story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
تكنولوجيا |

فرجيل ماردارسكو.. الروماني الذي حقق للمغرب لقبه الإفريقي الوحيد

ص ص
يقترب موعد كأس إفريقيا للأمم التي ستحتضنها بلادنا في نهاية شهر دجنبر القادم، وتكبر معه الآمال في أن يحقق منتخبنا الوطني لقبه القاري الثاني المستعصي على الكرة المغربية منذ دورة إثيوبيا 1976.
أجيال ووجوه مرت في نصف القرن من الزمن هذا، منها من مر مرور الكرام ولم يترك أثرا، أو بصمة يرويها من جاء بعده، ومنها من فتح أبواب التاريخ على مصراعيها، ليبقى إسمه منقوشا في ذاكرة المغاربة إلى الأبد.
الإنجاز اليتيم في “الحبشة 1976″، بقدر ما اقترن بجيل ذهبي خارق للكرة المغربية، قادهم “مول الكرة” الأسطوري أحمد فرس وزملاءه اعسيلة وبابا والهزاز وآخرون.. بقدر ما التصق بمن كان يقودهم من على خط التماس وفوق كراسي الإحتياط، ونعني هنا المدرب الروماني فرجيل مارداريسكو، الشخص الغامض ذو الملامح العسكرية الصارمة الذي أحضر معه من بلاده أسلوب عمل تدريبي لم يكن معهودا في المغرب في تلك الفترة البعيدة من أوائل السبعينات.
لم يكن فرجيل فنتيلا ماردارسكو المعروف أيضًا باسم “جيل ماردارسكو” والمولود في عاصمة رومانيا بوخاريست في 15 يوليوز 1921مجرد اسم في لائحة المدربين العابرين بالمغرب. بل كان لاعبا ومدربا هاربا في منتصف السبعينيات من بلاد كانت تقع تحت قبضة الدكتاتور تشاوسيسكو، حاملاً معه أكثر طموحا أكبر من الفرار بمواقفه السياسية المعارضة، ومن خطط اللعب والتكتيك.
جاء ومعه فلسفة تدريب مختلفة، ومزاج صارم، وعين لا تخطئ الموهبة. حين وصل إلى المغرب في 1974 لتولي تدريب المنتخب الوطني، خلفا للناخب الوطني آنذاك عبد الرحمان بلمحجوب، لم يكن كثيرون يتوقعون أن يغيّر هذا الرجل ملامح الفريق، ويزرع فيه تلك الروح التي صنعت مجدًا ما زال حيًا في ذاكرة كرة القدم المغربية.
قبل مرحلة المغرب، مر جيل مارداريسكو لاعبا مغمورا في بلاده رومانيا ومارس لفترة قصيرة ضمن نادي فلاتشرا بوخارست تحت إشراف المدرب إمريش فوغل في القسم الثاني. كما شارك في المجموع بخمس مباريات في دوري الدرجة الأولى خلال موسمين قضاهما مع نفس الفريق.
في مشواره التدريبي الذي ابتدأه مبكرا بعد اعتزاله اللعب سنة 1955، بدأ ماردارسكو مسيرته التدريبية في عام 1955، وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، مع نادي دينامو براشوف، ثم انتقل إلى دينامو كلوج، وبعد ذلك في موسم 1958–1959 درب نادي يونيفيرسيتاتيا كلوج، الذي أنهى معه الموسم في المركز الحادي عشر.
تبع ذلك فترات تدريبية في نادي جيول بيتروشاني ونادي شتينتسا كرايوفا، حيث كاد أن يحقق معهم الصعود إلى دوري الدرجة الأولى، إذ أنهوا موسم 1960–1961 من الدرجة الثانية في المركز الثاني.
بعد أن درّب ناديي غلوريا بيستريتا ودينامو باكاو لبضع سنوات، تولى تدريب نادي أرجش بيتشتي بين عامي 1963 و1965، وخلال هذه الفترة وصل الفريق إلى نهائي كأس رومانيا لعام 1965، لكنه خسر بنتيجة 2–1 أمام شتينتسا كلوج.
من 1965 حتى 1968، درب ماردارسكو نادي فارول كونستانتسا، حيث حقق أفضل نتيجة في موسم 1966–1967 بإنهاء الفريق في المركز الرابع.
وفي عام 1969، تولى تدريب منتخب رومانيا الأولمبي، كما عين بعد ذلك مدربًا لنادي بوليتكنيكا ياش، حيث ترك انطباعًا جيدًا في موسمه الأول بإنهاء الفريق في المركز الثامن. وفي الموسم التالي، هبط الفريق إلى الدرجة الثانية، لكنه بقي معه وساهم في صعوده مجددًا بعد عام واحد.
في المغرب، وجد مارداريسكو منتخبًا لم يكن يملك هوية واضحة. فريق متنوع، مليء بالمهارات الفردية، لكنه يفتقد للبناء الجماعي والانضباط الذهني. فاستخدم طرق التغيير بالتدريج، وحوّل الحصص التدريبية شيئا فشيئا إلى دروس لتعليم اللاعبين طرقا احترافية لا تقبل الارتجال. ولا مكان فيها للمحاباة ولا للفوضى.
اللاعبون بدأوا يكتشفون فيه مربيًا أكثر من مجرد مدرب، وكان أكثرهم تقديرا لذلك هو القائد أحمد فرس، الذي لازال يعتبر إلى اليوم أن ماردارسكو هو أفضل مدرب لعب تحت قيادته.
يقول عنه لاعب المنتخب الوطني أحمد المكروح الملقب ب”بابا” أنه “في نهاية سنة 1974، التحق المدرب الروماني فرجيل مارداريسكو بالمنتخب الوطني، واستدعى مجموعة من اللاعبين الجدد، كعبد المجيد الظلمي وجواد الأندلسي وعبد اللطيف لعلو وكمال السميري وبوعلي والمهدي وفتاح، وكانت له نظرة جديدة في عالم التدريب”.
ويضيف”كنا نخضع لتداريب قاسية وشبه محترفة. كنا نجتمع كل أسبوع في معسكرات مسترسلة بملعب البشير بالمحمدية، وكنا نقضي الأسبوع هناك ونعود في نهايته للمشاركة مع فرقنا خلال مباريات البطولة الوطنية، وكنا نشارك في مباريات قوية تمتاز بلعب مختلف عن لعبنا، إذ استضفنا مجموعة من الفرق القوية، كبراتسلافا وستوك سيتي ومانشستر يونايتد وغيرها من الفرق التي كانت حاضرة بقوة في الساحة الرياضية آنذاك”.
يتذكر اللاعب بابا، أن المدرب مارداريسكو، “كان يتعامل مع كل فئة من اللاعبين على حدة. كان يجتمع مع المدافعين ويتدارس معهم الخطة وطرق التعامل مع المنافس، ويجتمع بلاعبي خط الوسط والهجوم ويوجههم ويدرس معهم كيفية التحرك والتعامل مع المدافعين. كانت له طريقة خاصة في التدريب داخل رقعة الميدان، وكانت له طريقته الخاصة خارجه”.
ويتذكر رضوان الكزار لاعب المغرب الفاسي السابق وأحد المتوجين بكأس إفريقيا 1976: “عندما تولى تدريب المنتخب المغربي، غيّر مارداريسكو كل شيء تماما في الفريق الوطني، حيث استدعى 60 لاعبا محليا من كل الفرق ومن مختلف الأقسام المحلية في المغرب، والهدف كان استخراج الأفضل من اللاعبين والاستقرار على 30 لاعبا من أصل 60، وخلق حالة انسجام بين الجميع.
المرحلة الأولى كانت عبارة عن تدريبات قوية للغاية قائمة على الشق البدني إلى جانب المشاركة في مباريات ودية وأخرى في التصفيات.
المرحلة الثانية كانت الاستقرار على 30 لاعبا يتم تجميعهم بشكل أسبوعي في معسكرات مغلقة للتدرب ولعب مباريات ودية ويذهبون فقط لأنديتهم قبل يوم واحد من مباراة ناديه في المسابقات المحلية! والكل كان متفتحا حول ذاك الأمر”.
فرجيل مارداريسكو قبل موعد كأس إفريقيا للأمم بإثيوبيا، كان يدرك أن الفوز باللقب يتطلب استعدادا جيدا على جميع المستويات. وهكذا استغل علاقاته الواسعة مع مواطنيه الرومانيين المنتشرين في كل أنحاء أوروبا من أجل تنظيم مباريات إعدادية ضد الأندية التي يلعبون فيها. أبرزها مانشستر سيتي وستوك سيتي وأندرلخت وليون، وحقق فيها المنتخب الوطني نتائج إيجابية خلال كل تلك المباريات ولم يخسروا سوى لقاء وحيدا.
