story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

رشيدة داتي.. “مغربية” في مربع الحكم الفرنسي

ص ص

أعادت تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة التي كشف عنها النقاب الخميس 11 يناير 2023 بقيادة غابرييل أتال، إلى الواجهة اسم رشيدة داتي، وزيرة العدل “القوية” في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، والتي كانت أول شخصية من أصول مغربية تصل إلى منصب “حارس الأختام” في الجمهورية الفرنسية. مع ما يعرف عنها من صداقة قوية تربطها مع امرأة اسمها سميرة سيتايل، هي السفيرة الحالية للمغرب في فرنسا.

داتي عادت إلى الحكومة حاملة حقيبة الثقافة هذه المرة، حيث تمثل عنصر توازن بالنسبة المصالح المغربي، بحكم علاقاتها الوثيقة مع المملكة، كما هو حال “عرابها” نيكولا ساركوزي، في مقابل تعيين ستيفان سيجورني الذي قاد تحركات غير ودية تجاه المغرب السنة الماضية داخل البرلمان الأوربي، وزيرا للخارجية.

فمن تكون رشيدة داتي؟

“بركة الأولياء”

كأنما بركة الأولياء المنتشرين في أرجاء المغرب ترافق أبناءها فقط خارج حدوده، فبعد إسرائيل وهولندا وبلجيكا… بات المغاربة في العقود الأخيرة يستوزرون في أعرق الديمقراطيات وأكثرها نشاطا، دون حاجة لتزكية أعيان وشيوخ الدكاكين السياسية ولا مال حرام ولا آخر حلال. بل دون حاجة حتى ل”كوطا” النساء.

في هذا السياق حملت رشيدة داتي حقيبة العدل التي يستحيل الاقتراب منها في بلدها الأصلي، المغرب، دون الاعتراف بسياديتها واندراجها في سجل الوزارات الشريفة. “سؤدافع بكل قواي عن استقلال القضاء… أريد أن أقول لهم (القضاة) بأنني أثق بهم، بأنني أحترم عملهم، وبأنني سأعمل رفقتهم على بناء قضاء سليم…” تقول الوزيرة الشابة خلال تنصيبها عام 2007.

رأى الكثيرون وقتها في اختيار مغربيتين كناطقتين باسم أبرز مرشحي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، محاولة لتوظيف أصولهما لطمأنة ملايين الفرنسيين المنحدرين من أصول مماثلة، وواجهة براقة سرعان ما ستزول صباغتها لتعود المغربيتان من حيث أتيتا.

لكن المرشحة الاشتراكية سيغولين روايال عادت أدراجها رفقة “مغربيتها” نجاة بلقاسم. بينما راهنت رشيدة داتي على الفرس الفائز وتمتعت بالنفس الطويل وهي تقطف ثمار عملها الإعلامي والقانوني رفقة نيكولا ساركوزي.

ألبان شلندان

علاقة رشيدة بوزارة العدل لم تبدأ في 2007، بل إن ألبان شلندان، وزير العدل الفرنسي سابقا كان أحد اللذين ساعدوها لتسلق المراتب ومراكمة الخبرة. وبداية الحكاية عندما كانت رشيدة تعمل بإحدى المصحات أواسط الثمانينيات كمساعدة طبية.

كانت الفتاة تحمل معها كل يوم الجرائد والمجلات التي توضع في غرفة الانتظار، تقرأ وتبحث و تسجل، هدفها ترصد الشخصيات النافذة ومحاولة الاتصال بها، “ماذا سأخسر؟ أن يقال لي لا في أسوء الحالات؟” تقول رشيدة.

ذات يوم، قرأت رشيدة في إحدى الأسبوعيات أن السفارة الجزائرية ستنظم حفلا يحضره ألبان شلندان، فتوجهت الى مقر السفارة، وطلبت دعوة لحضور الحفل.

“يمكنني أن أساعدك على وضع القدم الأولى في ركاب الفرس، لكن يجب عليك أن تبرهني لي قدرتك عل وضع القدم الثانية” قال ألبان شلندان للفتاة الطموحة خلال حفل الاستقبال.

بائعة جائلة

تعلمت رشيدة منذ صغرها كيف تذهب عند الآخرين، وأحسنت منذ البداية اتباع طريق الشخصيات القوية وأصحاب النفوذ، وجلهم لم يتردد في مساعدتها.

ففي سن الرابعة عشرة، كانت تطرق أبواب الفرنسيين لتبيعهم منتوجات تجميلية ومنظفة، قبل أن تحصل على موطئ قدم وفرصة عمل في أحد الأسواق الممتازة.

كانت رشيدة تقضي يومها في العمل، بينما أثناء الليل، تلتهم قصاصات الجرائد، تبحث عن هؤلاء الذين يستطيعون مساعدتها، ولا تتردد في مراسلتهم.

تكمن قوتها في قدرتها على إقناع مخاطبها الذي نادرا ما يقول لها كلمة “لا”، سلاحها ذكاء متقد واعتدال بيّن يجعلها تمنح مخاطبها إحساسا بأهميته وضرورة وجوده بالنسبة إليها، وبكونها تستودعه مستقبلها ومصيرها.

مطرقة والدها البنّاء

رشيدة المغربية الأصل وفرنسية المنشأ شقت مسارا مهنيا على النمط الأمريكي، حيث لا شيء يترك للمصادفة.

