story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

صديقنا ترامب عائد

ص ص

رسميا، وابتداء من صباح اليوم الثلاثاء 16 يوليوز 2024، بات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات نونبر المقبل.
المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري صوّت رسميا لصالح ترشيح ترامب. وباستبعاد احتمال الاغتيال قبل يوم الاقتراع بعد تشديد الإجراءات الأمنية عقب محاولة نهاية الأسبوع الماضي، فإن ترامب هو الرئيس المقبل للولايات المتحدة الأمريكية.
كل شيء هناك، في بلاد الخوارق والبطولات الأسطورية، بات يجعل طريق ترامب نحو استعادة غرفته داخل البيت الأبيض مفروشة بالسجاد الأحمر. والرصاصة التي أخطأت رأسه قبل أيام، أصابت خصومه الديمقراطيين في مقتل. وبينما تدخل البلاد مرحلة حسم السباق نحو الانتخابات، يغوص الديمقراطيون فجأة في ضغوط سافرة على الرئيس جو بايدن كي ينسحب من السباق بدل دعمه.
كي تفهم ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية عليك أن تفكّر بمنطق أمريكا وتترك كل حمولة آتية مما خلف المحيطين الأطلسي والهادي وراء ظهرك. هناك يتصارعون بكل العنفوان الممكن، لكنهم حين يعجزون عن حسم الصراع لصالح أحد الأطراف يتحوّلون فورا إلى منطق الصفقات.
والصراع المرير الذي دارت فصوله طيلة الأعوام الماضية بين “الدولة العميقة” ودونالد ترامب، بما في ذلك فترة حكم هذا الأخير، يبدو اليوم وقد انتهى إلى صفقة. المنظومة الحاكمة هناك في حاجة إلى رئيس في جميع الأحوال، وترامب يبدو، وإن لم يتنازل عن أحقاده الدفينة تجاه خصومه، وقد توصّل إلى التوافقات الضرورية للعودة إلى المكتب البيضاوي.
صحيح أنه قام من ضربة الرصاصة التي لامست أذنه وسببت له نزيفا طفيفا، رافعا قبضة التحدي ومرددا عبارة “قتال قتال قتال…”، لكن المراقبين المختصين لاحظوا كيف أن ترامب 2024 لم يعد هو نفسه مرشح الانتخابات الرئاسية لعام 2016 ولا انتخابات 2020.
لقد اختفى “المهرّج” الذي أطاح بهيلاري كلينتون، وتوارى قليلا إلى الخلف ذلك “المقاتل” الذي رفض الاستسلام أمام بايدن، وأمريكا اليوم أمام ترامب المتديّن والعطوف والداعي إلى التهدئة وتجنّب الانقسام.
جميع عناصر “الصفقة” اجتمعت هذا الأسبوع: إسقاط المتابعة القضائية في حق ترامب في واحد من أكثر الملفات خطورة عليه: استعمال وثائق سرية بعد نهاية ولايته الرئاسية لأغراض شخصية.. وتقديم خطاب صحيح أنه ما زال يمينيا ومحافظا ومتطرفا، لكنه أقل حدة وأكثر قدرة على توحيد الأمريكيين. وفوق هذا وذاك، مرشح مفاجئ لمنصب نائب الرئيس، وهو شاب لم يبلغ الأربعين بعد، يعتبر من أنصار “الترامبية” لكنه أيضا معارض داخلي شرس للرئيس السابق. وأي “اختفاء” مفاجئ لترامب خلال الولاية المقبلة سيجعل هذا الشاب يصبح رئيسا للبلاد، محققا طفرة نوعية في الانتقال الجيلي داخل الإدارة الأمريكية.
خلف دونالد ترامب سيخوض السيناتور الجمهوري عن ولاية أوهايو، جيه دي فانس، معركة الانتخابات مرشحا لمنصب نائب الرئيس، مدفوعا بصيته الكبير، كسياسي دخل مجلس الشيوخ بفعل كتاب “المرثية الأميركية” الذي أصدره عام 2016، واستعرض فيه تأثير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على الفلاحين والمزارعين الأمريكيين. فئة لها تأثير كبير داخل الكتلة الناخبة، زيادة على جاذبية فانس تجاه الشباب لما يشكله من قصة نجاح أسطوري، تحوز جميع عناصر الإلهام في السياق الأمريكي.
