخضع لمسطرة النشر و الإشهار المعمول بها.

بعدها تجتمع اللجنة الادارية لتقييم أثمنة العقارات والحقوق العينية باستدعاء ورئاسة السلطة المحلية، وتضم ممثلي مختلف القطاعات الحكومية التي يحددها القانون.

ويعتمد تقييم العقارات على عناصر للمقارنة، وكذلك التنطيق الضريبي المعتمد والتخصيص التعميري… وذلك لتحديد القيمة المالية للعقار المنزوع، حيث تعتبر هذه القيمة اقتراحًا من الجهة نازعة الملكية، إذ يتم عرضه على المالكين كتعويض عن عقاراتهم.

وإذا وافق المالك على التعويض المقترح يتم أداء التعويضات، وإبرام محضر اتفاق بالتراضي بينه وبين الجهة نازعة الملكية، وذلك بحضور السلطة المحلية، بحيث يتم نقل حيازة وملكية العقار إلى الجهة النازعة مقابل دفع التعويض المحدد من قبل اللجنة الإدارية للتقييم.

وعقب ذلك تقوم الإدارة بتحفيظ العقار إذا كان العقار غير محفظ، أو تسجيل المحضر في السجلات العقارية لدى المحافظة العقارية المعنية، لتباشر بعد تصفية الوضعية القانونية للعقار، أداء التعويضات للمنزوعة ملكيتهم.

وبمجرد توقيع محضر الاتفاق بالتراضي، يصبح التعويض نهائيًا، ولا يمكن للمالك المطالبة بتعويض تكميلي بعد ذلك، بحيث يُعتبر المبلغ المحدد هو التعويض المعتمد وفقًا للمسطرة القانونية المعمول بها.

  • ماذا لو لم يصل صاحب الملكية والجهة النازعة إلى اتفاق؟

في حالة عدم التوصل إلى اتفاق مع الجهة نازعة الملكية، وهو أمر شائع في المشاريع الكبرى التي تشمل مساحات واسعة وعددًا كبيرًا من العقارات، يتم اللجوء إلى المرحلة القضائية.

في هذه المرحلة، يتم إيداع مقالين قضائيين؛ الأول يتعلق بطلب حيازة العقار، حيث يتم منح هذه الحيازة مقابل التعويض المقترح من قِبل اللجنة الإدارية للتقييم، والذي يتم إيداعه في صندوق الإيداع والتدبير.

وإذا كان العقار مسجلًا في رسم عقاري خالص، وليس محل نزاع، أو لم يكن هناك أي تعقيدات قانونية تعترضه، فإنه يمكن أداء التعويض مباشرةً للمالك، أو رفع اليد عن العقار لصالح الجهة نازعة الملكية.

أما إذا لم يتم دفع التعويض عبر صندوق الإيداع والتدبير، فإن عملية نزع الملكية تتم مباشرةً وفقًا للمسطرة القانونية.

أما المقال الثاني، فهو متعلق بنقل الملكية، ويتم وضع هذه المقالات لدى المحكمة الإدارية، بحيث يتولى رئيس المحكمة، بصفته قاضيًا للمستعجلات، النظر في طلب الإذن بالحيازة.

في الوقت ذاته، تنظر محكمة الموضوع في طلب نقل الملكية، وتصدر حكمها بناءً على مدى سلامة المسطرة القانونية، وكذلك بناءً على التعويض المقترح، وتحكم بنقل ملكية العقار بعد تحديد مبلغ التعويض المناسب.

هذا التعويض يمكن أن يكون هو نفسه التعويض الذي اقترحته الجهة نازعة الملكية بناءً على محضر اللجنة الإدارية للتقييم، كما يمكن للمحكمة أن تأمر بإجراء خبرة عقارية مستقلة لتقييم العقار وتحديد قيمته الحقيقية، إذا تبين وجود فارق بين التقييم الأولي والقيمة الفعلية.

وتمتلك المحكمة سلطة تقديرية لتحديد التعويض العادل للأرض وفقًا للظروف والزمان والمكان، ويكون الحكم الابتدائي نهائيًا فيما يتعلق بنقل الملكية.

أما فيما يتعلق بمبلغ التعويض، فيمكن الطعن فيه بالاستئناف وجميع وسائل الطعن القانونية الأخرى. بمعنى أنه حتى بعد صدور الحكم الابتدائي بنقل الملكية، يمكن للمالك أو الجهة نازعة الملكية اللجوء إلى الاستئناف أو الطعن في مبلغ التعويض، واستنفاد كافة الإجراءات القضائية المتاحة، إلى أن يتم الحسم النهائي في التعويض المستحق.

وبعد صدور الحكم القاضي بنقل الملكية ابتدائيًا، الجهة النازعة للملكية تباشر إجراءات تقييد هذا الحكم ناقل الملكية لدى المحافظة العقارية أو إيداع مطلب التحفيظ إذا كان العقار غير محفظ.

غير أن نقل الملكية يظل معلقًا إلى حين أن يصبح الحكم نهائيًا فيما يتعلق بالتعويض، وفي حال تم استئناف الحكم أو الطعن فيه بالنقض، فإن التعويض لا يصبح نهائيًا إلا بعد صدور حكم نهائي من محكمة الاستئناف أو محكمة النقض.

وبعد تحديد التعويض بصفة نهائية، يتم صرفه عبر صندوق الإيداع والتدبير، ورفع اليد عنه ليتم تسليمه إلى المالك المعني.

وإذا كان العقار سليماً ولا يوجد بشأنه أي نزاع، يمكن تحويل التعويض عبر تحويل بنكي أو الأداء في صندوق المحكمة، مما يسمح للجهة نازعة الملكية بإتمام إجراءات نقل الملكية بشكل كامل.