story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

بشحال الحولي؟؟

ص ص

يتحوّل عيد الأضحى تدريجيا إلى حدث اقتصادي خالص، ولم يعد المتصدرون لمناقشته يجدون غير أبعاده المالية مدخلا للدفاع عنه ك”موسم” تجاري تزدهر فيه الأسواق وتنتعش التجارة ويزداد فيه الرواج، أو للدعوة إلي إلغاءه باعتباره أصبح يمثل عبئا كبيرا على ميزانية الأسر المغربية.
شخصيا أعتبر فكرة اتخاذ الدولة لقرار رسمي، تحت مظلة إمارة المؤمنين، لإلغاء هذه الشعيرة الدينية مؤقتا بمبرر الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمناخية، غير ذي موضوع ولا أساس له، لسبب وحيد هو أن شراء الأضحية وذبحها في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة يستند إلى عقيدة دينية، ولا يوجد في قوانين الدولة ما يُلزم أي أحد بممارستها أو يعاقب على تركها.
التوجه إلى الدولة في مثل هذه الأمور يعني الإصرار على تصوير المغاربة كجماعة من القاصرين والعاجزين عن اتخاذ قراراتهم الشخصية بكل استقلالية وعن قناعة، ويحتاجون بالتالي إلى “مرشد” يأخذ بيدهم في أمور الدين والدنيا.
يتعلّق الأمر في الحقيقة بممارسة دينية تكتسب خصوصياتها المغربية، باعتبارنا أكثر أمم الأرض تعلّقا بها وحرصا علي ممارستها، من عوامل ثقافية، والمطلوب من الدولة في مثل هذه الحالات هو تيسير الأمر وتوفير الخدمات الأساسية لجعل أيام العيد تمرّ في ظروف صحية واجتماعية سليمة، فقط لا أكثر، عدا ذلك من شاء فلينحر ومن شاء فليستمتع بيومي عطلته القانونية وكفى الله المؤمنين شر الجدال.
هذا من الناحية المبدئية، أما واقعيا فسلوك الدولة في السنتين الماضيتين شهد طفرة جديدة باتت تتجاوز معها دورها الأصلي المتمثل في تسهيل ممارسة الشعيرة وتوفير الخدمات الأساسية، بما أنها باتت تضع يدها في “بيت المال” وتنفق منه الملايير الطائلة لاستيراد المواشي من الخارج.
أي أن الدولة لم تعد مجرد مقنّن ومنظّم لسلوك المجتمع، بل باتت تمارس التحفيز، وتحوّل بالتالي نحر الخرفان في عيد الأضحى إلى سياسة عمومية لها كلفة ويفترض أن لها أهدافا ونتائج ينبغي قياسها.
تدفع الدولة في كل سنة مع افتتاح بعض فاعلي الخير للنقاش المتعلق بالكلفة ومسؤولية الدولة في إعفاء المواطنين منها عبر إلغاء ذبح الأضاحي، بالحجة الاقتصادية، وتطرح فوق الطائلة رقما بملايير الدراهم التي سيتم تحويلها من المدن إلى البوادي، مقدمة ذلك كأثر اقتصادي إيجابي على العالم القروي، في خطاب يكرّس تمثّلا باليا حول المغاربة، خاصة منهم سكان البوادي، كما لو أن قدرهم الحتمي هو انتظار رحمة السماء وبعض الفرص الموسمية مثل عيد الأضحى أو فترات الحصاد أو مواعيد جني بعض الثمار في الضيعات الأوربية، حتى يحصلوا على دخل يسد رمقهم.
تتحدث الأرقام هذه السنة عن مبلغ يتراوح بين 14 و15 مليار درهم سينتقل من المدن إلى القرى، كأن سكان المدن “شاط” عليهم الخير. بينما تتحدث أرقام المندوبية السامية للتخطيط حول عيد الأضحى الماضي مثلا، عن رقم بقيمة 18 مليار درهم، هو مجموع نفقات الأسر المغربية المرتبطة بعيد الأضحى، أي الأضحية ومتعلّقاتها الأخرى من معدات ولوازم…
لكن الحكومة الموقرة لا تخبرنا لماذا على المغاربة أن يحوّلوا جزءا من هذه النفقات إلى البوادي الإسبانية والفرنسية والبرازيلية؟
يتحدث الجواب الأخير الذي قدمه وزير الفلاحة في مجلس النواب، عن بلوغ حوالي ربع مليون رأس من المواشي التي تم استيرادها منذ فبراير الماضي، و”بشّر” باحتمال بلوغ أكثر من نصف مليون رأس من الخرفان التي سيتم استيرادها إلى غاية منتصف يونيو المقبل.
بعملية حسابية بسيطة، نفترض أن ثمن الخروف المستورد الواحد هو ألفي درهم، سنجد أنفسنا أمام مليار درهم سيتم تحويله بالكامل نحو جيوب الفلاحين ومربّي الأغنام الأجانب، كلّها بالعملة الصعبة، أي أكثر من مائة مليون دولار، مما جمعته الفنادق والمقاهي والبازارات من بقشيش السياحة، وما تعب وكدّ فيه مغاربة الخارج وحوّلوه عملة صعبة إلى بلادهم، لتأتي الحكومة وتفتح الباب أمام خروجه بهذه السهولة، في الوقت الذي تصدّع رؤوسنا بسمفونياتها المشروخة عن المغرب الأخضر الذي لا نرى له من اخضرار سوى في حسابات المحظوظين من العملة الخضراء.
أكثر من ذلك، تصرف الحكومة من أموال الضرائب التي تقتطعها من أجورنا ودخولنا، 500 درهم عن كل خروف مستورد تضخّها مباشرة في حساب المستورد المحظوظ، أي ما قدّرته النائبة البرلمانية عائشة الكوط، بثلاثين مليار سنتيم على أساس الرقم الذي أعلنه وزير الفلاحة والمتمثل في هدف استيراد 600 ألف رأس من المواشي. رقم أضافت إليه النائبة 20 مليار سنتيم هي قيمة الإعفاءات الضريبية التي يتمتع بها هؤلاء المستوردون، لنصبح أمام 50 مليار سنتيم تنفقها الدولة لحساب المستوردين.
بالتالي يصبح السؤال هو لماذا تعمد الحكومة إلى تكبيدنا كل هذه الخسائر المالية لتجعل في النهاية ذلك المواطن الفقير وجها لوجه مع السوق، وفي ورطة اجتماعية يعجز معها على التخلف عن شراء الأضحية، كما لو تقول له: ها أنت أمام عرض وفير (مصروف عليه من المال العام)، ولا حجة لديك كي تتخلى عن شراء الأضحية، فيما يتكفّل المجتمع بالبقية ليفرض عليه خصائص الأضحية وحجمها كي ينجو من “العار” والوصم الاجتماعيين.
هذا نموذج بسيط عن الجهد الاستثنائي الذي تبذله الدولة للحفاظ على نظم اجتماعية معيّنة، في الوقت الذي ينبغي لها توجيه هذه الإمكانيات لمواكبة المجتمع في تطوّره وتزويده بمقومات التنمية الحقيقية من تعليم وصحة وطرق وخدمات أساسية.
في مقابل هذا الإصرار، تفيد المعطيات الإحصائية الرسمية أن المجتمع ماض في تطوّر معاكس تماما لما تعبّر عنه الدولة من اختيارات. ورسميا هناك قرابة 8 في المئة من الأسر المغربية التي لم تعد تمارس ذبح الأضحية في “العيد الكبير”، في ظل سياق سياسي واقتصادي واجتماعي محفّز، بل ضاغط من أجل ممارسة هذه السنّة المؤكدة.
وتفيد هذه المعطيات أيضا أن ذبح أضحية العيد هو دأب الفقراء القرويين بامتياز، أي أن فكرة التحويلات المالية وتوزيع الثروة غر صحيحة. هم جماعة الفقراء الذين يتبادلون الأدوار في هذه المناسبة، بين كساب وجزار وبائع موسمي للفحم والسكاكين، وموظفين وأجراء وحرفيين بسطاء يوفرون ويقترضون وأحيانا يطلبون الصدقات، كي يتمكنوا من الحفاظ على ماء الوجه، بينما يجني بضع محظوظين ملايير الدعم المخصص حاليا للاستيراد.
الذي يحرص على القيام بهذه الشعيرة (لا نتوفر على دراسات تفسّر سبب هذا الحرص)، هم أساسا المغاربة الفقراء ذوو المستوى التعليمي البسيط والمتوسط، وبدليل إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، والتي تفيد أن معدل عدم الاحتفال بعيد الأضحى يرتفع كلما ارتفعنا في سلم التراتب الاجتماعي وكلما ارتفع المستوى التعليمي للأفراد.
وتقول الأرقام إن واحدة من كل ست أسر (16,4 في المائة) من أصل 20 في المائة من الساكنة الأكثر ثراء لا تقوم بذبح أضحية العيد، رغم أن الأضحية لا تكلّفها سوى 13 في المئة من ميزانيتها الشهرية، مقابل 2,5 في المائة فقط في صفوف الأسر من أصل 20 في المائة من الساكنة الأكثر فقرا، رغم أن العيد يكلّفها قرابة نصف ميز انيتها الشهرية.
كما أن أكثر من 17 في المئة من الأسر التي بلغ القائم على شؤونها مستوى الدراسات العليا لا تقوم بذبح الأضحية، مقابل 6,5 في المئة فقط من تلك التي لم يحظ القائم عليها بأي تعليم.
وبالتالي عن أي تحويل أو توزيع للثروة نتحدث؟ وإذا كان من حق المجتمع ممارسة شعائره الدينية وتضامنه الاجتماعي بالطريقة التي تلائم معتقداته، فلماذا تتدخل الدولة بسياسات عمومية غير مفهومة ولا مبررة؟