story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

النخبة خائفة

ص ص

خصصنا العدد الجديد من مجلة “لسان المغرب” (ينشر السبت 30 دجنبر 2023) لاستطلاع آراء عينة متنوعة من النخبة المغربية، من بينهم ساسة واقتصاديون وحقوقيون وجامعيون… حول ما يؤطر تطلعهم نحو السنة الميلادية الجديدة، أي سنة 2024، وطرحنا عليهم سؤالا موحدا يتكون من شطرين: نسألهم في الأول عن أكثر ما يأملون تحقيقه قي السنة المقبلة، وسألناهم في الشطر الثاني عن أكثر ما يخشون حدوثه فيها.
ونحن نطالع أجوبة القسم الأكبر ممن توجهنا إليهم بالسؤل، حتى كتابة هذه السطور، يمكننا أن نعلن دون تردد أن النخبة المغربية شبه محبطة ولا تقوى على صياغة آمالها إلا بصعوبة كبيرة، بينما يتدفق نهر مخاوفها بغزارة وانسيابية مخيفين. النخبة المغربية خائفة وغير مطمئنة، وأسباب خوفها هذا مختلفة ومتنوعة، منها ما يعود إلى أسباب الأرض ومنها ما يعود إلى تدبير السماء، لكن رجاءها معلق بوضوح بتصاريف السياسة والقرار.
أول سبب لخوف هذه العينة من النخبة المغربية وقلة تفاؤلها، هو العدوان الإسرائيلي على غزة. دعوني أعترف أنني شخصيا فوجئت بالحضور القوي لهذا الموضوع في تصريحات من وجهنا إليهم السؤال. حتى وأنا أعي جيدا مقدار تعلق المغاربة بالقضية الفلسطينية، وأحضر المسيرات المليونية التي نظمت في العاصمة الرباط وأشتبك مع الموضوع بشكل شبه يومي… رغم كل هذا لم أكن أتوقع أن تحتل غزة صدارة اهتمامات جزء من النخبة المغربية، علما أن العينة متنوعة فكريا وايديولوجيا حد التناقض.
جزء من التفسير الممكن لهذا الحضور القوي لمأساة غزة في اهتمام النخبة المغربية هو البعد الإنساني أولا، لأنني لا أعتقد أن هناك انسان سوي فوق الأرض لا يؤلمه التقتيل الوحشي الذي تمارسه إسرائيل ومن معها من قوى غربية في حق مدنيين عزّل تنهار بيوتهم فوق رؤوسهم وتحولهم نيران القنابل إلى رماد.
لكن الجزء الأهم من التفسير يكمن في معطى وطني-محلي، هو هذا التطبيع السياسي مع دولة الاحتلال الذي يجثم فوق صدور المغاربة. على من يعير أدنى اهتمام لمواقف ومشاعر المغاربة، من أصحاب القرار، أن يقرأ هذه التصريحات ويتأمل كيف يشعر جزء أعتبره كبيرا من المغاربة، بالخزي والعار وتأنيب الضمير من استمرار هذه العلاقات الرسمية بشكلها السابق للعدوان، بعد كل ما شهدناه وتابعناه من جرائم ووحشية.
السبب الثاني لقلق وخوف النخبة المغربية حسب هذه العينة التي قمنا باستجوابها، وهو أيضا سبب معلوم لكنني شخصيا لم أكن أتوقع حضوره بهذا الحجم شبه المهيمن والذي يكاد يساوي حضور قضية غزة، هو الخوف من شح المياه وتحول المستقبل القريب للمغرب والمغاربة إلى كابوس.
مختلف المصرحين من مختلف المواقع والانتماءات والاهتمامات، يشعرون بخطر نفاذ المياه في المغرب، وما يمكن أن يؤدي إليه من كوارث اقتصادية واجتماعية وصحية… بعض الشخصيات (مثل الروائي عبد الكريم جويطي) لخصت لنا كل أمنياتها في السنة المقبلة في “الماء.. لا أتمنى من هذه السنة إلا الماء”.
التخوفان السابقان لا يبتعدان عن دائرة القرار والتدبير، لأن التصريحات تربط مأساة غزة بوخز الضمير الذي يسببه تطبيع المغرب، وكابوس العطش يجر وراءه تدبيرا كارثيا للثروة المائية. أما باقي المخاوف فترتبط مباشرة بالوضع السياسي والمؤسساتي وطريقة تدبير الشأن العام، بدءا من استمرار اعتقال الكثير من النشطاء والصحافيين، والجشع الذي يبديه الممسكون بزمام السلطة في الجمع بينها وبين الثروة.
الأخطر من كل ما سلف، أن نقط الضوء وما يمكن اعتباره إنجازات تحققت حديثا، مثل الشروع في تعميم التغطية الاجتماعية والزيادة في أجور موظفي التعليم… بدوره بات سببا للخوف والقلق، لأن الوضع الاقتصادي لا يطمئن بشأن قدرة الدولة على الوفاء بهذه الالتزامات.
وكل سنة وأنتم في أمن من كل خوف.