story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

عصام واعيس: الجماعة والإصلاح من الداخل

ص ص

هل تنتقل جماعة العدل والإحسان من إصلاح النظام من خارجه إلى إصلاحه من داخله؟ هل تجرّب حظها في معركة سياسية هزم فيها المخزن جميع الأحزاب؟ هل تحمل الوثيقة السياسية التي طرحتها الجماعة للنقاش العامّ في 6 فبراير 2024 إشارة إلى من يهمه الأمر بأن الجماعة مستعدة لتمرّر إصلاحات وإجراءات جديدة، وتقوم بدور القنطرة التي تعبر منها هواجس النظام والمجتمع من مرحلة إلى أخرى، لكن وفق شروط جديدة وبمهر أغلى؟

تُسيّج الجماعة ممكنات اقتحام الفعل السياسي عبر المؤسسات – ضمن أمور أخرى – ب”دستور ديمقراطي”، وب”مصالحة وطنية” تطوي ملف الاعتقال السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان، وبعدم إسقاط الفصل 47 من الدستور الذي ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات التشريعية، وبرفع يد وزارة الداخلية عن برامج التنمية بل و”إحداث وزارة مستقلة عن وزارة الداخلية مكلفة بالجهات والجماعات الترابية”.

بعدما أثبت المخزن أنه سيناريست بارع في انتخابات 8 شتنبر 2021، بتُّ أتصور أنه حتى لو أرسينا هيأة تأسيسية مكلفة بوضع الدستور، كما تطالب بذلك الجماعة، سيخرج المخزن من بين أعضائها منتخبا بكل ديمقراطية وشفافية، ثم سنرى العجب في الاستفتاء الخاص على الدستور الجديد، بكل ديمقراطية وشفافية أيضا، وأرجو أني أبالغ طبعا..

الجماعة تريد دخول غمار البرلمان والجماعات الترابية، إذا ما تآمرت الصدف، بحزب “يمارس السلطة والحكم”، وبتحالف محتمل مع قوى تشاركها هَمّ الديمقراطية وتخالفها همّ “المنهاج”، وبعيدا عن أي رغبة في الهيمنة حسب ما يستشف من وثيقتها، وإلا فأبعد ما تبحث عنه الأحزاب في المغرب حاليا هو التأثير في قرارات السلطة إن لم يكن نيل رضاها، وأكثر ما تخشاه الهيمنة التي تفرزها الصناديق إذا ما تُركت لحالها..

تُميّز الجماعة وثيقتها السياسية عن “البرنامج الانتخابي”، وهو تمييز يصبح صوريا حين نتجاوز الصفحات التمهيدية للوثيقة وإلى حد ما النقاش الدستوري ضمن المحور السياسي.

تؤكد الجماعة تشبثها بفكرة “النسقية” والتي تعني أن مشروعها السياسي جزء من مشروعها الدعوي والتربوي وأن أفقه “إحداث تغيير تاريخي يتأسس على بناء الإنسان، وتشييد مجتمع العمران الأخوي، وترسيخ القيم الإسلامية والقيم الإنسانية المثلى”.

وهنا تقفز مقارنة للذهن: إذا كان الإعلام يصف حركة التوحيد والإصلاح ب”الذراع الدعوي” لحزب العدالة والتنمية، فالمنتمون لهذا الحزب يرون خلاف ذلك: الحزب هو الذراع السياسي للحركة، وأن الحركة هي الشجرة! وأن حديث التمايز بينهما فرضه إحراج تدبير الشأن العام.

وهنا تتساءل إلى أي حد يمكن قياس مصير الحزب السياسي الذي قد يخرج من رحم الجماعة إلى مصير الحزب الذي خرج من رحم الحركة ودخل الحكومة مرتديا شعارات ومبادئ ومواقف كبرى وخرج عاريا من نصيب وافر منها، و”متمايزا” مع بعضها الآخر؟

كتبت العدل والإحسان وثيقتها في قالب برنامج انتخابي بتفاصيل تحمل رنة الوعود البراقة من قبيل “تجهيز الإدارات العمومية (..) ببنيات تحتية (رياض أطفال، أماكن صحية للرضاعة) لضمان الاستقرار النفسي للأم الموظفة”، و” إحداث وتطوير أنظمة الاستشفاء المنزلي، والطب الأسري والطب الوقائي والاستعجالي والإسعافي”، و” تطوير البنية التحتية المعبئة للمياه السطحية من قبيل السدود المتوسطة أو السدود التلية”.

مع ذلك، لا تريد الجماعة أن يُفهم من وثيقتها أنها في الطريق لإنشاء حزب أو أنها تقدم تعاقدا انتخابيا مبكرا، ولا أن يُفهم خلاف ذلك!

ماذا بعد الوثيقة إذن؟ يرد عمر إحرشان، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للعدل والإحسان، خلال الندوة التي خصصت لتقديم الوثيقة بهذه الكلمات “سنترك وقتا للوثيقة لتُقرأ .. وسنأخذ مسافة.. والنقاش العمومي يمكن أن يُبيّن أمورا أخرى”..

كأن يبيّن النقاش الحاجة إلى “تنزيل الوثيقة” بما يراعي سقف الممكن والقطيعة مع فكرة لا إصلاح قبل التئام شروطه، وعمليا ميلاد حزب إسلامي بكر في ساحة سياسية ثيّب..