story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

بوز: الاتحاد اصطف مع “الكتاب” بعد تبخّر حلم الحكومة

ص ص

رجّح أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أحمد بوز، أن يرتبط التنسيق السياسي بين حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية بعوامل من بينها إدراك قيادة الاتحاد أن حلم المشاركة في حكومة أخنوش قد تبخر. 

وقال بوز، في حوار مع “صوت المغرب”،  إن من أسباب ولادة هذا التنسيق السياسي “إدراك حزب الاتحاد الاشتراكي خاصة، أو على الأصح قيادته، أن موضوع الحكومة الذي انشغلت به كثيرا لم يعد ممكنا، وأن الحكومة الحالية ستستمر قائمة بمكوناتها الحالية إلى حين انتهاء ولايتها في 2026”.

وذهب الخبير الدستوري  إلى أن تنسيق الحزبين دليل على تجاوز حساسيات ماضية بينهما، معتبرا أن الحياة السياسية المغربية في حاجة إلى معارضة تخلق الدينامية المطلوبة في كل تغيير.

وتساءل بالمقابل عن مدى قدرة التنسيق الوليد على الصمود في وجه التقلبات السياسية إلى غاية الاستحقاقات الانتخابية القادمة، آخذا مسافة من الحديث عن تحضير عرض سياسي بديل في أفقها. 

واعتبر أن عودة اليسار كقوة فاعلة “تحتاج قيادات تمتلك الخيال السياسي لإبداع الحلول وتطوير الأفكار، ولها النفس الطويل الذي يبعدها عن استعجال البحث عن الربح السريع”.

وفي ما يلي نص الحوار:

ما خلفية التنسيق السياسي بين الحزبين ولماذا الاصطفاف ضد الحكومة الآن؟

هناك سببان على الأقل يجعلان مثل هذا التنسيق مثيرا للانتباه ومدعاة لفضول البحث عن أسبابه وخلفياته. السبب الأول، يكمن في كونه جاء في ظرفية كان فيها أحد طرفيه، وعلى وجه التحديد حزب الاتحاد الاشتراكي، لا يزال يتم الحديث عنه كعضو محتمل في الائتلاف الحكومي خلال التعديل الحكومي المقبل، الذي لا نعرف متى سيحدث ولكنه سيحدث بالتأكيد. إذا ما أخذنا بعين الاعتبار النقاش الذي يثيره أداء الحكومة وبعض الوزراء داخلها، ثم التقليد السياسي الذي درج على إجراء تعديل من هذا النوع خلال كل نصف ولاية حكومية. 

أما السبب الثاني، فيرتبط بطبيعة الحزبين المتحالفين، صحيح أنهما ينتميان معا إلى اليسار أو ما يعرف في الأدبيات السياسية بـ “العائلة السياسية الوطنية”، كما كان في مراحل معينة من التاريخ السياسي المغربي القريب أعضاء بالكتلة الديمقراطية، لكن العلاقة بينهما ظلت إلى حد ما محكومة بنوع من “الحساسية السياسية”. 

ما تجليات هذه الحساسية؟

كان ذلك في الماضي حينما كانت مواقف الراحل علي يعته من حرب العراق ومن الدستور تقلق قادة حزب الاتحاد الاشتراكي وقادة الكتلة ككل، واستمرت الحساسية قائمة في الحاضر، في ظل القيادة الحالية للحزبين (إدريس لشكر في الاتحاد الاشتراكي ومحمد نبيل بنعبد الله في التقدم والاشتراكية).  لذلك، أعتقد أن هذا الذي حدث بين الحزبين يجب أن يفهم على هذا المستوى. فهو قد يؤشر على أن الحزبين ربما تجاوزا الحساسية التي تكلمنا عنها أو على الأقل قررا عدم رهن سلوكهما السياسي بها. 

غير قضية الحساسية، ربما دوافع الحزبين تبقى مختلفة..

هذا التنسيق يرتبط أكثر، في تقديري، بإدراك حزب الاتحاد الاشتراكي خاصة، أو على الأصح قيادته، أن موضوع الحكومة الذي انشغلت به كثيرا لم يعد ممكنا، وأن الحكومة الحالية ستستمر قائمة بمكوناتها الحالية إلى حين انتهاء ولايتها في 2026.

وذلك بخلاف حزب التقدم والاشتراكية الذي ظل، على الأقل منذ تشكيل حكومة عزيز أخنوش إلى اليوم، منسجما مع نفسه وواضحا في عدم التمسك بسراب المشاركة الحكومية. 

التصريح المشترك تضمن عبارات قوية، ربما تبرز غضب أحد طرفي التنسيق..

فعلا، ما يؤكد هذا الطرح أكثر اللهجة القوية التي صيغ بها التصريح المشترك بين الحزبين، والتي كان حزب الاتحاد الاشتراكي قد هجرها منذ مدة، ولم تعد مألوفة في قاموس خطابه السياسي سواء في إطار معارضته المنبرية والبرلمانية أو خارجها، حيث المتتبع لخطابه يلمس نهجه لمعارضة ناعمة وتبنيه خطاب مرن حيال الحكومة.

 فالتصريح ذهب إلى حد الطعن في الانتخابات الأخيرة، حيث تحدث عنها باعتبارها طغت عليها أساليب وممارسات فاسدة ومفسدة، وأفرزت تغولا مفرطا أفقد الحياة المؤسساتية توازنها المطلوب.

