story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

رحلة الآدمي.. قصاصُ الأسئلة

ص ص

تحتفل منصة صوت المغرب بذكرى تأسيسها ، فقررت أن أسأل الصغير صوت المغرب، عن عمره ، و لا أخفيكم سراً ، تمنيت أن يكون صبية ، وبحثت في لسان العرب ، هل الصوت اسم مذكر أو اسم مؤنث ..

فأجاب لسان العرب ،إنه اسم مذكر

و الكارثة أنه يُجمع جمع تكسير ..و ليس جمع مؤنث سالم ..

لذلك سأدعوه صبيا .. رغم أنه كما قال ابن العربي ..كل ما يؤنث ترتفع مكانته

فنظرت إلى أسنان الصغير ..

فوجدت ثنايا الرونق

أنياب الحضور

ضواحك الحرية

رحى المهنية

وتواجد الصبر

فاكتشفت أن الصغير ….ولد كبيراً

السيد الرئيس ….

رحلة الآدمي.. إلى الإنسانية ليست شيقة، لكنها ضرورية

رحلة من الارتطامات الفكرية والفلسفية المضنية

بل أكثر من هذا.. هي رحلة محفوفة بالمخاطر.. طوالها

و مخاطرها تمتد من عباب الرحلة إلى ضفافها..، فلا نجاة منها إلا لأجلها..

فالوصول إلى ضفة اليأس واردُ جداً، لولا طفولية روح المناضل.

و الرسو على ضفة المثالية وارد جداً، و هذا تتكفل به واقعية الصراع السياسي.

و الرسو على اللاضفة، و هو ما يبدو لي ، مسار رحلة الأدمي نحو الضفة السراب… ضفة الإنسانية .

السيد الرئيس ، او السيد الأدمي.. لي في ذمتكم ثأر قديم… ومادمنا – فيما فهمت – ننتمي ثقافيا وجغرافيا لنفس فضاء البداوة ..هناك حيث استودعتنا البشرية ، – مطمئنة – جزءاً كبيراً من …. عناد الطبيعة الاولى ، و مراس التضاريس النافرة بعنجهية وضراوة الغضب ..والعتب .و الحب ..و الصفح . فإنني ..

أطلب قصاص دم الطمأنينة التي كسرها صدى اعتقال طبيب، يدرس في كلية الطب بسوسة سنة 1994، قريبا من مساحة طمأنينتي على بعد كيلومترات شمالنا، و أنا الطالبة سنة أولى بكلية الصيدلة و طب الأسنان بالمنستير.

و صدى اعتقال نقابي شرس بمدينة الشابة..

وقصاص حق الغفلة المريحة ، التي طالما أقنعتني أن لا أسأل صاحب البقالة تحت منزلي بمدينة المنستير ، لماذا طرد – لأسباب سياسية – من هيئة المحامين التونسيين، وحرم من ممارسة مهنته.. ليبيعني و جيراني، زيتا. وملحاً و خبزا. وعن أستاذ الفيزياء جارنا الذي منع من التدريس ، وقرر أن يعول عائلته من مهن لا يتقنها، فلا هو عرف كيف يكون، بقالا، و لا سباكاً ، ولا رصاصاً ، و لا هو قادر على الهجرة و لا على الهروب…..

وقصاص السكينة و الأمان التي تضمنها الأنظمة البوليسية العتيدة للمواطن الملتصق بحائط اللامبالاة، و التي كسرها اهتمام الطالبة المهاجرة بمآل المعارضين، و شريحة المُرسبين – لأسباب جامعية – و شريحة المجبرين على تسجيل الحضور لدى المؤسسات الأمنية في كل حين.

وقصاص استباحة حرمة ذاكرة الوجع، و فتح باب السؤال الموجع، عن لهفة العمة الباسقة الصبر، على ابن التهمته غياهب سجن أكدز سنة ولادتي، عن رفات ابتلعها الغدر و التعذيب، عن عنوان قبر سليل المشيخة الذي لا تعرفه لجان العدالة و الإنصاف، عن وصية أم رحلت بعد أن تركت مفتاح بيتها و قلبها وعنوان قبرها، لعل رحلة مستحيلة التحقق، تعود به فيتقفاها في مقبرة سيد ألغازي دكليمبم.

يا الله …هل تتوفر الجمهورية التونسية على هذا المرفق العمومي ، هل يوجد أكدز التونسي ، و هل سيبتلع الطبيب و و النقابي و بقال الحي و الطلبة المرسبون ، و ستهوي أمهاتهم مثل عمتي – الوبائية الحُزن ….في غيابات الموت الممتد … على مصقلة الحياة لا ..لا … ألا يستحق هذا قصاصا ً …

وقصاص حيرة الحسم ، الاختيارات ، الاطروحات ، الايديولوجيات التي تكسرت ، طوال رحلة الأدمي ..نحو الإنسانية ..في مصقلة الثنائية المضادة التي نظمت ر حلة الآدمي نحو الإنسانية الملجأ .

