story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الدوريات الأوربية |

فلورينتينو بيريز.. صانع المجد الحديث لريال مدريد

ص ص
عندما كان مدربو ولاعبو نادي ريال مدريد يحتفلون الموسم الماضي باللقب 36 للدوري الإسباني، وكان كل عضو في النادي الملكي منتشيا برصيده الشخصي من الألقاب والإنجازات داخل قلعة “سانتياغو بيرنابيو”، هناك تواجَد شخص أسطوري في تاريخ النادي كان يبدو أقل إنتشاءً بكل تلك الأجواء الإحتفالية..
كان هذا الشخص هو الرئيس فلورينتينو بيريز الذي من ابتسامته الشاحبة لم تكن لتُعَبّر أن الرجل قد وصل للقبه 34 وهو يقود ناديا يتربع على عرش أندية العالم من حيث الألقاب والإنجازات والتاريخ والرصيد الكروي، وحطم الرقم القياسي الذي كان في حوزة الرئيس الشهير السابق للريال سانتياغو بيرنابيو الفائز ب31 لقبا مع “الميرينݣي”.
فمن هو فلورينتينو بيريز؟ ومن أي جاء وكيف صنع كل هذه الثروة المالية؟ وما هي الظروف التي ساعدته ليصبح أشهر رجل أعمال في إسبانيا؟ وكيف نجح في تحويل ريال مدريد إلى مؤسسة اقتصادية ورياضية نموذجية في التسيير وتسويق إسم له رمزية كبيرة في جل أنحاء العالم؟
وُلد فلورنتينو بيريز يوم 8 مارس 1947 بالعاصمة الإسبانية مدريد وسط عائلة ميسورة الحال كانت تملك صيدلية، وتلقى تعليمه بمدرسة كاثوليكية خاصة إلى أن نال شهادة الثانوية العامة، ثم واصل دراسته الجامعية بالمعهد المُتعدد التقنيات لمدريد، فتخرج منه بشهادة مهندس معماري، في اختصاص هندسة الجسور والطرقات.
وبدأ بيريز حياته المهنية أستاذاً في نفس المعهد الذي تخرج منه، قبل أن يتعرف عن قرب على الرجل الذي كان شبه حاسم في بناء مستقبله في عالم المال ويدين له كثيراً في نجاحه المهني، وهو خوان دي أريسباكوشاغا، الذي كان حاملاً لشهادة الدكتوراه في الهندسة المعمارية، وشغل عدة مناصب تقنية في وزارة الأشغال العامة في عهد نظام فرانسيسكو فرانكو الديكتاتوري إلى سنة 1975، ثم أصبح عُمدة لبلدية مدريد في سنة 1976.
وتفيد الكثير من المصادر أنّ بيريز ما كان ليصبح هذا الرجل الكبير الذي نعرفه حالياً لو لم يتلق الدعم من طرف “الفرانكاوي” خوان دي أريسباكوشاغا، الذي استعمل نفوذه ليكسب صديقه فلورنتينو، في بداية سبعينيات القرن الماضي، عضوية الجمعية الإسبانية للطرقات التي تعتبر بمثابة “لوبي” حقيقي للظفر بصفقات بناء الطرقات.
صحيح أن دي أريسباكوشاغا ساعد بيريز في الدخول إلى أكبر جمعية مقاولاتية بإسبانيا، لكن الرئيس الأسطوري لريال مدريد لم يكتف بمنصب العضوية بل نجح، فيما بعد، بفضل نشاطه ودبلوماسيته وحسن تواصله مع الزملاء في الوصول، في عام 1973 إلى منصب رئاسة الجمعية الإسبانية للطرقات، والذي شغله إلى 1976.
كما استغل فلورنتينو بيريز انضمامه لتلك الجمعية للتعرف على أشخاص مهمين في المجتمع المدني الإسباني، كرجال أعمال ونقابيين ورؤساء لجمعيات أحياء من مختلف مدن إسبانيا، ما سمح له باستغلال تلك المعارف للظفر لاحقاً بصفقات كبيرة لما أصبح يعمل في القطاع الحر.
كما توسعت دائرة معارف بيريز، ما ساعده دي أريسباكوشاغا في الظفر بمنصب مندوب لمصلحة الصرف الصحي والبيئة لبلدية مدريد سنة 1976، أي في العام الذي وصل إليه “الفرانكاوي” السابق لمنصب عمدة العاصمة الإسبانية.
تغلغله في الوسط السياسي منحه مزيداً من المعارف، فخوان دي أريسباكوشاغا كان دكتوراً كبيراً في الهندسة المعمارية، وقد يكون رأى في المهندس فلورنتينو بيريز الرجل المناسب لشغل المنصب الذي منحه إياه بحكم معرفته لكفاءته ونشاطه وطموحه الكبير في النجاح.
