خبيرات: الاقتصاد المغربي يتكبد خسارة فادحة نتيجة ضعف إدماج النساء

قالت خبيرات إن مؤشرات التمكين الاقتصادي للنساء في المغرب لا تزال تُظهر “اختلالات عميقة” رغم الجهود الحكومية والتشريعية الرامية إلى تحسين وضع المرأة وتمكينها من الولوج إلى سوق الشغل، معتبرات أن الاقتصاد المغربي يتكبد خسارة فادحة نتيجة ضعف إدماج النساء، خاصة في العالم القروي.
جاء ذلك خلال ندوة تحت عنوان “التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة رافعة للتنمية المستدامة”، نظمتها كل من لجنة المساواة وحقوق النساء لحزب التقدم والاشتراكية ومنتدى المناصفة والمساواة، بمناسبة اليوم الوطني للمرأة يوم الخميس 16 أكتوبر 2025.
وفي السياق، اعتبرت سميرة موحيا رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء أن مؤشرات التمكين الاقتصادي للنساء في المغرب “لا تزال تُظهر اختلالات عميقة رغم تعدد البرامج والمبادرات الرسمية التي تهدف إلى تحسين وضع النساء وتمكينهن من الولوج إلى سوق الشغل”.
وأوضحت موحيا أن معدل النشاط الاقتصادي للنساء بلغ سنة 2020 حوالي 19% فقط مقابل 70% لدى الرجال، أي أن ثماني نساء من أصل عشر ما زلن خارج سوق الشغل، مشيرة إلى أن هذا المعدل انخفض من 22% سنة 2000 إلى 19% سنة 2023، في حين استقر معدل نشاط الرجال في حدود 60% خلال السنة نفسها.
وأكدت أن هذا الوضع يعكس فجوة كبيرة بين الجنسين في الولوج إلى سوق العمل، تُعزى إلى تداخل عوامل قانونية واجتماعية واقتصادية، فضلًا عن الفوارق المجالية بين الوسطين الحضري والقروي، وضعف ظروف العمل في القطاعات غير المهيكلة.
وأضافت المتحدثة أن عددًا كبيرًا من النساء يساهمن فعليًا في الاقتصاد العائلي والاجتماعي، “غير أن أعمالهن غير معترف بها رسميًا ولا تُدرج ضمن النشاط الاقتصادي، رغم أهميتها في استدامة الأسر والمجتمعات المحلية”.
وأشارت موحيا إلى أن مؤشرات التمكين الاقتصادي تُعد من بين المؤشرات الأساسية لتقييم السياسات التنموية، وأن النموذج التنموي الجديد منح أهمية خاصة لاستقلالية النساء الاقتصادية باعتبارها ركيزة للمساواة والتنمية الشاملة.
كما ذكّرت بأن النموذج التنموي دعا إلى إدماج مقاربة النوع في السياسات العمومية ورفع معدل النشاط الاقتصادي للنساء إلى 45% في أفق سنة 2035، إلا أنه لم يحدد آليات عملية لتحقيق هذا الهدف، مضيفة أن البرنامج الحكومي بدوره التزم برفع المعدل إلى أكثر من 30%، غير أن المعطيات الراهنة تُظهر صعوبة بلوغ هذا السقف في الأمد القريب.
وبحسب موحيا، فقد تراجع معدل نشاط النساء البالغات من العمر 15 سنة فما فوق إلى 16% سنة 2024، مقابل 20% سنة 2014، معتبرة أن تصنيف النساء ضمن فئة “غير الناشطات اقتصاديًا” هو “تصنيف مجحف”، لأنه يُقصي الأعمال غير المؤدى عنها التي تُشكّل في الواقع رافدًا أساسيًا للاقتصاد الوطني، مثل العمل المنزلي والفلاحة التقليدية والحرف اليدوية والخدمات الاجتماعية.
وختمت بدعوة إلى تبني سياسات عمومية أكثر إنصافًا تُمكّن النساء من الولوج المتكافئ إلى الموارد وفرص الشغل، وتعيد الاعتبار لمساهمتهن الحقيقية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
من جانبها، قالت أميمة عاشور، أستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، إن “المغرب يتكبد خسارة اقتصادية كبيرة بسبب ضعف إدماج النساء في العالم القروي داخل سوق الشغل، حيث يُقدّر أن البلاد تفقد نحو 2.2% من الناتج الداخلي الخام، أي ما يعادل حوالي 25.3 مليار درهم سنويًا”.
وأضافت عاشور أن المشكلة لا تقتصر على النساء القرويات فقط، بل تعكس فجوة كبيرة تظهر وجود “سرعتين” في مسار التنمية بالمغرب، واحدة في العالم الحضري وأخرى في العالم القروي، حيث تواجه النساء في الأخير صعوبات بالغة في الولوج إلى فرص التمكين الاقتصادي.
وأكدت أن إدماج المرأة في هذا المجال يمثل أحد أبرز التحديات البنيوية للسياسات العمومية.
وتابعت أنه فيما يخص حضور النساء في مواقع القرار الاقتصادي، فإن نسبتهن لا تتجاوز 12% في مجال إدارة الشركات، وهو معدل ضعيف لا يعكس قدرات النساء الحقيقية وحضورهن الفعلي في المجتمع.
كما أشارت إلى صورة المرأة في الذهن الجماعي والاجتماعي المغربي، حيث يُنظر إليها بطريقة مزدوجة أو “سكيزوفرينية” اجتماعية وسياسية واقتصادية، ما يَظهر بوضوح في المؤشرات والتقارير الأخيرة، لا سيما تلك المتعلقة بالعمل غير المنظم، والتي تكشف هشاشة الوضع الاقتصادي للنساء رغم الاعتراف المتزايد بأهمية إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والتحليل الاقتصادي.
وذكرت عاشور أن العديد من النساء يشتغلن “في الخفاء” في مجالات متنوعة، مثل التجارة والخدمات وكل ما يتعلق بالحياة اليومية، مقدمات جهدًا وإنتاجًا فعليًا لا يُحتسب في الناتج الرسمي ولا يُعترف به في الإحصاءات، مؤكدة أن المرأة تحتاج إلى عمل لائق يضمن لها الحماية الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
وختمت بالقول إن إدراج هذا النوع من العمل ضمن الإحصاءات الرسمية يُعد خطوة أساسية للاعتراف بمساهمة النساء الحقيقية في الاقتصاد الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية.