story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رياضة |

كرة القدم.. من تدريب عسكري إلى “مثانة الخنزير”

ص ص

تعيد بعض المصادر أصل لعبة كرة القدم الشهيرة حاليا إلى ما قبل الميلاد، وتصل بعض التقديرات حول نشأة اللعبة إلى قرابة 2500 سنة قبل الميلاد، حيث ظهرت فنون التباري باستعمال جسم كروي الشكل وباستعمال القدمين في اللعب، في الحضارات الصينية واليونانية والرومانية القديمة، وكانت قواعد اللعب والمكافأة والعقاب تختلف من سياق حضاري إلى آخر.

وتتحدث بعض المصادر عن آثار واضحة للعبة صينية كرة القدم في القرن الثالث قبل الميلاد، تدعى “كو جو”، وهي العبارة الصينية التي تعني “الكرة الجلدية”. ووفقا لوثائق الاتحاد الدولي لكرة القدم، فإن اللعبة كانت عبارة عن تدريب رياضي خاص بالجنود، تماما كما تشير مصادر تاريخية أخرى الى ممارسة مشابهة لدى الرومان.

كانت رياضة الـ”كو جو” الصينية تمارس باستعمال القدمين فقط، دون إمكانية استعمال اليدين، وكان كل فريق يضم 12 لاعبا، فيما يقع المرمى في مكان مرتفع.

تفيد آثار تعود إلى حضارة الصين القديمة، إلى أن الامر يتعلق بنوع من التدريب الرياضي للعسكريين، حيث كان الجنود الصينيون يمارسون تدريبا رياضيا من خلال استعمال جلد حيوان بعد ملئه بالريش أو الشعر، يتم تقاذفه بين الفريقين المتنافسين، مع توفر كل منهما على مرمى يجب على الخصم أن يحاول بلوغه.

تتوفر حضارة الآزتك المكسيكية القديمة، بدورها على رياضة مماثلة تدعى “تلاتشي”، كان المتنافسون يمارسونها باستعمال حجر مكسو بالصمغ، حيث كان هذا الجسم يختار بعناية ليكون مستدير الشكل، ويستعمل عبر قذفه نحو هدف يجب بلوغه بدقة.

فقبل “اكتشافها” من طرف كريستوف كولومبوس، تشير أبحاث علمية تاريخية إلى أن مناطق واسعة في أمريكا الوسطى والجنوبية عرفت رياضات شبيهة بكرة القدم، أشهرها لعبة كانت تمارس باستعمال كرة مكونة من مستخلصات أوراق الأشجار.

تشير الأبحاث الأثرية التي جرت في مناطق انتشارا حضارات مثل الآزتك والمايا، إلى تنتشار وساع للعبة تعتمد كرة كان وزنها يبلغ أكثر من 7 كيلوغرامات، فيما تبين من خلال الدراسات وجود آثار لمئات من المواقع التي يرجح أنها كانت ملاعب خاصة بممارسة هذه الرياضة.

ومما تبيّنه بعض هذه الدراسات، أن ممارسي اللعبة القدامى في هذه الحضارات كانوا يعتمدون الأجزاء السفلى من الجسم فقط، دون اليدين. ونظرا للوزن الثقيل للكرة، فإنها كثيرا ما كانت تخلف إصابات خطيرة، خاصة عندما تصدم رأس أحد اللاعبين. أما اللاعب الذي يفلح في التسجيل في مرمى الخصم، فكان يحتفى به كما لو كان بطلا في معركة قتال.

وكما هو الحال في حضارات شرقية أخرى، تشير نتائج أبحاث علمية في منطقة أمريكا الوسطى، إلى أن مباريات شبيهة بلعبة كرة القدم، كانت تنظم من طرف بعض الملوك، كحل بديل عن الحرب بين بعض القبائل، حيث يتم الاحتكام إلى نتيجة المباراة لفظ الخلاف، وتذهب بعض المصادر إلى القول إن الخاسر في هذه المباراة كان يقتل.

لكن الانتشار الأوسع لهذه اللعبة يعود إلى القرون الوسطى في أوربا، حيث كان القرويون والفقراء يلعبون بأقدامهم في مقابل ممارسة الأرستقراطيين للعبة مشابهة راكبين فوق الخيول… كيف تطورت اللعبة لتصبح في شكلها الحال، قصة تستحق أن تروى.

كانت هذه الرياضة تتسم قديما بقدر كبير من العنف، حيث كان الفريقان يتصارعان بقوة ولا يكفان عن اللعب إلا عندما يتعرض جميع المشاركين لإصابات تمنعهم من مواصلة اللعب أو عندما تنفجر أداة اللعب، أي الكرة المنتفخة بالهواء، جراء قوة الضربات التي تتعرض لها من طرف اللاعبين.

بالمقابل، كانت كرة القدم في أربعينيات وخمسينيات القرن 19 أداة في يد مدبري الجامعات والمدارس الخاصة، لتهذيب سلوك الطلبة وتصريف طاقتهم العنيفة بطريقة سلمية، مع الحفاظ على روح الشجاعة والإقدام والاعتزاز بالقوة لديهم.

