story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

ربيع الطلبة والبرلمان

ص ص

في عز هذا الانهيار الشامل الذي تعيشه آليات الوساطة والتأطير والتمثيل، تصبح أبسط محاولة لاستعادة النشاط، بمثابة نقطة ضوء في نهاية النفق.
ما يجري هذه الأيام في الجامعات المغربية من تململ بشأن القضية الفلسطينية يشير إلى وجود بقايا حياة في المجتمع الطلابي. والمحاولة التي تقوم بها مكونات البرلمان للوساطة في ملف طلبة الطب، تنعش المؤسسة التشريعية.
ففي مقابل القرارات الخرقاء والغريبة التي تقوم بها إدارات بعض الجامعات والكليات، والتي تقدم على منع أنشطة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، أبان رد الفعل التلقائي للطلبة والأساتذة عن مؤشرات نبض في عروق الجسم الجامعي المغربي، من خلال مبادرات التعبير عن الموقف الإنساني النبيل، بالتضامن مع شعب تحت الاحتلال ويواجه القتل بشكل يومي.
هذه الكوفيات التي تفرد جناحيها فوق حفلات التخرج والمناقشات العلمية لرسائل وأطاريح التخرّج، تقدّم جوابا مفحما على خطاب الاستسلام لحتمية التطبيع المذل، والانقياد لمنطق الخضوع للقوي، والانبطاح أمام إملاءات الماسكين بخيوط الصراع الدولي والإقليمي.
وفي قضية طلبة الطب المضربين منذ بداية هذه السنة، تعيش المؤسسة البرلمانية حاليا مبادرة نوعية قامت بها فرق من الأغلبية والمعارضة، للوساطة بين الحكومة والطلبة المحتجين. مبادرة قال وزير التعليم العالي عبد اللطيف الميراوي إنها أتت لمحاولة إقناع الطلبة بقبول العرض الحكومي، بينما هو في الحقيقة محاولة لتقديم ضمانة للطلبة الذين لم يعودوا يحملون أي قدر من الثقة تجاه الحكومة ووعودها.
الحقيقة أن كل من يتابع فصول هذا الاحتجاج الطلابي ويحب الخير لهذه البلاد ولهؤلاء الطلبة، سينصحهم بالإصرار على انتزاع تعهّدات مكتوبة وضمانات سياسية صريحة وعلنية. لا يمكن لأي كان أن يثق في حكومة لم تجد ما تواجه به فشلها في إنهاء أزمة اجتماعية محدودة المجال، سوى القول ب”تسييس” التحرك الاحتجاجي. كما لو أن المضربين يطالبون بالثورة وتغيير النظام، ولا يقدّمون أي ملف مطلبي واضح ودقيق.
لا يمكن أن يخرج علينا اليوم أي مسؤول حكومي مدعيا أن الطلبة هم من يرفض الحوار أو يصرّ على استمرار الاحتجاج دون أفق واضح. هذا كلام صبياني لا ينطلي على أحد.
لقد تابعنا جميعا طيلة أسابيع وشهور كيف كان الطلبة يطوفون على مقرات الأحزاب ويطرقون أبواب المؤسسات، فلا يجدون ترحيبا ولا تجاوبا. بل إن من بين فرق الأغلبية البرلمانية من خرج ليزايد على الحكومة نفسها بخطاب “تسييس” الاحتجاج، في وقت يفترض فيه تشجيع أي تسيس بالمعنى الذي يفيد فتح قنوات التفاوض والتوافق وإنهاء الخلاف.
من أغرب ما سمعته شخصيا من انتقادات وجهها الوزير الميراوي للطلبة المحتجين، هو مؤاخذة اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة، على انضباط عموم الطلبة لقراراتها والتزامهم بتوجيهاتها. لا أعلم من أين يريد السيد الوزير للطلبة أن يأخذوا التوجيهات والقرارات، إن لم يكن من الهيئة التي انتخبوها وعيّنوها مسؤولة على تدبير جزء من حياتهم الجامعية.
هذه اللجنة تتخذ قراراتها، كما تابعنا أكثر من مرة، بعد التداول والنقاش والاحتكام إلى التصويت بشكل حضاري يحمل على الفخر بالحاضر والتفاؤل بشأن المستقبل. فهل يريد الوزير لطلبة الطب أن يقتدوا مثلا بالأحزاب التي تتلقى التوجيهات والأوامر من خارج هيئاتها التقريرية؟ أم بالنقابات والجمعيات التي يأتي مسؤولوها لاستصدار الموافقة على اختيارات وقرارات جرى الاتفاق عليها مسبقا؟
لو لم تكن للبرلمان الحالي من حسنات إلا مبادرته الحالية للوساطة بين الحكومة والطلبة، لاستحق التحية والتصفيق. تمنّينا لو كان “ممثلو الأمة” قادرين على ممارسة صلاحياتهم الدستورية، سواء الرقابية أو التشريعية، والانتصاب كسلطة حقيقية، كما يسمّيها الدستور، في وجه حكومة لا تعرف من التدبير سوى التجاهل والإكراه. لكن وكما قال رئيس الفريق الحركي إدريس السنتيسي: مل ايدرك كله لا يترك جلّه.
هذه المبادرة البرلمانية التي كانت شرارتها الأولى مع انسحاب فرق المعارضة من جلسة للأسئلة الشفوية، بعدما رفض الوزير الميراوي الحضور للتفاعل معها حول الموضوع، تفنّد زعم غياب الجدوى من وجود المؤسسات التمثيلية، وعدم قدرتها على الفعل والتأثير. وتؤكد هذه الخطوة أن ما نسجّله من ضعف في أداء المؤسسة التشريعية لا يعود إلى الدستور ولا الوضع السياسي والمؤسساتي، بل يعود أساسا إلى غياب روح المبادرة، وتخلي فرق الأغلبية البرلمانية عن أدوارها التشريعية والرقابية في مقابل خضوعها للأجندة والإملاءات الحكومية.
لم يكن ضروريا لحركة احتجاجية مثل هذه التي يخوضها طلبة الطب والصيدلة أن تنتهي بانتصار طرف أو هزيمة آخر. والحقيقة أنها تشارف اليوم على نهايتها بهزيمة مخزية للحكومة. ولو كنا في سياق نصف ديمقراطي لكان ما يجري الآن من محاولة ترقيع الفتق الذي سبّبته الحكومة، سببا في رحيل وزير أو أكثر من الحكومة.
فحسنا فعل المجتمع ببعض هيئاته السياسية والمدنية التي ساندت الطلبة في تحركهم الاحتجاجي السلمي والحضاري ضد الحكومة، وحسنا فعلت “الدولة العميقة” حين وقفت في جل الخرجات والوقفات والمسيرات التي قام بها الطلبة في موقعها القانوني السليم، أي التأمين والمواكبة دون منع أو قمع.
لعلّه ربيع مغربي يبعث إلينا نسماته الأولى، بارتعاشة الفضاء الجامعي التي تنبئ باستمراره حيا، في القضية الفلسطينية، وتجديد الحاجة إلى البرلمان والبرلمانيين من خلال الوساطة الحالية في ملف طلبة الطب…
دعونا نتفاءل!