كما أنّ دي أريسباكوشاغا غادر رئاسة بلدية مدريد عام 1978 بقرار حكومي، ليترك مكانه لخوصي لويس ألباريس، ولكن ذلك لم يمنع بيريز من مواصلة تغلغله في الوسط السياسي والمقاولاتي بإسبانيا، بحيث تم انتخابه في سنة 1979، عضواً في المجلس الاستشاري لبلدية مدريد، مُترشحاً عن حزب اتحاد الوسط الديمقراطي، الذي انضم إليه في العام ذاته، ثم عينته الحكومة الإسبانية عام 1981، في منصب نائب رئيس معهد الإصلاح الزراعي والتنمية، التابع لوزارة الزراعة والثروة السمكية والأغذية.
وفي عام 1982 تحول بيريز إلى الحزب الإصلاحي الديمقراطي، ثم أصبح أمينه العام قبل أن يغادره سنة 1986 مباشرة بعد إخفاقه في الانتخابات العامة (البرلمان ومجلس الأمة).
غادر السياسة في 1986 ليتفرغ لعالم المال والأعمال، ولم يغادر بيريز الحزب الإصلاحي الديمقراطي فقط، بل توقف عن النشاط السياسي نهائياً ليتفرغ لعالم المال والأعمال الذي كان قد دخله بقوة سنة 1983، لما اشترى رفقة مجموعة من أصدقائه المهندسين أغلبية أسهم شركة Construcciones Padros المتخصصة في البناء، والتي كانت مُفلسة، وشغل فيها في البداية، منصب نائب الرئيس التنفيذي.
وقد ساهم بيريز في تحويل تلك الشركة الصغيرة، التي كانت تُشغّل 150 عاملاً فقط في 1983 إلى إحدى أكبر الشركات العالمية في مجال البناء والخدمات، من خلال دمجها مع عدة شركات أخرى، إلى أن أصبح مديراً عاماً لها عام 1997، تحت إسم جديد هو Actividades de Construcción y Servicios، ثم استحوذ شيئاً فشيئاً على أغلبية الأسهم فيها، إلى أن وصل 13 سهماً.
وقد أضحت الشركة تُشغّل حالياً حوالي 200 ألف عامل، مُوزعين في العديد من الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية، وقد بلغت مداخيلها الإجمالية سنة 2022، بحسب مجلة “فوربس” الأمريكية المتخصصة، 32.9 مليار دولار، وبأرباح صافية تقدر بـ3.6 مليار دولار.
وبلغت شركة فلورنتينو بيريز ذروة نشاطها وضاعفت من أرقام أعمالها وأرباحها خلال العشرية الأولى من الألفية الثانية، مستفيدة من إقامة إسبانيا مشاريع ضخمة في مجال البناء، بداية من سنة 2001.
وخلال تلك الفترة ظهرت نتائج العلاقات المميزة التي كان بيريز قد ربطها، طيلة أكثر من 30 سنة مع الشخصيات المؤثرة في السياسة والاقتصاد الإسبانيين، بحيث سمح له الاستثمار الطويل المدى في تلك العلاقات بحصول شركته على 20% من مجموع الصفقات التي منحتها وزارة الأشغال العامة في بداية سنوات 2000.
كما منحت الحكومة الإسبانية لشركة بيريز بعضاً من أهم أعمال البنية التحتية الرئيسية، كإنجاز الطريق السريع حول مدريد، والعديد من الطرق السريعة والطرق والجسور المؤدية إلى مطار مدريد، وإعادة تهيئة متحفي “برادو” و”الملكة صوفيا” ومترو مدينة فالنسيا، وقرية الفنون والعلوم بالمدينة ذاتها.
وبالموازاة مع صعوده التدريجي في عالم المال والأعمال، لم ينس فلورنتينو بيريز جميل صديقه خوان دي أريسباكوشاغا ، بحيث منحه عضوية في المجلس الإداري لإحدى شركاته الخاصة، وهي شركة “cobra” ، وذلك حتى وفاته في أكتوبر 1999 عن عمر 79 سنة.
وعلى الرغم من أنه موجود ضمن قائمة الشخصيات الـ10 الأكثر غنى في إسبانيا وأن ثروته الشخصية، تقدر بـ2.1 مليار دولار، بحسب آخر تحديث لموقع مجلة “فوربس”، فإنّ مظاهر الثراء الفاحش لا تظهر على فلورنتينو بيريز، إذ لا يُعرف عنه سوى امتلاكه لقصر فاخر بجزيرة مايوركا الإسبانية تقدر قيمته بـ25 مليون يورو، إلى جانب يخت جميل رأسي بميناء نفس المدينة، اشتراه بـ18 مليون يورو، وأطلق عليه اسم “بيتينا”، تكريماً لزوجته ماريا دي لوس أنخليس التي يُطلق عليها هذا اللقب، والتي توفيت سنة 2012.