خريجو هذه المدارس أنفسهم سيواصلون ممارسة لعبتهم المفضلة حتى بعد تخرجهم، وهم الذين سيكونون وراء تأسيس اتحاد لأندية كرة القدم سنة 1863، بهدف توحيد قواعد اللعبة. وبعد مخاض عسير نتيجة ظهور خالف حاد بين دعاة الاقتصار على اللعب بالقدمين والمصرين على استعمال اليدين أيضا، سيحصل “الانشقاق” التاريخي عن لعبة الريكبي، لتولد لعبة كرة القدم الحديثة.

يرتبط تاريخ رياضة كرة القدم بشكل كبير بتاريخ الأداة التي تستعمل في ممارستها، أي ذلك الجسم الكروي الممتلئ بالهواء. فالمصادر التاريخية حافلة بالآثار التي تدل على استخدام جسم معين في المنافسة والبلوغ به إلى هدف معين، وذلك على مدى قرون طويلة.

أبرز تطوّر وقع في تاريخ لعبة المنافسة باستعمال جسم مستدير الشكل، كان عندما بات هذا الجسم مدعوا للارتداد عندما يصطدم بالأرض، حيث تم الشروع في استعمال مواد شبيهة بالمطاط، وذلك تحديدا في بدايات العصور الوسطى.

كان من أول ما استعمل في هذا الإطار هو مثانة حيوان الخنزير التي كانت تستخدم ككرة بعد نفخها بالهواء، لتصبح موضوعا لتنافس محموم بين الفريقين، خاصة في منافسات الـ”كالشيو”، وهي الرياضة الإيطالية الشهيرة في هذا المجال.

مع تطور اللعبة، ظهرت الحاجة إلى جسم ينتفخ بالهواء حتى يكون قابلا للارتداد، لكنه يمتلئ بجسم صلب إلى جانب الهواء حتى يستجيب لقوة الضربات، وهنا تمت الاستعانة بقطعة من الجلد، تكسو العضو المستدير المستخرج من جسم الخنزير، لتصبح الكرة المستخدمة في اللعب أكثر صلابة. هذا المبدأ سيصبح قاعدة عامة شملت الكرات المستعملة في ممارسة جل الرياضات الجماعية مثل الريكبي وكرة السلة وكرة اليد…

ويعود أقدم نموذج كرة بدائية تم الاحتفاظ به إلى نحو 450 سنة مضت، حيث تم العثور عليها ضمن أغراض الملكة الاسكتلندية ماري ستيوارت، والتي تقول المصادر التاريخية إنها كانت تلقي بالكرة من نافذة غفرتها معطية بذلك انطلاقة مباراة رياضية بين الجنود.

مع تطور تحكم الانسان في مادة المطاط أواسط القرن 19، تم تعويض المثانة الحيوانية الطبيعية بمادة مصنعة من المطاط، وهو ما سمح ببلوغ شكل مستدير تماما، لم يكن العضو المستخرج من جسم الخنزير يوفره. وراح شكل الأداة الكروية يتطور تدريجيا مع تطور المستوى التقني للصناعة ورغبات الانسان من وراء ممارسة هذه الرياضة.

تطور لون الكرة من البني في السابق، لون الجلد الطبيعي، إلى اللون الأبيض، حيث يعيد الاتحاد لدولي لكرة القدم ظهور أول كرة قدم بيضاء اللون الى البرازيل عام 1923، حيث كان العمال بحاجة إلى اللعب ليلا، وهو ما لم يكن ممكن باستعمال كرة بنية اللون لصعوبة رؤيتها في الظلام.

زادت الحاجة إلى الكرة البيضاء مع بداية النقل التلفزي لمباريات كرة القدم، حيث كان من الضروري جعل لون الكرة أبيضا حتى يمكن تصويرها بوضوح فوق العشب الأخضر، في وقت كان التلفزيون يبث باللونين الأبيض والأسود فقط، ما يعني ضرورة وجود اختلاف كبير بين لوني العشب والكرة.

ومع ظهور حاجة جديدة لتمييز لون الكرة عن القوائم البيضاء للمرمى، تم الاهتداء الى فكرة استعمال كرة باللونين الأبيض والأسود، وفيما كان المرمى الذي يتجه نحوه لاعبو كرة القدم يتغير عبر الزمن والمكان، إلا أن الثابت ظل هو وجود نقطة ينبغي على الفريق أن يوصل إليها الكرة كي يفوز. وبقي شكل المرمى مقتصرا على وضع عمودين يربط بينهما أحيانا عمود أفقي من الطرف العلوي، قبل أن يتم الشروع في استعمال الشباك سنة 1925.

وفيما تأرجح عدد لاعبي كل فريق طويلا بين 10 لاعبين و12 لاعبا، تقرر بشكل نهائي حصر عدد اللاعبين في 11 وذلك ابتداء من سنة 1897. وفيما كان حارس المرمى يستطيع لمس الكرة بيديه في كامل مساحة الملعب، بات هذا الأمر محصورا في منطقة الجزاء ابتداء من العام 1912.