story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

عام العطش

ص ص

حل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد صديقي مجددا في البرلمان، ليقرأ مرثية جديدة حول الوضعية المائية و”يبشّرنا” باقتراب خطر العطش من حناجرنا.
الوزير الذي يجسّد امتداد السياسات الفلاحية المعتمدة في المغرب منذ سنوات، بما أنه كان كاتبا عاما للوزارة في عهد وزير الفلاحة السابق رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، تحوّل إلى منصة للنحيب والبكاء على جفاف منابع المياه، السطحية والجوفية، كما لو أن هذا النضوب من فعل الجفاف وحده.
نعم، “السماء” مسؤولة جزئيا عن نقص مواردنا المائية، لكنها لم تنقلب علينا فجأة ولم تقرر بين عشية وضحاها كف تساقطاتها عنا. هناك في تاريخ المغرب الطويل، والذي يعود إلى قرون عديدة، ما يكفي من المؤشرات والبوادر التي كانت تخبرنا “من زمان” أننا في منطقة تتجه أكثر فأكثر نحو الجفاف وقلة التساقطات المطرية.
وعوض أن يعتلي السيد الوزير منصة البرلمان في كل مرة ليذكّرنا بهذا “القحط” الموعود، كان حريا بالدولة أن تفتح حزمة من التحقيقات، التي يجدر بها أن تبلغ المحاكم إن لم تتشكل لها محاكم خاصة، ليس للبحث عن المسؤول عن الجفاف، بل لتحديد المسؤولين عن وضع سياسات فلاحية لا تتناسب نهائيا مع مواردنا المائية.
هناك حقائق كثيرة تصدر على لسان أعضاء البرلمان، وعلى الحكومة أن تنصت إليها وتأخذها بعين الاعتبار. ومن ذلك ما قاله مصطفى الميسوري، المستشار البرلماني عن فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين، والذي نبّه الوزير إلى أن قطع إمدادات السقي عن بعض المناطق يتسم بحساسية كبيرة (كلمة حساسية تنطوي على تحذير مبطّن من اضطرابات اجتماعية). وأهم ما قاله السيد الميسوري هو أن مسؤولية ذلك تقع على الحكومات السابقة.
هذا موقف قوي وبطولي من برلماني محسوب على الأغلبية الحكومية، وتحديدا على حزب التجمع الوطني للأحرار. فالمسؤول الحكومي الذي كان عابرا لثلاث حكومات سابقة، منذ 2007، وظل على رأس قطاع الفلاحة، ليس سوى رئيس الحكومة الحالي ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار الذي ينتمي إليه السيد الميسروي.
شخصيا أطالب بحماية هذا البرلماني الشجاع وضمان عدم تعرضه لأي ضرر بعد تصريحاته الشجاعة هذه.
يضيف السيد الميسوري أن عدم استعجال بناء محطات تحلية مياه البحر ساهم في هذا المشكل، مقدما المثال بمنطقة اشتوكة آيت باها، حيث تم إنقاذ الموسم الفلاحي، وتم توفير الخضر والفواكه للمواطنين بفضل محطة لتحلية مياه البحر.
هذا موقف شجاع وقوي آخر، لأن حزب التجمع الوطني للأحرار هو أكثر من تولى الإشراف على وزارة المالية في الحكومات السابقة، وهي الوزارة المسؤولة عن توفير الاعتمادات المالية اللازمة لإنجاز مثل هذه المشاريع. ولو أنها وفّرت التمويل وأنجزت تلك المشاريع لما كنا اليوم أمام هذه الأزمة.
المستشار البرلماني نفسه حذّر من أن قطع إمدادات المياه عن الفلاحين وتوجيهها إلى الشرب، سينعكس على أسعار منتجات غذائية مهمة، على غرار البطاطس. فقط تمنّينا لو أوضح السيد البرلماني أكثر هل يقصد أسعار الأسواق المغربية أم تلك الواقعة خارج الحدود، سواء في الشمال الأوربي أو الجنوب الإفريقي أو الشرق الخليجي؟
إذا كانت للدولة إرادة حقيقية للحد من انعكاسات الجفاف على مغاربة المدن والقرى في معيشهم اليومي، فإن عليها أن تكف عن ترديد الأرقام والمعطيات التي تخفي داخل تفاصيلها، من الشياطين ما يكفي لإفساد الحياة فوق هذه الأرض.
على وزير الفلاحة أن يأتينا بالمعطيات المفصلة والخرائط حول طبيعة المزروعات التي توجّه إليها مياه السقي، ويخبرنا أين تكمن أهمية هذه المزروعات بالنسبة للأمنين الغذائي والمائي للمغاربة؟
آخر المعطيات الإحصائية تقول إننا نزلنا تحت عتبة الثلاثين في المئة من حيث نسبة ملء السدود. أي أن مجموع المياه السطحية المعبأة فوق أرض المغرب حاليا هو 4 ملايير و700 مليون متر مكعّب.
وحدها مناطق أحواض اللوكوس (أقصى الشمال) وسبو وأبي رقراق وتانسيفت، تحتفظ بكميات مطمئنة من المياه، تبلغ أكثر من 57 في المئة في اللوكوس وأكثر من 46 في المئة في سبو، و32 في المئة في أبي رقراق و46 في المئة في تانسيفت.
باقي مناطق المغرب باتت اليوم شبه قاحلة، وعلى رأسها منطقة حوض أم الربيع (تضم مدينة الدار البيضاء)، التي بالكاد تبلغ فيها نسبة ملء السدود 5 في المئة.
يخبرنا السيد وزير الفلاحة بمناسبة مثوله أمام مجلس المستشارين زوال الثلاثاء 23 يوليوز 2024، أن مليارين ونصف مليار من المياه المخزّنة في حقينة سدود المغرب حاليا، تعتبر موجهة للسدود الفلاحية. ويضيف الوزير أن الحصة المائية المحددة لري دوائر السقي في هذه الظروف تبلغ 890 مليون متر مكعب على طول الموسم، وهو ما يمثل أقل من ثلث المياه المخصصة في الدوائر السقوية خلال العشر سنوات الماضية على المستوى الوطني. ويضيف صديقي أن الوضعية الراهنة لم تسمح بسفي سوى 400 ألف هكتار من الأراضي السقوية.
هنا يجوز لنا أن نسائل الوزير ومعه الحكومة عن طبيعة الزراعات التي تحتفظ لها الدولة بهذه الكميات التي تفوق ضعف احتياجات جميع المدن المغربية من الماء الشروب. ما هي المنتجات الزراعية التي ستتدفق إليها هذه المياه؟ وفي بطن أي جنسيات سينتهي بها المطاف؟ هل هي بطون المغاربة أم الإسبان والفرنسيين والبريطانيين…؟ هل هي زراعات أساسية وحيوية بالنسبة للأمن الغذائي؟ وما أهمية العائد المالي الذي ينتج عن التصدير؟ وفي حسابات من يصب؟ وما قيمة النشاط الاقتصادي وفرص الشغل التي تخلقها هذه الزراعات؟
يقول الوزير في جوابه الأخير في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، إن الأولوية في توزيع مياه السقي تعطى للأشجار المثمرة والزراعات الدائمة… وهذا جيّد. فهل يمكنه أن يخبرنا عن الأساس الذي اعتمدته وزارته في السنوات الماضية لوضع السياسات المحفزة على الاستثمار الفلاحي؟ كيف تم اختيار الزراعات المستفيدة من الدعم في التجهيز بتقنيات السقي والتطوير والجني و”التثمين”؟ هل كان عنصر الماء جزءا من الاعتبارات المعتمدة في هذه الاختيارات؟ أم كانت مصالح كبار الفلاحين والمصدّرين في علاقة بالأسواق الأجنبية المربحة هي العامل الأكبر في وصولنا إلى “عام العطش”؟