بالنسبة إلينا في المغرب، وخلافا لجل الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها أمريكا في العقدين الماضيين، يمكن القول إن بمقدورنا أن “ننام” على “جنب الراحة”. عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستكون إيذانا ببدء فترة ازدهار كبير في العلاقات المغربية الأمريكية، بما أن جل “استثمارات” المغرب في هذه العلاقات، تصبّ في حوض الحزب الجمهوري.
يعتبر هذا الحزب تقليديا أقرب إلى المغرب، وتفسّر بعض الأدبيات هذا القرب بفترة حكم الملك الحسن الثاني وما كان يبديه من ميل إلى الخيارات المحافظة. فيما تصرّ مصادر أخرى على أن السر يكمن في قنوات التعاون الأمني والعسكري التي توصلنا مباشرة نحو أجنحة الحزب الجمهوري الأكثر تأثيرا، عكس الديمقراطيين الذين يرهقون النظام المغربي بتبايناتهم الداخلية وتعقيدات رؤيتهم للسياسة الخارجية.
ودون الحاجة إلى النبش في عمق العلاقات المغربية الأمريكية، يوجد بين المغرب وترامب “عهد” برهانات استراتيجية. يتعلق الأمر بالاتفاق الثلاثي الذي تم التوقيع عليه في الرمق الأخير من ولاية الرئيس السابق-المقبل للولايات المتحدة الأمريكية، وضم إسرائيل.
سيعود ترامب إلى البيت الأبيض وفي حقيبته خطة تمكين إسرائيل من تطبيع شامل لعلاقاتها بمحيطها العربي. هنا، وإذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية العلاقات المغربية الأمريكية فقط، سيكون المغرب في وضع مختلف تماما عن الحالة الصعبة التي واجهها بعد انتخابات 2016.
كانت الرباط وقتها قد راهنت بوضوح على وصول “الصديقة” هيلاري كلينتون إلى الرئاسة، وقدّمت لها الدعم المالي بشكل معلن، وهو ما لم يغفره لنا دونالد ترامب بعد انتصاره عليها. أما اليوم، ففي جعبة المغرب رصيد الاتفاق الثلاثي وبرقية التضامن التي بعثها الملك محمد السادس إلى ترامب بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال…
هذه قصة نجاح للدبلوماسية المغربية، نتمنى أن تكتمل وتتحقق، ولا يمكن إلا الإقرار بذلك. فالمصادر المطلعة على كواليس علاقاتنا بالإدارة الأمريكية في واشنطن، تقول إن التواصل كان في غاية السلاسة والفعالية في عهد ترامب، على الرغم من فترة الانسداد التي عرفها النصف الأول من ولايته.
وولاية الرئيس الديمقراطي جو بايدن بالكاد تمكّن خلالها المغرب من الحفاظ على مكسب الاعتراف الرئاسي بمغربية الصحراء، ولم يحصل على أي تقدّم معتبر في الموقف الأمريكي، رغم التنازلات الإضافية التي قدّمها المغرب في ملف علاقاته بإسرائيل.
الوضع المريح الذي يبدو أن بلادنا مقبلة عليه في علاقة بالحليف الخارجي الأكبر، نسبيا بطبيعة الحال، يفترض أن يستثمر بطريقة فعالة ومتوازنة.
من جهة أولى، لابد لهذا التردد الأمريكي في ملف الصحراء، الذي يعود إلي الثمانينيات حين اعتبرت الإدارة الأمريكية، كما يقول الأرشيف الذي رفعت عنه السرية، أن الحل الواقعي هو بسط السيادة المغربية على الصحراء مع “حفظ ماء وجه الجزائر”، (هذا التردد) ينبغي أن ينتهي.
لن يكون لعودة ترامب إلى الرئاسة في أمريكا، وهو “صديق” للمغرب أي نفع إذا لم ينتقل الاعتراف بمغربية الصحراء من واشنطن إلى نيويورك. أي من البيت الأبيض والخارجية الأمريكية إلى منظمة الأمم المتحدة. ولن تصبح للقنصلية الموعودة في الداخلة أية أهمية إذا لم يتحقق الحسم ي وثيقة رسمية لمجلس الأمن الدولي. ووحدها واشنطن، في الوضع الدولي الحالي، يمكنها الضغط لتحقيق ذلك.
ولأننا أمة ذات وضع اعتباري خاص في محيطها، وترتبط ثقافيا وتاريخيا ودينيا بفلسطين وعاصمتها القدس.. ولأننا لا نتاجر بقضية عادلة في مقابل قضيتنا الوطنية، فإن وضعنا المريح المنتظر، لن يسمح لنا بأقل من دور إيجابي نقوم به في القضية الفلسطينية، يعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الأرض والسيادة والحياة الآمنة.