story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

سقوط الهاسبارا

ص ص

في حوار ضمن منتدى “سيدونا” بولاية أريزونا الأمريكية نظمه معهد ماكين الجمعة الماضي، جمع السيناتور الجمهوري ميت رومني بوزير الخارجية الأمريكي الحالي أنطوني بلينكن، اعترف رومني بأن حملة العلاقات العامة الإسرائيلية فظيعة للغاية، بعدما قصفت غزة منذ أكتوبر الماضي، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 34 ألف فلسطيني -غالبيتهم من النساء والأطفال- ودفع أجزاء من القطاع إلى مجاعة من المتوقع أن تنتشر بسبب الحصار الإسرائيلي. وسأل بلينكن عما إذا كانت أمريكا وإسرائيل قد خسرتا الحرب الإعلامية لصالح حماس الذي يرى أنها انتصرت في كسب تعاطف العالم وحجب المسؤولية عنها فيما يقع على حد قوله.
في نفس الحوار، أفصح رومني عما كان مقررا أن يبقى في الخفاء. حيث أقر بأن السبب الحقيقي وراء قرار منع تطبيق تيكتوك في الولايات المتحدة هو البون الشاسع بين المحتوى المساند لفلسطين والمحتوى الداعم لإسرائيل داخل تطبيق التيكتوك. وقال علنا إن الولايات المتحدة تشتغل بهدف تقويض حقيقة الشرق الأوسط وحجب الحقيقة عن المواطنين الأمريكيين وإن اقتضى الحال منع تطبيق يستعمله أكثر من مائة مليون أمريكي.
لا أتذكر يوما ما في النقاش العمومي الأمريكي أن كان هناك اعتراف علني بفشل الهاسبارا أو حملة الدعاية المتشعبة التي تشنها إسرائيل للتأثير في الرأي العام العالمي. بالأحرى أن يكون الاعتراف من طرف رجلي دولة وبنبرة المنهزم الذي حيرته الأحداث ولم يجد لها مخرجا.
فقد اعتادت إسرائيل أن تستحوذ على النقاش العمومي الأمريكي وألا يكون هناك مجال لنقاش يضع ما يقع في فلسطين في سياقه التاريخي. لكن اليوم، سياسيو أمريكا والمنظمات الصهيونية التي تتباهى بإنجاحهم أو إسقاطهم في الانتخابات بناء على خدمتهم لأجندتها يرون كيف فشلوا في التأثير في شباب الولايات المتحدة الذين عرقلوا السير العادي للحياة في أمريكا بسبب دعمهم لفلسطين ومطالبتهم بوقف إطلاق النار في غزة.
اعترف أنطوني بلينكن، في ذات اللقاء مع رومني، بالدور المحوري الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في هذا التحول في مواقف الشباب الأمريكي. صحيفة هآرتس كذلك اعترفت في مقال لها بأن إسرائيل فقدت الجامعات الأمريكية وقد تفقد البيت الأبيض كذلك. هذا غيض من فيض الإشارات على فشل إسرائيل في كسب ود العالم والتغطية على الإبادة التي تقترفها في غزة. لكن يجب كذلك التأكيد على العمل الجبار الذي قام به النشطاء المساندون لفلسطين طيلة السنين الماضية، من أجل مجابهة سيطرة السردية الصهيونية داخل الولايات المتحدة.
يعود الزخم والدعم الكبيرين لفلسطين وغزة داخل حرم الجامعات الأمريكية بالأساس إلى العمل الطويل المدى الذي قام به النشطاء عبر السنين من أجل التأثير على الرأي العام الأمريكي. وهنا لا يمكن الحديث عن التأثير داخل الأكاديميا الأمريكية دون الحديث عن الدور المركزي الذي لعبه المفكر الأمريكي من أصول فلسطينية إدوارد سعيد. كان إدوارد سعيد فصيح اللسان قوي الحجة ذا شخصية وكاريزما قوتين. كما كان لمكانته الأكاديمية ومعرفته العميقة بالنضال الفلسطيني من أجل التحرر من الاحتلال دورا في إيصال وجهة النظر الفلسطينية إلى الجمهور الأمريكي.
الجيل الجديد من العرب والمسلمين الأمريكيين إلى جانب حلفاءهم من أصول أخرى حملوا مشعل النضال من إدوارد سعيد. جابوا الجامعات الأمريكية طولا وعرضا طارحين سردية مضادة لتلك التي يقدمها الصهاينة في أمريكا، واستطاعوا توظيف وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تجاوز سيطرة السردية الصهيونية على وسائل الإعلام التقليدية. وها نحن نرى نتائج عمل امتد لعقود، لكنه استطاع في النهاية إسقاط الهاسبارا الصهيونية ودفع النظام الإسرائيلي إلى العزلة الدولية.