علمها تخصصها العلمي فن التخطيط وضبط الحسابات قبل الإقدام على أي خطوة. طموح وإصرار ورثتهما عن والدها الذي هاجر الى فرنسا ليشتغل كبناء، لكن طموحه جعله يوفر لابنته مقعدا في مدرسة كاثوليكية الى جانب أبناء البورجوازية الفرنسية.
مهما بلغت أحلامه وطموحاته، فإنه لم يتصور يوما أن المطرقة التي أتى يحملها في يده ليدق بها على لبنات البناء ستتحول في يد ابنته الى مطرقة “فاخرة” توقف مرافعات المحامين أمثال نيكولا ساركوزي.

فرغم أنها اختارت متابعة دراستها العليا في الاقتصاد وتدبير المقاولات وهي تشتغل في نفس الآن كمحاسبة، ثم انتقلت الى لندن موظفة في البنك الأوربي للبناء والتنمية، قبل أن تصبح سنة 1994 مراقبة التدبير وكاتبة عامة في مكتب للدراسات والتنمية الحضرية، وفي الوقت نفسه مستشارة تقنية في المصلحة القانونية لوزارة التربية الوطنية، رغم كل ذلك، لم تضيع فرصة ولوج المدرسة الوطنية للقضاء سنة 1997 دون اجتياز المباراة نظرا لما راكمته من تجربة وشهادات (دبلوم الميتريز في الاقتصاد والتدبير وآخر في القانون العام).

راعية إخوتها الـ11

استفادت رشيدة داتي من رعاية سيمون فاي، الرئيسة السابقة للبرلمان الأوربي ووزيرة الشؤون الاجتماعية في عهد جيسكار ديستان، والتي نصحتها بولوج المدرسة الوطنية للقضاء، وعند تخرجها منها سنة 1999، منحتها الثوب الذي أقسمت به اليمين.

قد تكون رشيدة رأت في الليلة السابقة ليوم الجمعة 18 ماي 2007 الرؤيا الشهيرة للنبي يوسف، ففي ذلك اليوم ستصبح هذه السمراء حارسة لخزائن العدل في جمهورية “ساركو”، وهي أخت لأحد عشر من أبناء والدها الصارم من أمها الجزائرية.
“كانت والدتي نور حياتي، عندما فقدتها شعرت كما لو أنني تعرضت لعقاب”، تقول رشيدة التي أصبحت رمزا لما يمكن لتقارب جزائري مغربي أن يصنعه غير التناحر وهدر الطاقات. لكن حديثها عن شدة وقع رحيل والدتها يشي بما كان عليها تحمله من مسؤولية رعاية إخوتها، والذين يتوزعون على أنحاء فرنسا بين من أصبح مهندسا ومن امتهن المحاسبة.

اللقاء بساركوزي

جمعها أول لقاء بساركوزي سنة 1996، “لا تترددي في طلبي إذا احتجت إلي”، قال حفيد المجري اليهودي لابنة المغربي المسلم.
جملة ظلّت تحملها وتنفذ مضمونها بكل إصرار الى أن اقتنع بأنه من يحتاج الى خدماتها وخبرتها حين استقبلها سنة 2002 في مكتبه وهو يردد: “ليس هناك ما يجعلني أمتنع عن خدماتك”.

كان أول ما اشتغلت عليه رفقته وهو وزير للداخلية، مشروع قانون حول جنوح الأحداث. لتسرق الأضواء في دائرته الصغيرة عندما كانت وحدها تمتلك الجرأة لمطالبة شباب الضواحي بنزع قبعاتهم عند مقابلتهم وزير الداخلية؛ فلا شيء يخيف القاضية الشابة.

يجمعها بساركوزي إعجابها بمساره “إنه شخص لم يحصل على أي شيء مجانا، قام بانتزاع ما يريده بنجاح… أشعر بشيء يربطني به غير الالتزام السياسي”، تقول رشيدة التي لم تلج الاتحاد من أجل حركة شعبية، حزب وقتها ساركوزي، إلا أواخر العام 2006، لتصبح في الرابع عشر من يناير 2007 ناطقة رسمية باسم مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية الأخيرة.

بين ساركو وجمال الدبوز

يتهمها البعض بالانتهازية والوصولية، بينما اعتبرها البعض الآخر مستفيذة من عملية “التمييز الإيجابي”. وظلت تتعرض لوابل من الانتقادات اضطرت معها القاضية في كل مرة الى التحول الى محامية ترافع عن موكلها ساركوزي ومواقفه المعادية للهجرة والإدماج الاجتماعي؛ مشكلة الكفة الثانية للميزان التي منعت اختلاله حين كان ساركوزي يغازل اليمين المتطرف ويطلب وده واصفا شباب الضواحي بالرعاع.

تبدو رشيدة داتي مصرة على مواصلة رحلة التجول بين الجنسيات وهي الفرنسية التي تختلط في عروقها الدماء المغربية والجزائرية واليد اليمنى لفرنسي من أصل مجري يهودي؛ عندما أقدمت على الارتباط يوم 5 أكتوبر 2003 بوليد درويش، رجل الأعمال لبناني بعد علاقة طويلة ربطتها بجمال الدبوز فرنسي آخر من أصل مغربي اختار إضحاك الفرنسيين عوض محاكمتهم.

لكن مراهقي الضواحي كانوا سببا في إفشال تلك العلاقة، فبينما راح رئيسها ساركوزي يكيل لهم الشتائم، كان جمال يعرض فيلمه “أنديجين” دفاعا عن “محاربي الضواحي”.

مسار حياة:

27 نونبر 1965: ولدت في سان ريمي لأب مغربي وأم جزائرية
1999 : تخرجت من المدرسة الوطنية للقضاء
2002 : بدأت الاشتغال الى جانب نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية الفرنسي.
دجنبر 2006 : انخرطت في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية
18 ماي 2007 : عينت وزيرة للعدل في الحكومة الفرنسية
11 يناير 2024: وزيرة الثقافة الفرنسية