غزة بعد الهدنة.. فرحة ممزوجة بالحذر وترقب لتحديات المرحلة المقبلة
في الوقت الذي تضع فيه جميع دول العالم أعينها على ما ستؤول إليه الأوضاع في قطاع غزة بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية -حماس- وإسرائيل أول أمس الأربعاء 15 يناير 2025، يعيش سكان غزة مشاعر من الفرح والترقب، فرحا بتوقف الحرب، التي طال انتظارها لأشهر طويلة، إلا أن هذه الفرحة تبدو غير مكتملة في ظل استمرار القصف الإسرائيلي، وما يرافقها من تحديات تثير مخاوفهم بشأن سيناريوهات ما بعد الحرب.
فرحة على أنقاض الألم
وفي هذا السياق، أكد الكاتب والصحافي الفلسطيني أحمد الآغا، أن الأوضاع الحالية في قطاع غزة مليئة بالفرح الذي طال انتظاره، وذلك بعد أكثر من 468 يومًا من القتل والإبادة والتشريد والتجويع، مشيرا إلى أن الغزيين يترقبون بفارغ الصبر يوم الأحد المقبل، حيث من المقرر أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وفي حديثه لـصحيفة “صوت المغرب”، أوضح الآغا أن السكان في مدينة خان يونس، حيث يتواجد، عادوا إلى ما تبقى من منازلهم الآيلة للسقوط، ومنهم من يعيش على أنقاض منزله، ومنهم من استصلح ما تبقى، لأنه بالنسبة لهم هو الملاذ الوحيد، مبرزا أن السكان هناك يأملون أن تتم هذه الصفقة بكل مراحلها، كي يبدأوا في التقاط أنفاسهم وتضميد جراحهم، والبدء في إعادة الإعمار، وعودة النازحين، والتعافي ولو بجزء يسير مما تبقى من الأمل.
لكن في المقابل، ذكر الآغا أن هذا الفرح لا يخلو من الحذر والترقب، حيث يستغل الاحتلال الإسرائيلي كل لحظة وكل دقيقة قبل بدء التهدئة ليفتك بأسلحته الفتاكة بالدم الفلسطيني، حيث أشار إلى أن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أطلق نداءات للمواطنين بضرورة عدم التجمهر في الأماكن العامة وأخذ كافة احتياطات الأمان والسلامة.
فرحة في القلوب أكثر من المظاهر
ومن جانبه، أكد الصحافي الفلسطيني فتحي صبّاح، أن “فرحة الشعب الفلسطيني تكمن في القلوب أكثر من المظاهر، حيث خرج بعض المواطنين للاحتفال بإعلان وقف إطلاق النار، بينما بقي معظمهم في خيامهم بسبب الحزن العميق والدماء التي لا تزال تسيل، خصوصًا مع التصعيد الأخير من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي”.
وتوقع صبّاح أن يرتفع معدل القصف والاغتيال والقتل حتى الأحد القادم لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا الفلسطينيين وتدمير أكبر عدد من البيوت والمنشآت والطرقات والبنية التحتية وغيرها، مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي اعتاد على هذا الأسلوب في جميع حروبه السابقة على غزة.
ورغم الفرحة بإيقاف الحرب وإطلاق النار، أبرز صبّاح في حديثه لـصحيفة “صوت المغرب”، أن السكان في غزة مكلومون وحزينون لأنهم فقدوا منازلهم، حيث تم تدمير أكثر من 75% من المنازل في غزة، مما جعل نحو مليون و700 ألف شخص بلا مأوى، إذ دُمِّرت منازلهم بالكامل أو لحقتها أضرار بالغة جعلتها غير صالحة للسكن.
وفضلا عن ذلك، أشار المتحدث ذاته إلى أزمة انقطاع الكهرباء والمياه التي بدأت منذ السابع من أكتوبر 2023، بالإضافة إلى النقص الحاد في الأطعمة والأدوية.
كما لفت إلى التدمير الكبير الذي لحق بالمنشآت الحيوية مثل المستشفيات والمدارس، مما يجعل من الصعب استئناف التعليم والعلاج، موضحا أن هذا العام هو الثاني على التوالي الذي يغيب فيه الطلاب عن الدراسة في غزة.
وتابع صبّاح أن قطاع الزراعة في غزة دُمِّر بالكامل، مما يزيد من صعوبة تأمين المنتجات الزراعية، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه أسعار المواد المستوردة ارتفاعًا غير مسبوق، مشددا على أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من دمار شامل نتيجة تدمير المصانع الصغيرة وورش العمل الصغيرة.
اليوم التالي للحرب..؟
في هذا السياق، أشار الصحافي صبّاح إلى أن الحديث الآن يتم حول اليوم التالي للحرب، وهو السؤال الذي يدور منذ أشهر، حيث أن مسألة السلطة في قطاع غزة تظل قضية محورية منذ بداية الحرب، إذ لا يزال الغموض يكتنف من سيحكم القطاع بعد انتهاء القتال.
وفي هذا الصدد، شدد المتحدث على أنه لا أحد يعلم ما الذي يجري في الكواليس السياسية، سواء من قبل الاحتلال الإسرائيلي أو القوى الدولية والعربية المعنية بالقضية الفلسطينية مثل الولايات المتحدة وقطر والإمارات ومصر والسعودية والأردن، “وذلك في الوقت الذي يرى فيه البعض أن بقاء حركة حماس في الحكم قد يحول دون تمويل إعادة الإعمار في غزة”.
ومن جهة أخرى، تحدث الصحافي ذاته عن الخطر الذي لا يزال يحدق بالفلسطينيين، بسبب المخلفات الحربية المنتشرة في العديد من المناطق بعد القصف المستمر، حيث أشار إلى أن العديد من الصواريخ والقنابل لم تنفجر بعد، كما أن بعض المنازل تم تفخيخها ولم تتم إزالة المتفجرات منها بعد، مما يشكل تهديدًا دائمًا لحياة المدنيين في المناطق المتضررة.
كما أشار المتحدث إلى جانب آخر من التحديات التي سيواجهها الفلسطينيون بعد الحرب، والمتعلق بصعوبة زيارة قبور أحبائهم والشهداء الذين سقطوا في الحرب، وذلك بسبب الدمار الواسع الذي خلفته الحرب في مقابر قطاع غزة، إذ قامت سلطات الاحتلال بجرف وتدمير جميع المقابر، باستثناء بعض المقابر التي أُقيمت بشكل عاجل خلال فترة الحرب.
وإلى جانب ذلك، لفت المتحدث إلى التحدي الآخر المتعلق بالركام الناتج عن القصف، حيث تغطي الأنقاض معظم مناطق قطاع غزة، مما سيعيق عمليات إعادة البناء ويضر بالبيئة، موضحا أنه من الضروري إيجاد حلول لمعالجة هذا الركام، سواء من خلال جمعه أو إعادة تدويره، لتيسير تنظيف المناطق المتضررة، مبرزا في ذات السياق، أن تنفيذ هذه الحلول سيكون صعبًا في ظل نقص الموارد والمعدات اللازمة لإتمام العملية.
وفي غضون ذلك، لفت الصحافي صبّاح إلى أن هذه الأوضاع تتطلب “عملية سياسية وديمقراطية وانتخابات تُجرى خلال ستة أشهر أو سنة بعد انتهاء الحرب “لكي يتم تجديد النظام السياسي الفلسطيني وانتخاب مجلس تشريعي جديد”، فضلا عن ولادة أحزاب سياسية جديدة تقود المرحلة المقبلة نحو إقامة دولة فلسطينية حرة ومستقلة في الضفة والقطاع والقدس”.