story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

حمزة الأنفاسي: في محورية الأسرة

ص ص

قبل أسابيع قليلة، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليتحدث إلى الشعب الفرنسي ويحثه على إعادة التسليح الديمغرافي le réarmement démographique. خرج ماكرون ليحفز الفرنسيين على الإنجاب في خضم الأرقام الديمغرافية المخيفة التي خلفتها سنة 2023. ففي هذه السنة، عرفت فرنسا ولادة 678000 طفل، وهو ما يشكل انخفاضا بعشرين بالمائة مقارنة بسنة 2010، وانخفاضا دون مستوى إعادة المجتمع لبناء نفسه.
يأتي هذا التصريح بعد تصريحات مماثلة للرئيس الصيني شي دين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول ضرورة إنجاب عدد أكبر من الأطفال لمجابهة الانكماش الديمغرافي الذي تعرفه دول كثيرة عبر العالم.
خروج ماكرون هو اعتراف علني ومباشر بفشل المشروع الاجتماعي الغربي. مشروع مبني على الحرية الفردية الراديكالية التي تخلي الفرد من أي مسؤولية اجتماعية، بل حتى من المسؤوليات المرتبطة باستمرار الجنس البشري.
هناك في علم الديمغرافيا رقم شديد الأهمية وهو 2.1. هذا هو معدل الإنجاب الأدني الذي يستطيع من خلاله مجتمع أن يعيد إنتاج نفسه، وأي رقم دون ذلك يعني أن عدد الوفيات في المجتمع سيكون أكبر من عدد الولادات، وهو ما يحصل حاليا في دول كألمانيا وإيطاليا والصين وكوريا الجنوبية على سبيل المثال، بمعدلات خصوبة لا تتجاوز 1.6، 1.3، 1.2، و0.8 على التوالي.
عوامل عدة تساهم في هذا التراجع المخيف في بعض الدول: هجرة الشباب إلى دول أخرى ذات دخل أعلى وفرص عمل ودراسة أحسن، ارتفاع الدخل في بعض الدول وما يوازيه من خفض لعدد الولادات داخل الأسر؛ لكن من الأسباب المهمة والتي نراها في تجارب دول كثيرة جدا انهيار دور ومكانة الأسرة داخل المجتمع. خلال التجربة الإنسانية ككل، تعتبر الأسرة أقدم تجمع اجتماعي من بين كل التجمعات الاجتماعية (العشيرة، القبيلة، الدولة، الإمبراطورية…)، كما أنها التجمع الاجتماعي الأكثر مساهمة في استمرار التجربة البشرية. لذلك فأي فتور لدور الأسرة ستكون له عواقب فتاكة على الفرد، المجتمع، والجنس البشري.
على مستوى المغرب، لا يختلف اثنان حول الهجوم الممنهج على الأسرة من زوايا مختلفة في العقد الأخير، مما خلف أعطابا قيمية واجتماعية مدمرة في مجتمعنا، ومن مظاهره تصدر المغرب لحالات الطلاق في العالم العربي لسنة 2023، والانتشار الخبيث لمخدرات صلبة كمخدر “البوفا”.
هذا الواقع هو الذي جعل الملك محمد السادس يدق ناقوس الخطر في خطاباته الثلاثة الأخيرة، من بينها خطاب خصصه بشكل كامل لموضوع القيم والأسرة في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية الأخيرة. كما أن الملك أشار في خطاب العرش لسنة 2023 لسياق تركيزه على قيم الأسرة، حيث قال إنه يأتي “في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات وتداخل العديد من الأزمات”، ودعا بعدها إلى التحلي بالجدية بمعناها المغربي الأصيل في التمسك بالقيم الدينية والوطنية وفي صيانة الروابط الاجتماعية والعائلية. يعرف الجميع أن خطاب العرش في المغرب يشكل خارطة الطريق للسياسات العامة للدولة بالنسبة لتلك السنة. وفي هذا السياق، يجب على المغرب أن يكون يقظا في التصدي لمحاولات التدمير القيمي التي تحصل بشكل يومي عبر قنوات مختلفة داخل المجتمع، وخصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لا أدعو هنا إلى التضييق على حرية تعبير المغاربة عبر هذه الوسائط، بل أحث على مراقبة المحتوى الذي يشاهده المغاربة والتصدي للمحتوى الذي يشكل خطرا قيميا واجتماعيا على المغاربة، كما يجب المساهمة في تشجيع المحتوى الذي يبني قيم المجتمع سواء كان تثقيفيا، تعليميا، أو ترفيهيا. كما على قادة الرأي في المغرب التركيز على دور الوالدين في هذا المسار وضرورة انخراطهم في بناء الأجيال القادمة بناء قيميا محصنا.