story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

حكومة رجال الأعمال

ص ص

إبان الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2009، وفي جلسة أمام مجلس النواب الأمريكي، أقر ألان غرينسبان، رئيس مجلس المحافظين للنظام الاحتياطي الفدرالي الأمريكي (federal Reserve) بقصور النظرية الاقتصادية التي كان يتبناها لعقود طويلة.

هذه النظرية يطلق عليها اسم “Trickle-down economics” أو الاقتصاد المتدفق، وتعني في الواقع خفض الضرائب وسعر الفائدة على الطبقة الغنية وأصحاب المال. ويدعي المدافعون عن هذه النظرية أن الأموال التي ستوفر ستتسرب إلى الطبقات الأسفل من السلم الاقتصادي والاجتماعي، عبر استثمارها داخل اقتصاد البلد.

هذه هي النظرية الاقتصادية نفسها التي تبناها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغن والوزيرة الأولى البريطانية مارغرت تاتشر في عقد الثمانينيات، وخلفت ما خلفته من تأثرات سلبية على اقتصاد البلدين. وقد أبانت عن فشلها في التأثير في الطبقات السفلى، بل ما فتئت أن وسعت الشرخ بين الطبقة العاملة والمتوسطة من جهة، وطبقة الأغنياء من جهة أخرى. حيث إن الأغنياء لا يستثمرون هذه الأموال في الشركات، وإنما يذخرونها، أو ينفقونها في أشياء شخصية، أو يرسلونها خارج البلد.
تذكرت هاته الواقعة من خلال اطلاعي على مسودة قانون المالية المغربي لسنة 2024. حيث يتضح التوجه العام للحكومة الحالية عبر التعديلات الضريبية التي تقترحها.

من ضمن مجمل المقترحات الضريبية هو مضاعفة الضرائب على الشركات الصغيرة والصغيرة جدا (تلك التي لا يتجاوز حجم أرباحها السنوي الثلاثمائة ألف درهم) من %10 إلى %20. فيما ارتأت أن تخفض الضريبة على أرباح الشركات الكبرى من %31 إلى %20. ارتفاع أكبر عرفته الضرائب المقترحة على بعض المقاولين الذاتيين الذين لا يراوح أغلبهم الطبقة العاملة أو المتوسطة الصغيرة على أبعد تقدير.

من خلال هذه المقترحات يمكن للمرء التفكير في أن الحكومة الحالية بين خيارين: إما أنها ساذجة كونها تصدق الوصفات التي تقدمها لها شركات الاستشارة التي تشتغل معها، والتي في غالب الأحيان تقدم نفس المقترحات لبلدان مختلفة دون حس إبداعي بتاتا أو مراعاة للسياق المحلي لكل بلد.

أما الخيار الثاني فهو أن الحكومة تقصد فعلا كبح الشركات الصغرى التي تكون في أغلب الأوقات مملوكة لأبناء الشعب المقهور أصلا، ولا يريدونها أن تنافس أبناء الطبقة الغنية الذين تكون لديهم رؤوس أموال كافية للتحليق في سماء الشركات الكبرى، خصوصا في ظل عدم وجود دليل واحد من التاريخ الاقتصادي لنجاح هذه الأطروحة، وفي ظل اعتراف أحد أكبر وأهم متبنيها بفشلها وقصورها.

هذا النوع من القوانين التي يراد من خلالها السيطرة على موارد الدولة وميزانياتها ومشاريعها الاستثمارية لصالح أفراد قلة أو طبقة معينة يطلق عليه في علم الاقتصاد السياسي اسم “Elite Capture” أو سيطرة النخبة، ويكون هذا النوع من السلوكات كابحا لإبداع الشركات الصغرى والمتوسطة، والتي تكون هي المحرك الفعلي للاقتصاد، لا الأغنياء الذين يدعون دائما أنهم السبب في تحريك عجلة الاقتصاد عبر خلق فرص الشغل. كما يقول عالم الاقتصاد الأمريكي روبيرت رايتش: “الأغنياء ليسوا من يخلق فرص الشغل، بل هم المواطنون/ الزبناء الذين لولاهم لما وجد الأغنياء شخصا يبيعونه منتجاتهم.”

على الحكومة المغربية الحالية إعادة النظر في هاته التعديلات الضريبية المقترحة، وإلا فعليها أن تكف عن الادعاء أنها حكومة اجتماعية، في وقت تضع فيه يدها في جيب المواطن البسيط من أجل تمويل مشاريع ستؤدي في النهاية إلى رفع ثرواتهم، ويجب ألا تخجل من أجل تسمي نفسها بحكومة رجال الأعمال.