الهدنة في غزة.. جامعيون يستشرفون وجهة المنطقة وعلاقة إسرائيل بمحيطها العربي
بعد أكثر من 15 شهرا من حرب مدمرة شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بعد عملية طوفان الأقصى التي أطقتها حركة المقاومة الإسلامية -حماس- في 07 أكتوبر 2023، توصل الطرفان يوم 15 يناير 2025، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في القطا،ع دخل حيز التنفيذ رسميا الأحد 19 يناير 2025، واضعا حدا لهذه الحرب التي صنعت وجها آخر للخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، وفرملت حركة قطار التطبيع الذي شق طريقه في السنوات الأخيرة إلى عدد من دول المنطقة العربية ومن بينها المغرب.
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إسماعيل حمودي، إنه بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، “تظل أبرز نتائج أحداث 7 أكتوبر هو تجميد مسار التطبيع بين المغرب وإسرائيل، مؤكدا أن “أي مراقب للعلاقات الثنائية بين البلدين قبل 7 أكتوبر وبعده، سيلاحظ أن العلاقات دخلت مرحلة من الجمود بعد ذلك التاريخ”.
وأوضح إسماعيل حمودي خلال حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن الأحداث التي عرفتها غزة، عمقت من المأزق المغربي، مبرزا أنه “من الصعب اليوم على المغرب التعامل مع حكومة متطرفة قتلت ودمرت نحو 150 ألف شخص في غزة وحدها، وبات رئيسها متهما بارتكاب الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني”.
ورجح المتحدث ذاته، استمرار الجمود الذي يكتسي هذه العلاقات الثنائية، وعدم عودتها كما كانت من قبل، مستبعدا فرضية أن تصل “حد القطيعة”.
وتابع الأستاذ الجامعي أن “التطبيع صار مكلفا للأنظمة، وخصوصا المغرب، الذي يزعم أنه يستطيع بناء علاقات متوازنة بين شعب مستعمَر وكيان عنصري استعماري، وأتصور أن شرعية النظام باتت تتآكل يوميا بفعل الرفض الشعبي ووحشية النظام الصهيوني”.
وخلص حمودي إلى أن علاقات المغرب مع الكيان الصهيوني، التي وصفها بغير الشرعية، “ستظل مصدر قلق وعامل ضعف وتوتر في علاقة النظام بشعبه وأمته العربية والإسلامية”، مشددًا على أن “صورة المغرب تضررت كثيرًا من هذه الناحية”.
ومن جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة خالد الشيات، إن الهدنة التي تم التوصل إليها تشكل جزءًا من تحولات كبيرة، مشيرًا إلى أن “تحرك حماس في 7 أكتوبر 2023 كان خطوة أحادية، ولم تكن تراهن على تحولات إقليمية كبرى قد تنعكس على مسار القضية الفلسطينية”.
وأضاف الشيات في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن هناك تحولات عميقة في المنطقة، حيث أن حزب الله، الذي كان يدعم حركة حماس من الجنوب اللبناني، أصبح في وضع استراتيجي ضعيف، كما أن سقوط نظام بشار الأسد قطع الرابط بين طهران وبيروت، وتزايد النفوذ التركي، مشيرا إلى أن “وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة قد ساهم في دفع هذه التحولات والوصول إلى الهدنة”.
وأكد المتحدث ذاته، أن هذه الهدنة كانت لها تكلفة إنسانية ضخمة، مع سقوط عشرات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين، وأن هذا الأمر سينعكس على العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، مضيفا أن الهدنة ستمنح الولايات المتحدة القدرة على الحفاظ على إسرائيل كحليف رئيسي في الشرق الأوسط، “وتعمل على خلق بيئة أكثر استقرارًا تقوم على حكومات ودول، بدلاً من مجموعات سياسية مثل حماس وحزب الله والحوثيين”.
وتوقع الشيات أن يتجه المسار نحو “المزيد من تطبيع العلاقات مع إسرائيل”، مع إمكانية حدوث تحولات داخلية في دولة الاحتلال قد تشمل تهميش الأحزاب الأكثر تطرفًا، معتبرا أن الفترة المقبلة ستشهد إعادة ترتيب في إسرائيل لتشكيل حكومة قد تكون أكثر استقرارًا، سواء كانت يمينية تقليدية أو أكثر ميلا لليسار، “وهذا يعني أن المنطقة تمضي نحو المزيد من الاستقرار بشروط جديدة”.
ورغم هذه التحولات، يرى الشيات أن “حركة حماس لن تحاول الدخول في حرب من أجل رفع الحصار على القطاع”، وجذب الانتباه لهذه البقعة الجغرافية، مبرزا أنه “يمكن أن يكون هناك تفاهمات سياسية بين حماس والسلطة الفلسطينية”، لتثبيت منظومة سياسية، ودولة قابلة للحياة في إطار السلام وحل الدولتين، وأنه غير ذلك، “سيعيد المنطقة إلى سابق عهدها من التنازع وعدم الاستقرار”.