story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

“ذوو الهمم”.. معاناة مضاعفة في المغرب العميق

أشخاص في وضعية إعاقة سافروا بنا إلى عالمهم الخاص
ص ص

هذه رحلة ل”صوت المغرب” في مدينة ميسور، رافقنا من خلالها ثلاث حالات أطفال في وضعية إعاقة. رحلة اختلط فيها الإنساني بالمهني، في ظل ظروف صحية قاسية يعيشها الأشخاص في وضعية إعاقة، وفقر وهشاشة يملآن المكان.

رصدنا الواقع من داخل منازل أسر الأشخاص في وضعية إعاقة، تقاسموا معنا مشاكلهم وهمومهم، ووعدناهم بإيصال حقيقة ما رأيناه وسمعناه وشعرنا به معهم.

يعاني حاتم الذي يبلغ من العمر 13 سنة، من إعاقة مركبة تجمع بين الذهني والحركي والحسي، إلى جانب مشاكل في الغدة الدرقية، وفقر الدم ونقص شديد في المناعة، والتوحد… نعم إنها حالة مركبة ومعقدة.

لم يكف حاتم عن الحركة طيلة مدة زيارتنا لمنزله، ولو للحظة. كان كثير الحركة، يتنقل من مكان لآخر، ويحدث أصوات وحركات لا تفهمها إلا أمه أمينة وأخته فاطمة الزهراء. تقول الأم إن حركاته هذه تحتفي بقدومنا، وتأكدنا من ذلك عندما لم يسمح لنا بمغادرة المنزل.

لا تتوفر نا أمينة على إمكانيات مادية لاقتناء الأغذية الخاصة بوضعية حاتم، حيث يواجه نقصا في الفيتامينات وفي امتصاص مكونات الغداء، كما يعاني من صعوبة في الأكل وحساسية من عدد كبير من الأغدية، وبالتالي يحتاج إلى حمية غذائية خاصة.

بعدما استرسلنا في الحديث مع الأم، قالت إنه لا يأكل إلا الذرة، “لأنني لا أستطيع شراء غيرها، مع تنويع في طرقة طهيها، خاصة بعد مرض معيل الأسرة وعدم قدرتنا على توفير الحمية الغدائية الخاصة بحاتم.”

تعتبر هذه الأم أن إحداث مراكز إيواء يبقى حلا مناسبا للعناية بالنسبة لفئة الأشخاص ذوي الإعاقة، “وأقصى ما نطلب هو عيش كريم لهؤلاء الأطفال الذين لم يختاروا مصيرهم”. وتؤكد أمينة أنها استفادت من الدعم الاجتماعي المباشر الذي اعتبرته مجرد مبلغ رمزي لا يغطي أكثر من أسبوعين من تكاليف حاتم.

أخبرتنا أمينة عن آخر رحلاتها نحو مدينة فاس من أجل التطبيب التي استغرقت أربع ساعات. تضطر أم حاتم مرة كل شهر، إلى التنقل للمستشفى الجامعي بمدينة فاس، حيث يوجد التجهيز والعناية الطبية لوضعية حاتم، بحكم قلة التخصصات في مستشفيات مدينة ميسور.

كانت أمينة تحدثنا في جلسة عائلية مع إفراد أسرة حاتم المكونة من أمه وأخته وجدته، فهن الوحيدات اللواتي يفهمنه، وهو أيضا يحبهن، ويقبّلهن من حين لآخر، وكأنه يشكرهن على سعة صبرهن وعنايتهن به. تقول أم حاتم: “رغم أن ابني لا يتكلم إلا أنه ذكي ويتفاعل معنا في المنزل، وأتمنى لو كانت هناك إمكانية أن يتلقى عناية طبية خاصة، لأنه سريع المرض.”

