story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

كرسي جنيف المكسور

ص ص

حصل المغرب صباح أمس على مقعد رئاسة مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، بعد حصوله على أصوات ثلثي الأعضاء (30 صوتا من أصل 47). فتراوحت ردود الفعل بين مهلل ومبخّس.
فهل يسحق الأمر الاحتفال والاحتفاء، أم هو حدث عابر لا يستحق الوقوف عنده سواء للتهليل أو للتحليل؟
الحقيقة أن خصوم المغرب منحوا للحدث قيمة وزخما لم يكن لينالهما لولا الحقد الأعمى الذي يحملونه تجاه بلادنا. رئاسة مجلس حقوق الانسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، مكسب وإنجاز دبلوماسي يحسب لأي بلد، لأن المؤسسة وإن كان البعض يعتبرها واحدة من الأدوات الشكلية لمنظمة شاخت وهرمت اسمها الأمم المتحدة، إلا أنه، بالنسبة لبلد صغير مثل المغرب، منصة حيوية للدفاع عن المصالح الوطنية.
لكن هذا الانتخاب الذي كان يفترض أن يتم بشبه إجماع بما أن القواعد المعمول بها تعتمد مبدأ التناوب بين المناطق الخمس التي ينقسم إليها العالم في مرجعيات الأمم المتحدة، تحول إلى معركة وضعت الدبلوماسية المغربية في اختبار حقيقي، خرج منه بوريطة بانتصار جديد سيرفع رصيده من النقط في ميزان الدولة المغربية الداخلي دون أدنى شك.
خصومنا الذين يدمنون أسطوانات مشروخة ويسجنوننا معهم في صراعات دونكيشوتية، اعتقدوا أن وجود محور الجزائرـبريتوريا داخل تركيبة المجلس، سيجعلنا أمام سد منيع يحول دون ظفرنا بهذا المنصب، فتم الدفع بجنوب افريقيا للتترشح في مواجهة المغرب، ما كان يعني ضمنيا انقسام الصف الإفريقي، ومن ثم تقاسم أصوات باقي دول العالم بشكل كان يمني خصوم المغرب أنفسهم بانتهائه لمصلحتهم، فكانت النتيجة، والعهدة على بوريطة، أن حصل المغرب على عشرة أصوات إفريقية، أي أن دولة واحدة هي التي صوتت إلى جانب محور الجزائر جنوب إفريقيا.
يا للعار ويا للفضيحة لمن يزعمون حمل إرث مانديلا والأمير عبد القادر.
طيب هذا عن المعركة المجانية التي فتحها خصوم المغرب وجرّت عليهم نكسة لا أعتقد أنها ستمر دون تداعيات وخيمة على المحور الذي قاده، لأنه خسر فيها قدرا كبيرا من المصداقية، فماذا عن الأبعاد الأخرى لما حدث؟ هل كان ينبغي أن نحتفي برئاسة المجلس لو حصلنا عليها بالطريقة الطبيعية ولو بامتناع خصومنا عن التصويت؟ أم إن المنطق السليم يفترض مواجهة محاولات استغلال الحدث لوضع طبقة سميكة من المساحيق فوق الوجه الحقوقي للمغرب؟
دعونا نتذكر أولا أننا بصدد الحديث عن منظمة حكومية، أي أنها تعبير عن مواقف وتوازنات بين دول، ولا يتعلق الأمر بهيئة مدنية دولية مستقلة عن إرادة الدول. أي أن المنطق القانوني والمؤسساتي يعيدنا إلى الدائرة الدبلوماسية التي تسمو فيها المصالح الوطنية عن أية حسابات أخرى.
لكن دعونا ننسّب هذا الأمر أيضا. 123 دولة من بين أعضاء منظمة الأمم المتحدة ال193، حصلوا على عضوية هذا المجلس الذي لم يخرج إلى الوجود سوى عام 2006. ومنصب الرئاسة نفسه لا يؤشر على تحقيق الدول التي تتولاه لطفرات حقوقية استثنائية. ويكفي أن نعلم أن من قارتنا الافريقية وحدها سبقتنا إليه دول مثل السينغال والغابون. بالتالي على من يتربصون بالفرص ليطلقوا العنان لطبولهم الهوجاء أن يهدؤوا قليلا.
وإذا كان المجلس منصة حيوية للدفاع عن المصالح الوطنية، ينتقل إليه وزراؤنا ومسؤولونا بانتظام لحضور جلسات الاستعراض وتلقي التوصيات والتقييمات، فإن علينا أن ننبه في المقابل إلى أن حجم تأثير ورقة حقوق الانسان في العلاقات الدولية تراجع كثيرا في السنوات القليلة الماضي، ولم يعد له ذلك الحضور الذي كان يفسر ويبرر “الاستثمار” الكبير الذي قام به المغرب في هذا المجال.
ومنذ بداية صعود الزعماء الشعبويين واليمينيين في الديمقراطيات الغربية، خاصة بعد وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، تراجع حضور الشأن الحقوقي في الأجندة الدولية لتتخلص الدول من أنقعتها الحقوقية وقدم بشكل صريح نحو طاولة المصالح.
نحن من البلدان التي تستشعر بقوة حضور ووزن الورقة الحقوقية في العلاقات الدولية، لأن لنا ملفا مفتوحا لدى مجلس الأمن الدولي يتعلق بمصير نصف ترابنا الوطني، وكنا في بعض الفترات تحت رحمة التوظيف المقيت للورقة الحقوقية، والذي كان في أحد جوانبه نقمة في طياتها نعمة، حين قمنا بخطوات إيجابية لتحسين الوضع الحقوقي وتأسيس المجالس والهيئات المختصة… لكن اليوم تراجع وزن وتأثير هذه الورقة، وسيتراجع أكثر بعد كل ما جرى في غزة من جرائم إسرائيلية وتواطؤ غربي أفقد الشرعة الدولية لحقوق الانسان الكثير من هيبتها وتأثيرها.
خلاصة القول أننا امام نصر دبلوماسي جلي وواضح ولا يمكننا إنكاره على الدولة فقط لأن لدينا تقييم سلبي للوضع الحقوقي، لكنه لا يحتمل أبدا أي نفخ يجعله فتحا حقوقيا، لأن المجلس نفسه ومعه كثير من الآليات الأممية، تخبرنا بأن لدينا الكثير الكثير من الهالات السوداء فوق وجهنا الحقوقي، أقلها علاقة مأزومة مع الكثير من الآليات والمقررين الأمميين الذين عجزوا عن زيارة المغرب، وتضييق ممنهج على حريات وحقوق أساسية مثل الحق في التعبير والحق في التظاهر والاحتجاج والحق في تأسيس الجمعيات…
كل هذا سيكون تحت الأضواء الكاشفة لما تبقى من فاعلين دوليين ذوي مصداقية في مجال حقوق الانسان، ومعهم خصوم المغرب دون شك، خلال فترة جلوس السيد عمر زنيبر فوق مقعد الرئاسة غير بعيد عن الكرسي المكسور الذي ينتصب كمعلمة سياحية بالقرب من مقرات الأمم المتحدة في جنيف، والذي يتميز بكونه يتوفر على ثلاثة أرجل فقط، بينما رجله الرابعة مكسورة…
فليكن السيد زنيبر حذرا في جلوسه.