story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
بيئة |

النفايات المستوردة تُعيد الجدل حول الشفافية البيئية والرقابة القانونية

ص ص

أثار منح الحكومة لـ 136 رخصة لاستيراد النفايات من الخارج خلال خمس سنوات نقاشًا واسعًا، يتقاطع فيه البعد البيئي مع الإشكال القانوني، إذ يعتبر البعض أن هذا الرقم المرتفع يطرح تساؤلات حول انعكاسات هذه العمليات على البيئة والصحة العامة، ومن جهة أخرى، يُعيد هذا الملف إلى الواجهة سؤال الإطار القانوني المؤطر لهذه الأنشطة، ومدى احترامها للتشريعات الوطنية والمعاهدات الدولية المتعلقة بتدبير النفايات، خاصة في ما يتعلق بالشروط المفروضة على عمليات الاستيراد والمراقبة.

وتعليقا على الموضوع، أوضح الخبير البيئي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، مصطفى بنرامل، أن منح 136 رخصة لاستيراد النفايات خلال خمس سنوات “رقم مثير للتساؤلات”، يُسلط الضوء على إشكالية حساسة تتعلق بتدبير النفايات من زاويتين بيئية وسيادية، خاصة في ظل غياب معطيات مفصلة حول نوعية هذه النفايات، مصدرها، والغرض من استعمالها.

وأشار بنرامل في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إلى أن استيراد النفايات إلى المغرب قد يحمل بعض الفوائد الصناعية في سياق الاقتصاد الدائري، لكنه في المقابل يشكل خطرًا حقيقيًا على البيئة والصحة العامة، “إذا لم يتم في إطار رقابة صارمة وشفافية مطلقة في الإجراءات والمساطر المعتمدة”.

ورغم إقراره بأن بعض الصناعات تعتمد على نفايات مستوردة كمادة أولية بديلة مثل البلاستيك، النفايات المعدنية، أو الوقود المستخرج من النفايات (RDF) شدد الخبير البيئي على أن أي استخدام لهذا النوع من المواد يجب أن يتم ضمن إطار قانوني صارم وخاضع لتقييم بيئي دقيق، وبمشاركة فعلية للمجتمع المدني والهيئات العلمية المستقلة.

وحذر المتحدث من مخاطر حقيقية قد تترتب عن استيراد نفايات صناعية أو خطرة، مثل إمكانية تلوث التربة والمياه الجوفية بمواد سامة، أو تسرب مركبات كيميائية ضارة تؤثر على المحيط البيئي، مشيرًا إلى أن بعض هذه النفايات قد تحتوي على معادن ثقيلة أو مركّبات لا تتحلل بسهولة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا على الفلاحة وجودة المياه.

وفي الجانب الصحي، نبّه بنرامل إلى أن عمليات الحرق غير المراقب للنفايات، خصوصًا داخل مصانع الإسمنت أو الوحدات الصناعية غير المجهزة، قد تُنتج غازات سامة مثل الديوكسينات والفوران، وهي مركبات مصنفة كمسرطنة وخطيرة على الجهاز التنفسي، إضافة إلى تسببها في أمراض جلدية وتنفسية حادة، ليس فقط للعاملين في القطاع، بل كذلك للسكان المجاورين لهذه المنشآت.

وفيما يتعلق بالبعد البيئي العام، حذّر من تأثير هذه الممارسات على التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية الهشة، خصوصًا إذا تسربت النفايات إلى المسطحات المائية أو الغابات، مما قد يؤدي إلى نفوق كائنات حية واختلال التوازن الطبيعي في المحيط الحيوي.

وأكد بنرامل ضرورة أن تقوم الجهات المعنية بتعزيز المراقبة البيئية والجمركية على عمليات الاستيراد والمعالجة، وحظر استيراد النفايات المصنفة خطرة أو غير قابلة للتدوير، ونشر تقارير دورية وشفافة توضح الكميات المستوردة وطبيعتها ومعايير معالجتها.

وفي سياق متصل، أكد أمين الفتحي، مستشار قانوني، أن ملف استيراد النفايات في المغرب يكشف عن مفارقة لافتة بين منظومة قانونية متقدمة وممارسات واقعية تفتقر في بعض جوانبها إلى الشفافية والمساءلة المؤسساتية، داعيًا إلى تعزيز الرقابة العمومية وإشراك المواطنين في حماية السيادة البيئية للبلاد.

وأوضح الفتحي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن المغرب اختار منذ مطلع الألفية نهج سياسة تشريعية بيئية استباقية، استُهلت بالقانون 28.00 المتعلق بتدبير النفايات، وتواصلت عبر مراسيم تنظيمية لاحقة حددت أنواع النفايات القابلة للاستيراد، وآليات الترخيص والتتبع، آخرها التحيين التنظيمي الصادر في مارس 2024.

غير أن هذه الصرامة التشريعية، يضيف المتحدث، “لم تُترجم بعد إلى نظام شفاف يمكّن من تتبع التراخيص ورصد مدى احترام الشركات لدفاتر التحملات”، معتبرًا أن الواقع لا يُقاس فقط بالنصوص القانونية، بل كذلك بمؤشرات الشفافية، والمراقبة العمومية، وإشراك الرأي العام.

وأشار الفتحي إلى أن المنظومة القانونية المغربية تنسجم مع المعايير الدولية، بما فيها اتفاقية بازل، كما أن التحيينات الأخيرة تؤكد وجود إرادة رسمية في ضبط القطاع، لكنه تساءل عن مدى احترام الشركات الموردة لالتزاماتها بعد الحصول على التراخيص، خاصة في غياب معطيات مفتوحة حول طرق المعالجة ومآل النفايات.

وتوقف المستشار القانوني عند ما وصفه بغياب “الذكاء المؤسساتي التشاركي”، مشيرًا إلى أن قانون الحق في الحصول على المعلومة لم يُفعّل بعد بالشكل الذي يسمح للمواطنين والفاعلين المدنيين بالاطلاع على بيانات دقيقة تخص نوعية النفايات، كميتها، مصادرها، والجهات المانحة للتراخيص.

واستحضر الفتحي في هذا السياق ما عُرف بقضية “نفايات إيطاليا” سنة 2016، التي قال إنها كشفت عن هشاشة الثقة في المؤسسات حين تُقصى الشفافية، رغم استيفاء الإجراءات الشكلية، مشددا على ضرورة إحداث بوابة رقمية رسمية تنشر بشكل دوري البيانات المتعلقة بالنفايات المستوردة، على غرار ما تقوم به قطاعات حكومية أخرى في مجالات مختلفة.

وانتقد المتحدث ما اعتبره اختزالًا للرقابة في بعدها الإداري المنغلق، معتبرًا أن أفضل آلية للمراقبة في هذا المجال يجب أن تكون مجتمعية، ومدعومة بالمعطيات المفتوحة.

وفي المقابل، أكد المصدر ذاته أن المغرب لا يتعامل كمكبّ مفتوح للنفايات، مشيرًا إلى أن عدد التراخيص الممنوحة خلال خمس سنوات لم يتجاوز 136 رخصة، مع وجود عقوبات صارمة في حال الإخلال بالشروط القانونية، لكنه اعتبر أن هذه العقوبات تبقى رمزية في غياب آليات صارمة للرصد والتتبع بعد الاستيراد.

وختم الفتحي تصريحه بالتأكيد على أن حماية البيئة ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل مشروع وطني يجب أن يؤطره منطق الحكامة والمساءلة وثقافة الحق في المعرفة.