story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

سعيد الحاجي: رحيل بنسعيد آيت يدر.. نهاية الترميز السياسي

ص ص

في نوع من الإجماع نادر الحدوث في المشهد السياسي المغربي، حظيت وفاة المناضل اليساري محمد بنسعيد آيت يدر باهتمام واسع من طرف المغاربة، خصوصا أن الراحل عاش قرنا من الزمن مكرسا حياته للنضال من أجل البلاد، ما جعله يحوز مشروعية نضالية تاريخية لا يمكن لأي كان أن يتميز بها في المشهد السياسي الحالي.
لم يتقلد بنسعيد آيت يدر مناصب عليا تجعله يشكل دائرة نفوذ واسعة أو تابعين استفادوا من مساره الوظيفي، ولا كانت للرجل ثروة تؤهله لممارسة تأثير من نوعا ما على الناس؛ كل ما توفر عليه ايت يدر كان رصيدا نضاليا حافلا، ومسارا سياسيا نظيفا ميزته تضحيات كبيرة من أجل الوطن ولا شيء غير الوطن، مما حوله إلى رمز من رموز النضال السياسي المغربي.
إن مسألة الرموز في الممارسة السياسية تكتسي أهمية بالغة خصوصا خلال الأزمات، فهي التي تتحول إلى شخصيات مرجعية من شأنها التأثير في القرار السياسي، وتكون صمام أمان تضمن الاستقرار خلال محطات التوتر السياسي، خصوصا أن زعماء سياسيين من طينة ايت يدر، يتحلون بالحكمة اللازمة التي تجعلهم يشكلون شخصيات توافقية قادرة على التنازل والتفاوض سعيا لتجنيب البلاد المطبات السياسي التي يمكن أن تقع فيها.
لم يكن المغرب، عبر التاريخ، يعدم رموزا سياسية من هذا النوع، وإن اختلفت خلفياتها وسياقات مساهماتها السياسية، إلا أن نظافة يدها ووطنيتها الصادقة وغيرتها على سمعة البلاد، كل هذه العناصر جعلتها تلعب أدوارا مهمة في تجنيب البلاد سيناريوهات سياسية كارثية خلال أزمات متعددة.
يشهد التاريخ المغربي أن رموزه السياسية سواء كانت من اليمين أو اليسار أو الإسلاميين أو حتى الراديكاليين، لم يكونوا عديمي الضمائر أو قليلي الوطنية أو سعوا بشكل من الأشكال إلى ممارسة السياسة بهدف الاغتناء أو استغلال النفوذ أو الإساءة إلى الوطن، فكانوا أجدر بترميزهم وجعلهم نماذج لخيرة ما أنجبته الممارسة السياسية في المغرب.
إن عملية الترميز في مجال السياسي تنطوي على أهمية بالغة، فهي التي تعطي للسياسة معنى، وتفتح للدول والمجتمعات بابا من أبواب الأمل في السياسة، وإذا كانت عملية الترميز السياسي تثير تخوفات لدى أنظمة الحكم خصوصا تلك التي تفتقد المشروعية بأنواعها المختلفة، سواء كانت تاريخية أو دينية أو نضالية، فإن نظام الحكم في المغرب والمتمثل في المؤسسة الملكية، كانت تدرك أهمية وجود رموز سياسية في البلاد، وتتعامل معها باحترام وتقدير كبيرين، لإدراكها وجود المشترك الأساسي والمتمثل في الحفاظ على استقرار الوطن وسمعته ومصالحه.
إن أخطر ما يمكن أن تواجهه السياسة في بلد، هو توقف عملية إنتاج رموز سياسية تبقي على الحد الأدنى من الأمل في جدوى السياسة، وأن يتحول المجال السياسي إلى آلة لإنتاج نخب سياسية انتهازية لا يهمها الوطن أو استقراره، بقدر ما تهمها مصالحها وتسعى بكل الوسائل إلى استمرار نفوذها، ولو عن طريق قتل كل ما هو نبيل في السياسة. وعوض أن تفضي الممارسة السياسية النزيهة إلى عملية ترميز تنتج رموزا سياسية من طينة بنسعيد واليوسفي والفاسي ويعتة وبوعبيد وغيرهم، فإن الممارسة السياسية الفاسدة لا تنتج فقط نخبا سياسية مرتبطة بها، بل تؤدي إلى إيقاف عملية الترميز التي تفضي بالضرورة إلى موت السياسة، وبالتالي فقدان أهم عناصر الدولة ضد الأزمات…