وبعدما حجز منتخب المغرب مقعدا في كأس أمم إفريقيا 1976 واصطدم بعد ذلك هو وكل المنتخبات المشاركة بنظام هذه النسخة، حيث شارك في البطولة 8 منتخبات، وقسمت إلى مجموعتين يتأهل أول وثاني كل مجموعة إلى الدور النهائي، والذي يلعب على شكل مجموعة ويفوز بالبطولة المنتخب الذي يحتل المركز الأول فيها جامعا أكبر عدد من النقاط.
الروماني مارداريسكو وبالنظر للطرق الحديثة في التدريب آنذاك التي جاء بها من بلاده، تفطن إلى قساوة المناخ في أديس أبابا وديرداوا حيث كان من المقرر أن يلعب المنتخب الوطني. فكان قراره السفر مبكرا للإستئناس بالأجواء وخوض تمارين لزيادة المخزون البدني عبر تداريب شاقة في المرتفعات.
رحلة الفريق الوطني من السعودية حيث كان المعسكر الأخير إلى إثيوبيا كانت شاقة ومليئة بالرعب… يحكي حارس الجمعية السلاوية عبد اللطيف لعلو: ” استغرقت رحلتنا من السعودية إلى إثيوبيا 40 ساعة، وقضينا رحلة طيران شاقة للغاية وتوقفنا في العاصمة أديس أبابا التي كانت تعيش حالة طوارئ عسكرية، ومنها إلى مدينة دير داوا والتي تبعد عنها بـ 700 كم على متن طائرة عسكرية كانت مرعبة بالنسبة إلينا كثيرا”.
ويضيف لعلو: “استمرت الظروف الصعبة تطاردنا في إثيوبيا، وكان مارداريسكو ذكيا في وضع برنامج يومي مناسب تحت إكراهات عديدة أبرزها أننا كنا نقطن في نفس الفندق رفقة كل من منتخبات السودان ونيجيريا والكونغو الديمقراطية ، وسط حظر تجوال في المدينة المقيمين بها من الخامسة مساء، بالإضافة إلى التدرب في معمل للأسمنت وتحت حماية عسكرية”.
مدرب المنتخب الوطني فرجيل مارداريسكو، سيظهر دوره الحاسم أيضا في واقعة العطب الذي أصاب الطائرة العسكرية التي كانت تحلق بأفراد البعثة المغربية متوجهة بهم إلى العاصمة أديس أبابا لخوض مباريات المجموعة النهائية، حيث أنه عقب قلاع الطائرة تفاجأ الجميع بنيران تخرج من المحرك الأيمن، لكن سرعان ما سيطر قائد الطائرة على الأمر وتمكن من العودة إلى المطار مرة أخرى والهبوط دون أي خسائر.
وفور هبوط الطائرة وسط هلع أفراد البعثة، اتفقوا جميعا أنهم لن يستكملوا البطولة وسيعودون إلى المغرب، وقضوا الليلة بأكملها في المطار لمحاولة حل هذه الأزمة، وفي النهاية أقنعهم المدرب مارداريسكو بمواصلة خوض البطولة ومواصلة المسار الصعب نحو أول لقب وآخر لقب يحرزه المنتخب الوطني في القارة السمراء إلى اليوم.
الإستقبال الرسمي والشعبي الذي حظي به المنتخب الوطني العائد من إثيوبيا باللقب الإفريقي، والإشادات التي لقيها فرجيل مارداريسكو من المغاربة جعلته ممتنا لحفاوتهم وذاكرا لجميل احتضانهم له ولأسرته حتى وهو يعيش سنوات تقاعده بالولايات المتحدة الأمركية التي استقر بها في نهاية سنوات السبعينات إلى حين وفاته سنة 2003 في أحد مستشفيات كاليفورنيا وهو يصارع مرض سرطان البروستات.
يقول ابنه ميرتشا الذي لعب في الوداد البيضاوي بين 1973 و1976 عندما كان والده مدربا للمنتخب المغربي، وانتقل بعد ذلك إلى نادي نيويورك كوسموس ليجاور الأسطورة بيلي: “سنوات إقامتنا في المغرب لن تمحى من ذاكرتي، والدي لازال بطلا قوميا هناك إلى اليوم بعد فوزه باللقب الإفريقي الوحيد حتى الآن، ولازلنا رفقة أختاي ناتالي وستيفاني نتذكر تفاصيل سنوات جميلة عشناها في المغرب”.