story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

في تقرير مفصل.. أهل فكيك يدافعون باستماتة عن حقهم في الماء

ص ص

لم تكتف ساكنة مدينة فكيك بالاحتجاج في الشوارع لأيام متواصلة، بكل الصور والأشكال، بل دافعت باستماتة عن سرديتها الخاصة بإصدار تقرير مفصل من 26 صفحة، تحكي فيه عن تاريخ المدينة الطويل مع تدبير الماء، وتقدم فيه حججا تسندها بالأدلة، ضد قرار التفويت الذي انتفضت من أجله الساكنة، في مسلسل قاد نشطاء إلى ما وراء القضبان.

مدينة رأسمالها “الماء”

يوضح التقرير الحديث الذي أصدرته التنسيقية المحلية لحراك فجيج ومجموعة المتابعة بالرباط” حول موضوع “تدبير الماء الشروب بواحة فجيج وإشكاليات أجرأة الشركة الجهوية متعددة الخدمات بالواحة” العلاقة الفريدة والوثيقة لهذه المدينة بالماء.

هذه المدينة الشرقية يقول التقرير إن لها تاريخا طويلا مع تدبير الماء، هذا التدبير الذي تحكم على مدى قرون بملامح المدينة وتكوينها الديمغرافي، مر خلالها بفترات صراع، أدت في نهاية المطاف إلى جعل عملية التدبير أكثر من مجرد مسألة تقنية.

ويوضح التقرير ذلك بالقول إن تدبير ماء فكيك كان منذ زمن بعيد يرتبط بالجوانب الاجتماعية في الحياة بالمدينة، إذ يتم تدبير تخصيص حصة كل مالك على أساس المدة الزمنية والحجم بالإضافة إلى الحق في الري. كل ذلك يتم وفق نظام جماعي دقيق متفق عليه وبقوانين محددة.

هذا التدبير المحكم للمياه خلق توازن بين مختلف القبائل والمجتمعات في المنطقة ونظمها المعقدة. وقد أكسبتها ذلك صفة استحقاق SIPAM من منظمة الأغذية والزراعة منذ عام 2022.

وقبل الستينيات من القرن الماضي، كان سكان فجيج يستعملون مياه العيون القديمة، لكن ومع تزايد عدد السكان اتخذ المجلس القروي آنذاك قرارا بإنشاء شبكة لتوزيع مياه الشرب. تم إنجاز هذه الشبكة على مدى سنتين، من 1961 إلى 1962.

وشملت العملية كل قصور فجيج. وتم تنفيذ هذه المبادرة بشكل جماعي في إطار ما يصطلح عليه ب “التويزة. وقد شاركت الساكنة كلها في إنجاز هذا العمل في كل خطواته كحفر الخنادق بين الأزقة، وتركيب الأنابيب وتوصيلها إلى داخل المنازل، وغير ذلك من المهام المختلفة. كما ساهم الجميع مالياً، كل حسب إمكانياته، وذلك من أجل اقتناء العدادات والمعدات اللازمة.

وهو المشروع الذي يجسد حسب التقرير، تعاون الساكنة واتحادهم في سبيل تدبير مائهم، وانتقلت بذلك الموارد المائية من نظام مضطرب إلى نظام أكثر يلبي احتياجات الساكنة، قبل أن يفاجؤا بقرار يفرض عليهم عنوة يحاول قلب موازين حياتهم.

أربع حجج ضد القرار

وفصل التقرير في جزء ثان أسباب رفض الساكنة لقرار تفويت قطاع ماء فجيج للشركة الجهوية “الشرق للتوزيع”، التي تم إنشاؤها في إطار إحداث الشركات الجهوية متعددة الخدمات.

وقسمها إلى أربع محاور، تتمثل الأولى في عتبة مساهمة الدولة والتي يراها التقرير “مقلقة”ومصدر هذا القلق أن نسبة الحد مساهمة الدولة في رأس مال الشركات متعددة الخدمات لا يتجاوز 10 بالمئة، ما يثير مخاوف بشأن القدرة الحقيقية للدولة على التأثير في التوجهات الاستراتيجية لهذه الشركات.

ويرفض من جهة ثانية الساكنة القرار نظرا لأن فيه تغليبا للجانب الاقتصادي على الاجتماعي، ويقول التقرير “إذا كانت مسألة الأرباح هي الأولوية القصوى لكل شركة، فإن هذا المعطى قد يؤدي حتما إلى إهمال الجانب الاجتماعي المتعلق بالاستفادة من قطاعي الماء الصالح للشرب والكهرباء من منظوره التكافلي”

وبالتالي يجب إذن تأطير القوانين المتعلقة بهذه الشركات بضمانات صلبة وآليات الرقابة الاجتماعية التي يمكن أن تساعد في استعادة توازن أكثر استدامة بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.

ومن جانب ثالث، يرى الساكنة أن هناك غموضا تعاقديا يكتنف التفويت، وعبرت الوثيقة ذاتها عن ذلك بالإشارة إلى أن عدم الوضوح بشأن مدة العقود يمكن أن يؤدي إلى تقويض الثقة طويلة المدى بين هاذه الشركات متعددة الخدمات والجماعات المحلية.

ومن زاوية أخرى، يربط التقرير أسباب الرفض، بخطر التأثير على جدولة الأسعار المحلية، إضافة إلى كون أن الصلاحيات التي تقول الساكنة “إنها صلاحيات مبالغ فيها” والتي ستمنح لهذه الشركة من شأنها أن تهدد الحقوق الفردية من الماء لأهل المدينة.

اقتراحات الساكنة

وقدم التقرير اقتراحات بالمقابل من ذلك لتجنب بيع موارد المدينة للشركة السالفة الذكر، من بينها، “العمل على دراسة الوضع ميدانيا، والقيام بفحوصات منتظمة للشبكة، فضلا عن تعزيز المهارات التقنية للعمال، والعمل على استبدال العدادات المعيبة بشكل دوري”.

وأشار التقرير إلى أنه يمكن لهذه الإجراءات “أن تتم بتعاون مع جمعيات المجتمع المدني، وبإقامة شراكات مع القطاعين العام والخاص ومع منظمات وطنية ودولية وغيرها، والتي تهدف إلى ضمان التدبير المستدام والعادل للموارد المائية، مع الحفاظ على الطابع المحلي التقليدي والثقافي للمجتمع الفجيجي”.

وأوصى التقرير السالف الذكر بضرورة “انسحاب جماعة فجيج من هذا الاتفاق داعيا إلى “احترام القرارات النابعة من إرادة المواطن، وإرساء هياكل تشاركية لاتخاذ القرار بشكل ديمقراطي سليم، إلى جانب فتح قنوات الحوار مع المواطنين لاحتواء الوضع”.

وركز التقرير على“أهمية العمل من أجل إيجاد صيغة ناجعة للتوفيق بين هذه الأصالة الواحية وبين متطلبات المستجدات القانونية الرامية إلى تغيير الصيغة التدبيرية الحالية لمرفق الماء الصالح للشرب، والذي تتكفل به الجماعة في إطار استمرارية تدبير مجتمعي لموارده”.