آفاق محدودة

على غرار حاتم، تبلغ وصال من العمر 13 سنة، وهي تعاني من إعاقة ذهنية وتأخر في النمو، وصعوبات في النطق. استفادت وصال من التربية الخاصة التي تقدمها إحدى الجمعيات، وتؤكد لنا والدتها أن وضعها يتحسن، لكنها تواجه مشاكل صحية تؤدي إلى فقدانها الوعي بمجرد اصابتها بنزلة برد خفيفة، مضيفة أن مستشفى المدينة لا يستوعب الحالات الخاصة مثل حالة وصال.

حدثتنا خديجة، أم وصال، عن تأخر المواعيد الطبية بالمستشفى الجامعي بمدينة فاس، حيث تطلب آخر فحص كانت ستجريه وصال في يوليوز العام الماضي، استعمال جهاز خاص، ومنذ ذلك الوقت وهي في انتظار الجهاز الذي لم يتوفر إلى اليوم، وتقول الأم أن طول الانتظار يفقد الأسرة أمل العلاج، ويرجع وصال إلى نقطة الصفر.

“نتعامل مع وصال بشكل خاص مقارنة مع اخوتها، ولا نواجه مشاكل مادية في توفير احتياجاتها الأساسية، الا أن جودة الخدمات متدنية في المنطقة، ولا تستجيب لمختلف أنواع الإعاقة، خاصة التعليمية منها التي تبقى محدودة وغير متطورة بالشكل المطلوب”، تقول الأم ثم تضيف: “أتمنى وصال أن تكتب اسمها فقط”.

روت أم وصال ل”صوت المغرب” عن أقصى لحظات سعادتها، عندما حفظت وصال ثلاثة سور من القرآن الكريم، وعلقت مع ابتسامة عريضة: “ابنتي تحقق انجاز.” وتتذكر خديجة كيف تخلت عن وظيفة التعليم من أجل الاعتناء وصال، “وعندما كبرت وصال قليلا، أردت العودة إلى صفوف التدريس، لكنني اصطدمت بتسقيف سن الالتحاق”. وتخبرنا الأم أنها ورغم كل ما عاشته لم تندم على اختيارها المكوث في المنزل وتوفير العناية الخاصة لإبنتها.

مريم.. هزمها الفقر

تطلعنا يطو، مرافقة تشتغل في جمعية المشعل لإدماج دوي الإعاقة، عن أنشطة الجلسات التي تجمعها مع الأشخاص في وضعية إعاقة الذين يتوافدون على الجمعية. ومن بين كل من حدثناهم خلال رحلتنا، شعرنا بأن يطو هي الأكثر دقة في وصفها وتقربها من مشاعر وأحاسيس هذه الفئة.

تحدثنا يطو عن مريم، ذات السبع سنوات، تقطن بإكلي بميسور، وتعاني من التوحد، إلى جانب اضطرابات نفسية ونوبات صرع. تقول يطو “مريم موهوبة، تلون بشكل جيد وتكتب أيضا، لكنها تحتاج إلى ميزانية أدوية لمتبعة تعلمها.”

وتؤكد لنا يطو أنها تعايشت مع نوبات الصرع التي تعانيها مريم، في حالة عدم تناولها الدواء، الذي يشكل عبئا على الأسرة. فعندما لا يتوفر الدواء تتطوع أحيانا الجمعية في توفيره لتجاوز هذه النوبات، واستكمال جلساتها بشكل طبيعي، مضيفة أن أسرة مريم ليس لها دخل، وعمها هو من يعيل الأسرة.

تقول يطو إن “العديد من حالات الإعاقة تدهورت بسبب فترة الحجر الصحي، خلال انتشار وباء كورونا،” مضيفة أن الأسر في مدينة ميسور تعاني من الفقر المدقع، ومن نسب الوعي متدنية لا تسمح بتفاعل إيجابي مع الأشخاص في وضعية إعاقة.

استقبلنا محمد الزحوض، رئيس جمعية المشعل لإدماج دوي الإعاقة، ليطلعنا على أدوار المركز الذي يقدم خدمات مجانية لهذه الفئة، بدعم من الدولة، وتشمل تكاليف أطر التربية الخاصة وأطر الخدمات شبه طبية، وجلسات تواصلية مع أسر العوائل المستفيدة.