اخترت صيغة الثنائية , وجهتي التحليل هي الصيغة التحليلية التي رسمت خط الفكر الذي نسجتم على خيوطه الرحلةَ .. رحلة الآدمي ..الذي

أحب الحرية ..وكلفته اللعينة ما كلفته .

و الذي تعقبه الرجال الغلاظ ..وسمم هو بدنهم

و الذي أحبته ” ما” ..و أتعب هو ” ما”

والذي تقفى… رحلة اليقظة ..مهموماً برحلة المنام .

والذي هرب من الموت بحثا عنه

والذي …أخرج من جبة البدوي …. أدوات فك سر الحضارة

لأتولى إذن طرف ثنائية حكمت مصير حركات التغيير في فضائنا المغاربي و العربي ، ثورية و إصلاحية ، لعلها ثنائية القاعد و المبادر ، لنطرح سؤال ناكري الجميل ، على أهل التضحيات؟

نيابة عن كل الشعبويين الذين يكرسون أنيميا الوعي ، و يتكلفون بتسطيح الوعي و جني التابعين ، و

عن القابعين في المنعطفات المؤمنة ضد التضحيات

، عن المراهنين على هزائم الحالمين ، و انفراط عقد الثبات و الرباط،

نيابة عن ممثلي حزب الخوالف،

عن الذين قرروا أن لا يستجيبوا لوصية الآدمي ممتطيا الرحلة بأن لا يكفوا هم عن الحلم ، فاستعاضوا عنه بحلم معلب سريع الذوبان

وعن الذين لم يرضو ا بالمصاعب ، و الملاحم وفضلوا أخبار الصالونات ( كما قلتم السيد الرئيس ) .

كأسئلة السذج ، المتخلفين عن جهورة النفير، فلا. هم فيه ولاهم في العير.

كسؤال الجبان الذي ينتظر خلف الأسوار عودة المحاربين .كي يقاسمهم- بكل وقاحة – حلوى النصر،

كجارة أم الشهيد تلك، التي أحكمت إقفال بيتها على ابنها المدبر ر جاءت تنثر السكر و الأرز على موكب المحاربين .

فإنني سأسمح لنفسي و أصالة عن حزب الخوالف وحزب ” الله ينصر من صبح “، أن أطرح سؤال ،

، لماذا لا تتغير أحوالنا ، لماذا انهارت الدول و بقيت الأنظمة مستمرة بذهنياتهت وعقائدها ، لماذا تسترسل هزائمنا، و نكباتنا و تكاستنا ، و التقسيمات ، و الحروب المدنية ، و الانهيارات السياسية و الاقتصادية ؟

لماذا سنتهم القومية و هي كانت غطاءً لا ممارسة

ولماذا سنتهم الاشتراكية و نحن لم نجرّبها إلا في الشعارات

ولماذا سنمسك بتلابيب الديمقراطية

و نحن نحاكيها بالقوانين ، لا بالقيم

لماذا سنتهم الإسلام السياسي و هو لم يقل كل ما يريد.

كيف يمكن لمواطن هذا الفضاء الثقافي ، الجغرافي و التاريخي ، أن يمارس مواطنة الإذعان ، دون أن يتصدع بنيان معتقداته و عزيمته و صموده ؟ كيف يفهم سيادة بلده ، في ظل هيمنة القوى المستقوية بالنظام العالمي الغير العادل ، ما مفهومه للاستقلال ، للسيادة ، للعدالة ، الديمقراطية ، و القوى الصهيونية تسخر قضاياه ، و ثوابته و ثرواته لخدمة تفشيها و استحكامها ، وإبادتها الشعوب والرموز و للآمال ؟

لماذا يعجز الثائر في سياقنا العربي و المغاربي عن أن يسوق السلطة لمختبرات التعديل الوراثي ، لصالح طفرات أخلاقية ، ديمقراطية ، علمية و عملية ؟؟ ولماذا تكسر نضاليته على صخرة التمثل الشعبي للسلطة و لهيبة الدولة ؟

لماذا لا تقبل السلطة في فضائنا الثقافي و السياسي العربي و المغاربي مهور المناضلين ؟

لماذا تتمنع عليهم،

لماذا تصرفهم قبل عتبة الباب العالي ، فهي – أي – السلطة ، لا تقبل ثقافيا – أقل من وجاهة الحاكم الأكثر استبداداً ، ولا تقبل أقصر من سقف مقراته ،

و لا ترضى إلا بوجهه الشمعي التعابير، المحسوب التفاعلات.

يذكر التاريخ العجوز أن، أهل العراق، أبوا تنصيب، ولاة علي بن أبي طالب، رغم أنهم من صحابة رسول الله وحفظة القرآن الكريم فقط لانهم ليسوا من وجاهة القبائل؟

لماذا لا تهوي لتأويل مناضل لمفهوم هيبة الدولة، بعد أن أصبحت الدولة غاية بحد ذاتها و ليس وسيلة لبناء الاستقرار و الرخاء.

