“تهجير قسري”.. سكان حي المحيط بالرباط يستنكرون قرارات الإخلاء والهدم

“الحضارة لا تُبنى بدون أثر وتاريخ”، بهذه الكلمات عبّر أحد المواطنين المتضررين بحي المحيط في العاصمة الرباط عن استيائه من عمليات الإخلاء والهدم التي تطال منازلهم، مستنكراً “طمس معالم تراثية عريقة دون أي سند قانوني واضح”، وتحت ذريعة “أوامر عليا”، معتبرا أن ما يجري يمثل تشويهاً لهوية المدينة وإقصاءً لجزء من تاريخها، واصفاً الأمر بأنه “عار” و”تهجير قسري” لا يليق بمغرب المستقبل.
وأوضح المتدخل خلال ندوة نظمها منتخبو فيدرالية اليسار الديمقراطي، الاثنين 10 مارس 2025 بالرباط، لتسليط الضوء على عمليات الهدم والترحيل ونزع الملكية التي يعرفها حي المحيط بمدينة الرباط، والتي أتاحت للمتضررين فرصة التعبير عن معاناتهم، (أوضح) أن “التظاهرات الرياضية الكبرى التي يستعد المغرب لاستضافتها، تستوجب الحفاظ على الموروث المعماري للمدن، وليس طمسه”، كما انتقد غياب وزارة الثقافة عن المشهد، مطالبا إياها بالتدخل لحماية التراث المعماري للحي، مشيراً إلى أن عمر منزله يمتد لأكثر من 70 سنة.
من جانبها، استنكرت مواطنة أخرى متضررة هي أيضا “ما يتعرض له سكان الحي من ضغوطات قاسية لبيع عقاراتهم لصالح جهات مجهولة، إذ اتهمت باشا الحي “بممارسة الابتزاز لإجبارهم على الخروج قسراً، بدون أي سند قانوني، وخارج إطار دولة الحق والقانون”، مؤكدة أنها لن تتنازل عن منزلها حتى الموت، قائلة: “إذا أرادوا هدمها علينا فمرحبا، فنحن لن نخرج”.
وأضافت المتحدثة ذاتها، أن “ما يتعرضون له هو قمع حقيقي وضغط ممنهج لدفعهم إلى اتخاذ قرارات لا تعكس إرادتهم”، مشيرة إلى أن ما يحدث “ليس مجرد هدم للمباني، بل اجتثاث لبنية مجتمعية بأكملها، وأن هذه الإجراءات مست بحقوقهم وكرامتهم، حيث يُمارس عليهم ضغط كبير لبيع عقاراتهم، دون أي مبرر يتعلق بالمصلحة العامة، بل لصالح استثمارات خاصة”.
وفي حديثه عن عمليات توسعة شوارع الرباط، أكد عمر الحياني، عضو المكتب السياسي لحزب فدرالية اليسار الديمقراطي، أنها “نُفذت خارج إطار القانون”، موضحاً أن “مقترح التوسعة قُدم في مجلس الجماعة يوم 28 يناير 2025، وكان من المفترض أن يخضع لمساطر قانونية واضحة، تبدأ بالنقاش والتصويت، ثم يُفتح البحث العمومي لمدة 60 يوماً ليتمكن المواطنون من تقديم اعتراضاتهم، غير أن ما حدث هو الشروع في عمليات الهدم قبل حتى انعقاد اجتماع المجلس”.
وأشار الحياني إلى أن “بعض المتضررين من هذه العمليات، الذين تكبدوا خسائر مادية، يواجهون صعوبات عند اللجوء إلى القضاء ورفع دعاوى ضد جماعة الرباط، بسبب تعقيد المساطر القانونية وارتفاع تكاليفها، في حين تتحمل الجماعة في النهاية تبعات التعويضات”، مشددا على أن “هذا الوضع كان يمكن تفاديه لو تم احترام الإجراءات القانونية منذ البداية”.
وتابع المتحدث ذاته، أن “السلطات تصرفت في أملاك المواطنين دون أي غطاء قانوني، في انتهاك لمبدأ حماية الملكية الخاصة الذي يكفله الدستور، والذي لا يسمح بنزع الملكية إلا بمرسوم رسمي يُنشر في الجريدة الرسمية”، كما أشار إلى أن “قرارات توسيع الشوارع لم تستند إلى معايير منطقية، حيث إن بعض الشوارع المستهدفة لا تحتاج إلى توسعة، في حين أن الأشغال في مناطق أخرى قد تؤدي إلى المساس بمنشآت حيوية”.
من جانبه، أكد فاروق المهداوي، الكاتب الوطني لشبيبة فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن “ما يحدث في حي المحيط بالرباط هو حالة شاذة”، لأنها “لا تخضع لأي إطار قانوني واضح، حيث تتعرض الساكنة لضغوطات كبيرة لبيع ممتلكاتها لجهات مجهولة، دون معرفة هوية المستفيدين الفعليين”، كما اعتبر أن “عمليات الهدم تتم دون احترام المساطر القانونية وللقانون 7.81 المنظم لنزع الملكية”.
وأضاف أن “ما يجري لا علاقة له بالمصلحة العامة، بل هو استغلال لموقع الحي وتحويله إلى استثمارات خاصة تخدم جهات محددة، بينما يتم تهميش السكان الذين يعيشون فيه منذ عقود”.
وأوضح أن “السلطة تمارس الغطرسة في تعاملها مع المواطنين، بحيث لا يتم منحهم الوقت الكافي للاعتراض أو البحث عن حلول بديلة، ما يجعلها أقرب إلى إجبار السكان على مغادرة منازلهم قسراً لصالح جهات خاصة، وليس لتحقيق مصلحة عامة حقيقية”.
وأكد المهداوي أن “الوضع يزداد سوءاً بالنسبة للمكترين، إذ يُجبرون على الإفراغ دون تعويض أو سند قانوني”، ويُمارس ضدهم الضغط بوسائل وصفها بـ”الخسيسة”، منتقدا في هذا السياق “صمت الأحزاب السياسية عن هذه التجاوزات، بحيث أنها لا تتفاعل مع ما يقع”، مشددا في نفس الوقت على أن “الحل الوحيد لمواجهة هذه الانتهاكات هو توحيد الصفوف بين السكان وفضح هذه الممارسات أمام الرأي العام”.