ويقول عنه معارفه المقربون إنه يعيش حياة الرهبان، فهو لا يشرب الخمر، وهواياته المفضلة تقتصر على تربية الكلاب والفن المعاصر وأيضاً متابعة مباريات كرة القدم منذ فترة شبابه.
وفي علاقته بكرة القدم، ففلورينتينو بيريز ومنذ مولده ونشأته بالعاصمة الإسبانية، فهو يُعتبر منذ صغره من أشد مناصري نادي ريال مدريد، ولكن، وعلى الرغم من عدم التشكيك في شغفه الكبير ب”المرينغي”، فإنّه يمكن القول إنّ بيريز ينظر إلى النادي كواحدة من شركاته التجارية الخاصة.
كثيراً ما صرح بيريز بأنّ نادي ريال مدريد ليس ملكه، بل هو ملك لأنصار الفريق الذين يُعرفون ب “socios”، وهم أعضاء النادي، ويُقدر عددهم حالياً 60 ألف مساهم، إلّا أنّ طريقة تسييره توحي بأنّ النادي هو ملكيته الخاصة.
وقد سعى بيريز لرئاسة نادي ريال مدريد، لأول مرة، خلال الانتخابات التي جرت في فبراير 1995، وركز حملته الانتخابية على التسيير السيئ لمجلس إدارة النادي في ذلك الوقت، لكنه خسر بفارق 698 صوتاً فقط عن الرئيس المنتهية ولايته رامون ميندوزا، الذي أعيد انتخابه لعهدة جديدة، قبل أن يستقيل من منصبه بعد 9 أشهر، بسبب الأزمة المالية للنادي.
ونجح بيريز في الوصول إلى رئاسة فريقه المفضل، في محاولته الثانية، عندما فاز بانتخابات شهر يوليوز 2000 على حساب الرئيس المنتهية ولايته لورينزو سانز، فسارع إلى تطبيق نظريته الاقتصادية في تحسين الوضع المالي للنادي، وذلك من خلال التعاقد مع نجم عالمي كبير في كل سنة بقيمة مالية ضخمة، ثم استعادة تلك القيمة وتحقيق أرباح إضافية بفضل حسن تسويق صورة ذلك النجم.
وكانت البداية باللاعب البرتغالي لويس فيغو، الذي استقدمه من الغريم التقليدي برشلونة، ثم الفرنسي زين الدين زيدان، والبرازيلي رونالدو والإنجليزيين دافيد بيكهام ومايكل أوين والبرازيلي روبينهو.
وعلى الرغم من تأكيده أنه نجح خلال فترته الرئاسية الأولى من مسح كل ديون النادي، فإنّ بيريز تعرّض لحملة واسعة من الانتقادات من طرف أعضاء وجماهير ريال مدريد بسبب سياسته غير العقلانية في توظيف اللاعبين الجدد، والتي لم تسمح له بالتتويج بعدد كبير من الألقاب المحلية والدولية (7 في المجموع)، ما دفع به لإعلان استقالته يوم 27 فبراير 2006.
وعاد بيريز إلى “حكم” رئاسة ريال مدريد من الباب الواسع، يوم 1 يونيو 2009، دون أي منافسة، بعد استقالة الرئيس الذي خلفه، رامون كالديرون، وبسبب عدم وجود مترشحين آخرين.
ولم يغير بيريز كثيراً من استراتيجيته في استثمار أموال كبيرة في عملية توظيف اللاعبين الجدد، ولكن بدلاً من ضم نجم واحد في كل سنة، فإنّه لجأ فور عودته للرئاسة بضم مجموعة كبيرة من النجوم في موسم واحد، وهم كل من البرتغالي رونالدو و البرازيلي كاكا والفرنسي بنزيما والإسبانيين تشابي ألونسو وراوول ألبيول، في صفقات بلغت قيمتها الإجمالية 240 أورو، وهو ما كان يشكل في ذلك الوقت أغلى “ميركاتو” في التاريخ، ثم قام في السنوات اللاحقة، بالاكتفاء بجلب نجوم قليلين والاستثمار في اللاعبين الشباب.
ويمكن القول إنّ السياسة الجيدة لفلورنتينو بيريز في تسيير ريال مدريد قد أعطت ثمارها مادياً ورياضياً، بحيث جعل من “الملكي” أحد أغنى الأندية في العالم، بحيث تقدر قيمته بحسب “فوربس” بـ5.1 مليار دولار، كما رفع من عدد ألقابه لتصل إلى 100 بطولة وكأس في مختلف المسابقات المحلية والقارية والعالمية.
ودون شك، ففلورنتينو بيريز قد نجح في ترك بصمته في تاريخ نادي ريال مدريد، ومن المؤكد أنه يتمنى لو يتم تخليد إسمه في أحد المنشآت الكبرى للنادي، على غرار ملعب “سانتياغو برنابيو” الملعب الأسطوري للمرينغي الذي يحمل اسم الرئيس التاريخي للنادي.