أكد لنا الزحوض أن خدمات الجمعية لا يمكنها أن تغطي تكاليف الأدوية للأشخاص في وضعية إعاقة، وبينما تعتبر الأسرة طرفا مهما في تحسين وضع هذه الفئات، إلا أن الهشاشة والفقر تقفان عقبة في وجه أغلب ساكنة المنطقة، فلا يستطيعون مواكبة الحالة.

“نحقق أهداف بسيطة على مستوى الإعاقة الحركية، وكما يوجد أشخاص يتفاعلون مع العلاج، هناك فئة لا تتجاوب مع الخدمات المقدمة لأن حالتها صعبة وتحتاج إلى خدمات طبية دقيقة لا يمكن توفرها في المنطقة” يقول الزحوض.

خدمات طبية هزيلة

في تصريح خص به خالد حمنيش “صوت المغرب”، وهو المندوب الاقليمي للتعاون الوطني بإقليم ميسور، يؤكد “أن أكبر مشكل يواجه الأشخاص في وضعية إعاقة في مدينة ميسور هو ضعف الخدمة الطبية، وعدم استجابتها لحاجيات هذه الفئة”.

ويؤكد حمنيش أن هناك حالات في وضعية إعاقة مركبة، تحتاج إلى تشخيص طاقم طبي كبير، “لكن أغلب التخصصات التي تحتاجها هذه الفئة، لا تتوفر في مستشفيات إقليم بولمان، بل تقتضي السفر إلى فاس أو مكناس أو الرباط لتلقي العلاج،” وهذا ما تردد على مسامعنا خلال زيارتنا لبعض الحالات في وضعية إعاقة بمدينة ميسور.

يضيف حمنيش أن هناك جهود فردية يبدلها مختلف الفاعلين على المستوى الطبي، كتوفير مواعيد طبية لفئة الأشخاص في وضعية إعاقة، “لكن تبقى مجهودات غير كافية ولا تستجيب للطلب المتزايد.” مضيفا أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المنطقة، تقوم هي الأخرى بمجهودات كبيرة لتحسين ظروف الأشخاص في وضعية إعاقة ومواكبتهم.

تشتغل المندوبية في إطار برنامج التماسك الاجتماعي لتحسين ظروف الأشخاص في وضعية إعاقة، والذي يقدم دعما للمراكز على مستوى إقليم بولمان بما فيهم المناطق الحضرية والقروية، التي تغطي تكاليف المساعدة شبه الطبية والتربية الخاصة للأشخاص في وضعية إعاقة.

ويوضح حمنيش أن خدمات المراكز المدعمة، تتفرع إلى ثلاثة مستويات، يتمثل الأول في خدمة استقبال الأشخاص طيلة اليوم في وضعية اعاقة وتوفير التربية الخاصة لها إلى جانب الخدمات شبه طبية، أما الخدمة الثانية التي تقدمها هذه المراكز، فهي نقل الأشخاص في وضعية إعاقة من منازلهم إلى المركز لتلقي الخدمات المحددة، أما الخدمة الأخيرة فهي تقديم الخدمات في منازل الأشخاص في وضعية إعاقة بشكل خاص.

ويختم المندوب الاقليمي للتعاون الوطني حديثه ل”صوت المغرب” بالقول إن الآباء يطالبون بالأكل والملبس والدواء بسبب الفقر والهشاشة، لذلك هناك “تفكير هدفه توسيع الدعم عوض تغطية مصاريف التربية الخاصة والدعم شبه الطبي، يمكن أن يشمل دعم الاحتياجات الضرورية لهؤلاء الأشخاص في وضعية إعاقة”. ويؤكد حمنيش أن “التوعية والتحسيس أهم ما يمكن القيام به لتكريس فكرة أن الشخص المعاق ليس عبئا، ويمكنه ممارس حياته بشكل عاد، لتجاوز الإعاقة والانفتاح عن حلول جديدة”.