طيب، ما واقعية فكرة أو طرح “البديل اليساري” لقيادة تجربة حكومية جديدة في 2026؟

المعطيات الواقعية تبيّن أن فكرة البديل اليساري لمواجهة الحكومة الحالية في 2026 لا تبدو واقعية. من جهة المدة التي تفصلنا عن هذا الموعد الانتخابي لا تزال طويلة نسبيا ويصعب التحكم فيما قد يحدث خلال هذه الفترة، بما في ذلك مسار هذا التحالف أو التنسيق نفسه هل سيصمد أم لا. 

ومن جهة ثانية، فإن أحزاب اليسار تعرف تراجعا لم يعد أحد يجادل في طبيعة تشخيصه، فقد تراجعت نتائجها الانتخابية، بل إن تلك النتائج أصبحت هي نفسها تتوقف على دعم بعض الأحزاب التي يفترض أن هذا التحالف اليساري موجه ضدها.

هل أفهم منك أنك تعتبر أن مصير هذه المبادرة الفشل؟

لا. أنا لا أعدم المستقبل أو أحكم على هذه المبادرة بالفشل. الحزبان تحدثا عن الحاجة الماسة لضخ نفس جديد في الحياة السياسية، وإعادة المكانة للفعل السياسي والحزبي، وإرجاع الثقة في العمل السياسي والمؤسساتي والانتخابي، والأهمية البالغة لوحدة الصف في خوض المعارك، والنضال المشترك بين القوى الوطنية والتقدمية، واعتبار أن المبادرة تبقى مفتوحة في وجه كل الفعاليات الوطنية الديمقراطية..

وهذا التحليل لا يمكن للمتابع والمهتم إلا أن يشهد بدقته وأهميته. فالحياة السياسية المغربية في حاجة إلى معارضة تخلق الديناميكية المطلوبة في كل تغيير، وتعطي توازنا للحياة السياسية يجنب البلاد السقوط في متاهات المجهول، وأحزاب اليسار أمامها فرصة ملأ الفراغ الذي تركه التراجع المهول الذي خلفه تراجع حزب العدالة والتنمية وفقا لما تابعناه جميعا خلال انتخابات 2021.

لكنك مع ذلك، تبقى حذرا من التفاؤل بالمبادرة..

في مستوى معين، لأنه يجب أن ننتظر إلى أي حد سيتم العمل على تجسيد هذا الاختيار وسلوك هذا النهج، لأن التاريخ القريب يكشف أن هذه الأحزاب ضيعت لحظات مهمة كان من شأن استغلالها الجيد أن يعيدها إلى ساحة الفعل، ويجعل منها بديلا لموجة الإسلاميين الذين كانوا خلال العشرين سنة الماضية يمرون بفترات ازدهار. 

على فرض  وجود إمكانية لبعث كتلة يسارية أو وطنية من الرميم، هل من يقودان المبادرة قادران على تجسير الهوة بين السياسة والشعب؟

أعود وأكرر أن مهمة أحزاب اليسار معقدة جدا، لكنها ليست بالمستحيلة. بالطبع عندما نتكلم عن جبهة يسارية أو شيئا من هذا القبيل لا يعني ذلك استعادة التاريخ كما حدث في الماضي القريب أو البعيد، لأننا لا يمكن أن نسبح في النهر مرتين كما يقال. 

لأن اليسار تغيّر..

اليسار تغير، وتمثلات اليسار لدى الناس تغيرت، وتعريف اليسار لنفسه تغير أيضا، وناخبي اليسار تغيروا، ونخبة اليسار تغيرت، وما كان يميز اليسار من قيم ومبادئ وتصورات لم يعد قائما اليوم.

 لكن إذا ما كان هناك وعي حقيقي بعمق الأزمة التي يعيشها اليسار اليوم، وبحقيقة المسار الذي تسلكه بلادنا، التي تراجعت فيها قارة التسييس فاسحة المجال لموجة قوية من التضليل التقنوقراطي وهجوم الرأسمال، فيمكن أن تخلق قوى مضادة.

إلى ماذا يحتاج اليسار بالضبط؟

اليسار في حاجة إلى استعادة الثقة فيه، وهو أمر ممكن إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مناصري اليسار وناخبيه الذين دفعتهم التجربة التي آل إليها “التناوب التوافقي” والمسار الذي تلاه إلى الابتعاد عنه لم يجدوا ضالتهم في القوى التي قدّروا أنها يمكن أن تكون بديلة.

 لكن ليس أي يسار يمكن أن يرفع هذا التحدي. اليسار المطلوب يحتاج إلى التجديد، وإلى قيادات تمتلك الخيال السياسي لإبداع الحلول وتطوير الأفكار، ولها النفس الطويل الذي يبعدها عن استعجال البحث عن “الربح السريع”، والتي تشتغل من أجل توريث الأفكار والإيديولوجيات والقناعات وليس الألقاب والمنافع والمكاسب المادية. 

كما يحتاج إلى كثير من التواضع وتجاوز الأنانيات والتمترس وراء خلافات الماضي، والإيمان بأن صهر التنوع في بوتقة الوحدة هو الذي يشعر الناس بأن اليسار قادر على العودة.