و أصبح الردع و الضبط و القولبة عناوين هيبة الدولة و ليس البناء و الإنتاج و الالتزام و الثقة و الإدماج و الاستيعاب.

لتطغى الطقوسية على الرؤية وعلى المعنى و الجدوائية،

لكن من جهة أخرى، و بناء على مقاربة الثنائية الطِباقية : إذا صح هذا التركيب: و التي نظمت منهجية تفكير عقل الآدمي طيلة الرحلة.. إلى الباب…

كيف للسلطة كتشكل فكري سياسي ووجداني حي، متغير و متفاعل، أن يتطور خارج السياقات الثقافية، الفكرية، و التراثية للمجتمعات الحديثة العهد بالدمقرطة كفعل مؤسسي و قانوني و بالديمقراطية كقيم و أعراف،

و بالتالي، كيف للمعارضين و للحقوقيين المحمولين على أكتاف الثورات كما حدث في تونس ومصر، و على صهوة التوافقات الإصلاحية في المغرب ، أن يطوعوا بنيات اجتماعية صنعتها الأنظمة المدبرة، بإيجابياتها، و سلبياتها في سياقات تمددها في مجمل مساحات التأثير و التأطير و الفعل، سياسيا. ومدنياً و ثقافيا و فكريا و على آليات التنخيب السياسي و الأكاديمي و الاقتصادي و الإعلامي ..كل شيء بتعبير ابن ‘ما’

وكيف وكل قوانين التاريخ تضع شرط أسبقية الثورات الثقافية للشعوب كأرضية شرط، لانجاح التغيير الديمقراطي و بناء صرح القيم الديمقراطية.

ألم تُرٌجِح المآلات كفة الإصلاحيين، ألم تُرجح كفة التدرج المُؤَمن بالانتقالات الاجتماعية والثقافية و الاقتصادية، ألم ترجح كفة الإصلاح في ظل الاستقرار، ومن داخل المؤسسات، بعوامل ستوكيوميترية مضبوطة، ومنضبطة

ربما نعم ..وربما لا …

و في إطار فلسلفة ” ماذا لو، هذه المقاربة ” الوبائية” التأثير و الأثر، التي قادت رحلة الأدمي في اتجاه الإنسانية، وهل يملك المناضل إلا لحظة المنعطف، و التي لا يصنعها، بل يترقبها متوجسا، يلتقطها مغامراً و مقامراً.. وهل يُحاسب الثائر على أداء وعي شعبي صنعته يد الحاكم، عبر المقررات، و السياسات الثقافية، و البرمجة الإعلامية.. و الرقيب الأجنبي ذي التمويل المشروط.. و الأطماع المبرمجة..، لماذا، و المعارضون والثائرون و المصلحون شعوبا وقبائل و أطيافا و صراعات و ديات و ثأرا… جمعتهم لحظة الفعل.. وفرقتهم سنوات مضت في التنظير و التفكير.. و الاستهداف المتبادل ؟؟

لا يحمل لنا مؤلف الرحلة، أجوبة و تعاويذ و تطبيقات، بل ينتمي إلى أوراق التجارب التي تحمل المسافر على متنها إلى فلسفة حياة، تظافرت حولها الوراثة و الاكتساب، و التي تعتبر كل انكسار، نقطة رأب، و تعتبر كل ركام.. أديم حياة أخرى وكل انهيار تحرير فضاء من أجل فضاء أرحب، وكل اضطراب.. حلم انتظام جديد.. وكل مولود مشروع نبي.. و كل خريف ..مقدمة ربيع…. وهو ماظل الكاتب السيد الرئيس.. يغذيه من ذاكرة الطفل ذي الأعمام مربي الجمال، و الأخوال ملاك البقر، و يسقيه من، صحائف الأولين كتابا، شعراء و فلاسفة.. و يسقيه من ماء الصدق الذي ظل إكسير روح الكاتب ومسيرة المناضل

لا ننتظر جواباً من المناضل الإنسان الذي ناضل صادقاً، الذي انكسر صادقاً.. و الذي انتصر.. صادقا، بل ننتظر أملاً و إيماناً، ونننظر الكتاب الثامن، بعد كتاب الرؤيا ليستأنف الإنسان رحلته – كما يقول ” كم تغيرت و تراكمت مفاهيمنا وصورنا منذ انطلاقة الكتابة…. سفرة في فضاء الأحلام… استكشاف للفضاء الحسي -الرمزي ..الخيالي -الافتراضي ..بحث الذات عن ذاتها في الذوات الأخرى …، من حقنا إذن أن نترقب ما سيقوله ضيفنا .. مستأنفا رحلة انسانيته ..استقامته ..أخلاقياته ، بالعمر المديد ..بالصحة ..بالسعادة و كل الأماني.

*كلمة حسناء أبو زيد خلال اللقاء الذي نظمته صحيفة “صوت المغرب” بمناسبة ذكرى تأسيسها.