story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

حركة #بلوكي_كلشي

ص ص

على الذين لم يستوعبوا بعد مشهد الأمواج البشرية التي تدفقت على أروقة المعرض الدولي للنشر والكتاب لحضور حفل توقيع كتب الروائي السعودي أسامة المسلم، والتي خرجت بشكل أو بآخر من رحم الشبكات الاجتماعية، أن يحتفظوا بدهشتهم لمزيد من الوقت، لأن حركة احتجاج ومقاطعة غير مسبوقة من نوعها تتصاعد هذه الأيام، عنوانها الانسحاب من حسابات كبار مشاهير المنصات الرقمية، ومعاقبتها بالحظر أيضا، في شكل مبتكر جديد من أشكال ثورة الجموع على “النخب”…
أليس المؤثرون هم نخبة العصر الجديد؟
الحملة التي انطبعت باسم “Blockout2024″، انطلقت في أعقاب تنظيم نسخة 2024 من الحفل الباذخ المعروف باسم “ميت غالا” يوم الاثنين 6 ماي الجاري، والذي يقام سنويا في نيويورك، ليستعرض فيه كبار النجوم والمشاهير أغلى ما يملكون من أزياء وإكسسوارات، مما شكّل فرصة بالنسبة لبعض النشطاء المستنفرين بقوة هذه الأيام، لوضع هؤلاء المشاهير في مرآة القضايا والمطالب الإنسانية والاجتماعية، وكشف تناقضاتهم ونفاقهم وتواطؤهم مع مراكز القوة والنفوذ واحتكار الثروة.
وإثباتا لخصائص منصات التواصل الاجتماعي التي تحقق الشيء ونقضيه، وتمنح السم والترياق، وتنجح في كثير من الأحيان في قلب السحر على الساحر وتطبيق مقولة “باش قتلتي باش تموت”، جاءت شرارة هذه الحملة مع قيام إحدى شهيرات منصات التواصل الاجتماعي، وهي عارضة الأزياء “هيلي بيلي”، بتصوير ونشر مقطع فيديو تشبّه فيه نفسها بزوجة الملك الفرنسي لويس السادس عشر، ماري أنطوانيت، وردّدت العبارة المنسوبة لهذه الأخيرة كتفاعل مع احتجاجات الثوار الجائعين: “فليأكلوا البسكويت!”.
هذه العبارة كانت بمثابة عود الثقاب الذي يُلقى مشتعلا فوق كومة تبن، حيث اعتبر رواد المنصات الرقمية هذا السلوك استفزازا للفقراء والمهمّشين، وإمعانا في التنكيل بهم، فجاء النداء الأول من حساب على تطبيق “تيك توك” الصيني، يدعو صاحبُه إلى الانسحاب من حسابات مشاهير السوشل ميديا وحظرهم، بهدف حرمانهم من عائدات هذه المنصات، وهو ما لقي تجاوبا كبيرا وسريعا، حيث تكاد خسائر بعض المشاهير تصل إلى المليون منسحب، فيما يقدّر نزيف العديد من الحسابات بمئات الآلاف من المنسحبين والغاضبين.
السياق الحالي المتسم باحتجاجات شباب الجامعات الأمريكية وقوى الشارع السياسي الغربي المدافعة عن الحريات والحقوق دفاعا عن القضية الفلسطينية، جعل هذه الحملة تنقسم فورا بين شقّين: واحد يربط دعوة المقاطعة والحظر ضد مشاهير الشبكات الاجتماعية بالبعد الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما يعكس أحد التوجهات الواضحة للجيل الجديد من الشباب الذي فتح عينيه على الثورة الرقمية، بينما استند الشق الثاني إلى حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل بدعم أمريكي في غزة، وجعلها معيارا في اختيار المشاهير المستهدفين بحملة البلوك.
انتشرت لائحة أولية بأسماء المستهدفين بالحملة، تتقدمهم كيم كارداشيان، وجاستن بيبر، وسيلينا غوميز، وتايلور سويفت… وضمّت لاحقا العشرات من كبار نجوم ومشاهير هوليود وسياسيين بارزين يتقدمهم الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون… لتتفرّع عن هذه اللائحة المركزية العديد من القوائم الإقليمية والوطنية، حيث لم يسلم حتى بعض نجوم الغناء المغاربة من الدعوات المتداولة عبر هاشتاغ #بلوك_المشاهير.
هذا الشق العربي والغربي المساند لفلسطين، لم يستهدف المشاهير الذين يساندون إسرائيل فقط، بل جعل الصمت خطيئة تستحق العقاب، لأنه بمثابة تواطؤ وتزكية لحرب الإبادة والتقتيل الجارية حاليا، والتي امتدت لتشمل منطقة رفح المكتظة بالمدنيين الفارين أصلا من نيران الاحتلال.
المغرب ليس استثناء في هذا السياق، والمعطيات التي تقدمها بعض المنصات هذا الصباح، مثل “X” (تويتر سابقا)، تبيّن أن الترند وصل بالفعل ويعرف مشاركة واسعة من جانب المواطنين المغاربة، دون أن يتّخذ الأمر طابعا محليا صرفا، أي أن جل المشاركين يتفاعلون مع الحملة العالمية ضد كبار مشاهير المنصات الرقمية، عقابا لهم على صمتهم تجاه الجرائم الإسرائيلية لدى البعض، وإلحاقا للضرر المادي بهم بالنسبة للبعض الآخر.
نحن أمام دليل آخر على أن عالما جديدا يولد من رحم الماضي، والحملة الجديدة ليست سوى استمرارا لما حصل منذ بداية الحملة العسكرية الهمجية على غزة، وفاجأ الماسكين بمقاليد النظام العالمي الجديد، حين انفلت الشارع من أيديهم رغم سيطرتهم المطلقة على كبري وسائل الإعلام التقليدية، أو المعروفة باسم “Mainstream media”، واعتقادهم أن منصات “الإعلام الجديد” أداة طيّعة في أيديهم. ثم سرعان ما تطوّر الأمر إلى تحرك لطلبة الجامعات، الآن مع رواد المنصات الرقمية الذين “يقاومون” بطريقتهم.
هذه التطوّرات ليست بعيدة عنا ولا نحن في منأى عنها.
بل على الذين يعتقدون أنهم أحكموا السيطرة على الرأي العام ودجّنوا المغاربة وأربكوا قادة رأيهم وأمسكوا بزمام المنصات الرقمية عبر ما يبيعهم إياه أصدقاؤهم الغربيون من برمجيات وتقنيات للتوجيه وجمع وتحليل البيانات… أن يتّعظوا وينتبهوا إلى أن الضمير الإنساني أعقد من أن تضبطه خوارزميات “ميتا” و”غوغل” وباقي عمالقة وادي السيليكون، وألا بديل عن قنوات ومنصات التداول والنقاش المفتوح والصحي.
” فأمّا الزّبدُ فيذهبُ جُفاء وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيمكثٌ في الأرض”
صدق الله العظيم.