story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

بشحال الحكومة؟

ص ص

هناك طريقتان للتأثير في قرارات الحكومات. أولاهما معارضة قراراتها عبر النزول إلى الشارع، والوسيلة الثانية هي أن تشتري الحكومة. قد يستغرب البعض أنني لم أعتبر الأحزاب وسيلة لتغيير قرارات الحكومة، ذلك لأن الأحزاب تعتبر مبدئيا مرشحة في أية لحظة لأن تكون جزءً منها وبالتالي من الناحية المنهجية، فإن الأحزاب محسوبة بشكل أو بآخر على الحكومة بغض النظر عن عامل الزمن.

طبعا، حين نتكلم عن “ثمن الحكومة”، كما يشير عنوان المقال، قد يتبادر لذهن المواطن أننا نتكلم عن شراء الانتخابات وشراء الذمم وتزوير النتائج وغير ذلك، وهذه أشياء تقع طبعا وأحيانا بشكل سافر، ولكن الحقيقة أن ما نريد التطرق والتنبيه إليه هنا أكبر من ذلك بكثير.

وقد يعتبر البعض الآخر أننا نتكلم عن كون رئيس الحكومة والأحزاب المشاركة فيها هم من اشتروا أو يشترون الحكومة عبر شراء الانتخابات، والحقيقة غير ذلك تماما أيضا.. نحن نتكلم هنا عن وضعية يكون فيها رئيس الحكومة هو من يبيع الحكومة وليس من يشتريها …

يبيعها لمن؟ ومن ذا الذي يشتري الحكومات؟

في سياق عولمة المصالح وتداخلها، وفي سياق تعدد المخططات الجيوستراتيجية على مستوى رقعة الأرض كاملة، أصبح من الواضح أن انتخابات سريلانكا مثلا تعتبر أهم بالنسبة للصين والولايات المتحدة من المواطنين السريلانكيين أنفسهم، وأن الانتخابات المغربية تعتبر حبلى بالمشاريع الجيوسياسية والجيوقتصادية، وبالتالي تكتسي أهمية أكبر بالنسبة لفرنسا وأوروبا أو أمريكا، وربما أستراليا، منها بالنسبة للمواطن المغربي البسيط الذي لا تتعدى طموحاته سقفا متواضعا من العيش الكريم، وبالتالي لا يرقى إلى مستوى “الكليان” الذي يمكنه أن يشكل عنصر تنافس وأهمية بالنسبة للحكومات المرشحة لتحمل المسؤولية.

وبناء عليه، فإن التخطيط لتحقيق ما سبق ذكره من مصالح معولمة سياسية واقتصادية وأمنية، يعني كبار الزبائن فقط، وينتهي بتدخل أصحاب تلك المصالح لتنصيب حكومات مستعدة للتشريع والتقرير بما هو في مصلحة جبابرة الأرض، ماليا واقتصاديا وعسكريا وسياسيا.

بمعنى أن الإمارات مثلا، أو أمريكا أو فرنسا وبريطانيا وغيرها، تشتري الحكومات من الأحزاب قبل تنصيبها، وتكون على علم وبينة من نتائج الانتخابات في البلدان المستهدفة قبل مواطني البلدان المعنية أنفسهم .

لذلك تتفجر أحيانا هنا وهناك فضائح تتعلق بولاءات الوزراء والبرلمانات، ويستغرب المواطنون كيف أن قرارات الحكومات لا علاقة لها بمصالح البلاد والعباد، وكيف أن صفقات تسقط مثل طير الأبابيل على دول بعينها، وتحرم منها دول أخرى أجدر بها رغم تقدمها بشروط أفضل؟ ذلك لأن الحكومات نفسها ليست سوى أداة تم اقتناؤها لشرعنة وتصريف قرارات وصفقات كبرى معروفة ومتفق عليها مسبقا .

ليس غريبا إذا أن نجد في بعض الحكومات مثلا قوما لم يسمع الناس بهم ولم يعرفوا لهم سجلا سياسيا ولا نضاليا ولا فكريا، باستثناء علاقات وطيدة مع جهات بعينها. وتظل الانتخابات والأحزاب في كل هذا مجرد أدوات لإضفاء الشرعية على الفساد وبيع الأوطان .

لذلك قلت مرارا أنني “ضد الديمقراطية”، باعتبارها مجرد شعار سياسي أجوف بدون أي محتوى، بل قد يمكن حشوه بأي محتوى، حتى الظلم وقمع الحريات واستنزاف الخيرات واستباحة الأعراض.

كل مظاهر الظلم والفساد هذه يتم التصويت على قوانين تشرعنها سواء داخل أروقة الأمم المتحدة أو البنك الدولي أو من قبل برلمانات ومجالس وحكومات مستعدة لذلك. ويحدث كل هذا بالتصويت طبعا، فيكتسب الصبغة القانونية الملزمة. وبعد ذلك، يصبح التنديد بالظلم الذي تم التصويت عليه “ديمقراطيا”، خروجا عن القانون. ميزانيات هائلة يتم تبذيرها ب”القانون”، وصناديق سوداء يتم خلقها ب”القانون”، وتشريد للمواطنين طبقا “للقانون”، وتفقير للجميع، وتركيز للثروة لدى البعض… ب”القانون “.

لذلك طالبت دوما بإعادة النظر في الأحزاب، فلسفة ودورًا، ولما لا إلغاؤها وإلغاء الديمقراطية في شكلها الحالي، واستبدالها بمفاهيم ترتكز أكثر على العدالة الاجتماعية، لأنها تشكل في حد ذاتها محتوى قادرا على تحقيق حد أدنى من السعادة للجميع. كما أنني لم أعتبر يوما “حقوق الإنسان” من الديمقراطية، بل هي جزء من العدالة الاجتماعية، وإن تمت قرصنتها لتحويلها إلى رداء تلبسه الديمقراطية في شكلها الحالي لتخفي به بشاعتها.

أما بالنسبة للأحزاب، فدعوني أوضح صورة من صميم حياتنا السياسية: من المبدئي أن نعتبر أن الليبراليين يدافعون عن القطاع الخاص، فهل رأيتم ليبراليين يستميتون في الدفاع عن الوظيفة العمومية إلا في المغرب؟ ذلك لأن الوظيفة العمومية هنا ليست جزءا من العدالة الاجتماعية بقدر ما هي أداة في خدمة القطاع الخاص.

وعلى النقيض من ذلك، هل رأيتم اشتراكيين يقومون بخوصصة كل المؤسسات الحيوية لبلاد ما باستثناء المغرب؟ حيث ظل وزراء اليسار المغربي يضربون الطاولة لعقود، ويدّعون الدفاع عن القطاع العمومي، حتى أصبحوا وزراء للاقتصاد والمالية، فباعوا القطاع العام بدرهم رمزي، وخوصصوا كل القطاعات الحيوية للبلاد؟

ما الذي يعنيه هذا الكلام عمليا؟ إنه يعني أنني أستطيع من الآن إعطاءك خريطة جد تقريبية للانتخابات المقبلة في المغرب وفي غير المغرب.

فالمغرب مثلا وقد انخرط في العديد المشاريع السياسية والاقتصادية وغيرها، بما يعنيه ذلك من مصالح وصفقات كبرى اقتصادية وسياسية، وحيث إن دولا بعينها صارت ذات مصالح حيوية وهائلة بهذا الصدد، هل ستسمح بصعود حكومة من شأنها إعادة النظر في تلك الصفقات والاتفاقيات والمعاهدات ولربما تجميد أو إيقاف البعض منها؟ مستحيل.

لذلك دعوني أعطيكم نتائج الانتخابات المقبلة ما لم يحدث أمر عظيم: آسف إذا كان ما سأقوله محبطا بالنسبة للذين يظنون أنهم سيغيرون المستقبل بأصواتهم، ولكن من الواضح أنه، وإن تغير ترتيب الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية خلال الانتخابات المقبلة، لكن تركيبة الحكومة لن تتغير تقريبا وإن انضافت إليها بعض من أحزاب المعارضة الحالية للتمويه أو للمشاركة في المزاد…

مع خالص التمنيات بأن أكون مخطئا!