story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

الملكية نعمة!

ص ص

جاحد من سيزعم أنه لا يشعر بدفء شمس جديدة تشرق على المغرب صباح هذا الثلاثاء 30 يوليوز 2024، المصادف للذكرى الفضية لاعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب.
وكنود من سينكر بذبذبات الفرح في موجات الهواء هذا اليوم.
ذبذبات فرح أب بمعانقة صغاره بعيدا عن أعين الحراس.. وآخر يفتح عينيه اليوم وهو في فراش بيته الدافئ بدل الزنزانة الباردة.. وشاب يعانق والديه بعد فراق قسري.
المغرب سعيد هذا الصباح سعادة جماعية لا سعادة أفراد أو فئات. في مشهد كان أقرب إلى الخيال قبل أيام قليلة، نام المغاربة على صوره ولقطاته التي أكدت من جديد أننا نستحق أن نفرح.
من السهل جدا أن نصعد “قمة الجبل” ونردد أن ما وقع من اعتقالات ومحاكمات ما كان ليحدث أصلا. وأن العفو الملكي الصادر مساء أمس على أكثر من عشرين شخصا ممن سجنوا بسبب مواقفهم وآرائهم وتعبيراتهم، مجرد تصحيح لخطأ ما كان له أن يُرتكب.
لكن واقع الحال أن الحياة أعقد من أن نحياها بدون أخطاء واعتداءات وظلم. وها نحن نتفرّج إلى جانب أمم الأرض وشعوبها منذ شهور طويلة على واحدة من أكبر المظالم التي عرفتها الإنسانية في تاريخها على الإطلاق، دون أن يسعفنا وعينا الشقي بوجود معتدين ومظلومين في القصة، في إنهاء مأساة غزة.
علينا أن نقف لبرهة، في يوم عيد وطني يجوز فيه تأجيل النقد والعتاب، لنسجّل هذا الدور الذي تقوم به الملكية في مغرب 2024.
هناك الكثير مما ينبغي لنا تداركه وتصحيح وتطويره، لا خلاف في ذلك، لكن هناك هذا الأثر الإيجابي الذي يتحقق هنا والآن.
أثر نراه ونكاد نلمسه بأيدينا.
توفيق بوعشرين وسليمان الرسيوني وعمر الراضي ويوسف الحيرش ورضا الطاوجني وغيرهم ممن سجنوا بسبب تدوينة أو رأي أو موقف، هم ضحايا الأعراض الجانبية لهذا التعاقد الذي يجمعنا فوق هذه الأرض.
لكن لحسن الحظ أننا في عز سياق يبسط فيه اليأس سيادته على العالم، وينقطع معه الأمل في مواصلة البشرية تطورها نحو تحرير الانسان، نجد فينا ما يقوّم الاعوجاج، ويوقف النزيف ويعيد المغيّبين إلى نور الشمس.
لقد عشنا في هذه المؤسسة الصحافية منذ أسابيع، تجربة استثنائية جرّبنا فيها أن نفتح بحذر صفحات جديدة للنقاش والتفكير والبوح وتبادل الرأي. وخصصنا عددا خاصا من مجلة “لسان المغرب” لنسمع من عشر شخصيات علمية وسياسية رأيها في مغرب ما بعد 25 سنة من حكم الملك محمد السادس. وعندما وجدنا أنفسنا في لحظة اختيار عنوان مناسب للغلاف، لم نجد سوى تلك الفكرة التي عبرت أجوبة جل ضيوفنا وأصدقائنا: الأمل في الملك.
قالها لنا الراحل عبد العزيز النويضي يوم 2 ماي 2024، ثم أسلم الروح لبارئها تاركا غصة فراقه في حلوق أهله وأصدقائه. قال الراحل وهو في ساعته الأخيرة قبل الرحيل، إن الأمل المتبقي للمغرب والمغاربة في كبح هذا الفساد الزاحف على الأخضر واليابس، هو تحرّك ملكي لتدارك الخلل وتصحيح المسار.
قالها الراحل ثم أتبعها صرخة ضد رفع عقوبة موكّله محمد رضا الطاوجني، ثم أصدر شهقته الأخيرة.
أكاد أتصوّر قهقهته لو كان بيننا ليلة أمس ليشهد تحقيق أمنيته ويهنئ موكّله الذي استعاد حريته بفضل العفو الملكي لذكرى عيد العرش.
قالها النويضي كما قالها الرميد والساسي والبكاري وماء العينين… وختمنا جلستنا الحوارية ليلة السبت الماضي حول حصيلة 25 سنة من الحكم، برسالة أمل ها هي اليوم تصبح حقيقة قائمة وفرصة سانحة جديدة لمغرب يتقدّم ولا يتراجع.
هذا العفو الملكي رسالة أبلغ من أية محاضرات أو مناظرات أو مقالات، على أن الحرية والاختلاف والتنوّع ممكنات لا حق لأحد في مصادرة حق المغاربة فيها. وهؤلاء النشطاء والصحافيون والمدونون الذين عادوا إلينا اليوم، باتوا دلائل حيّة على حاجة المغرب إلى حلم جديد.
هذا الحلم يبدأ وينتهي بالتفكير في الإصلاح مع الملك، بعدما صدر دليل جديد على قدرة هذه المؤسسة الجامعة والموحدة، على صنع لحظات العنفوان والفخر الوطنيين. وعفو الذكرى الفضية لجلوس محمد السادس على العرش تجديد للأمل في استئناف المسير بعد توقّف طويل. وتبديد لليأس الذي كاد ينتصر علينا.
إن يوما واحدا يقضيه مواطن مغربي خلف قضبان الظلم، وكل سَجن بسبب رأي أو تعبير، هو ظلم مهما اجتهدنا في التبرير والتأويل، ويبقى فضيحة تستحق الانتفاض والاستنكار والتنديد.
لكن ما جرى ليلة أمس مع هذا العفو الملكي، تأكيد على أن منحى التطوّر ما زال إيجابيا رغم لحظات الانحدار. وأن تاريخ ملف الانتهاكات والتجاوزات التي خلّفها عهد الحسن الثاني لعهد محمد السادس لن يتكرّر بالضرورة. ويد التصحيح الملكية امتدّت لتضع حدا للنزيف، وتسحب ملفات كثيرة من أيدي القوى الأجنبية المتربصة بالمغرب، لسبب بسيط هو أن هذه الملفات تتضمن أخطاء وتجاوزات.. وأن زبد التشهير والتضليل فيذهب جفاء، أما ما ينفع الناس من تعبير ونقد وتحليل فيمكث في الأرض.
حمدا لله على سلامة زملائنا وأصدقائنا ومواطنينا. اشتقنا كثيرا لمقالاتكم وتعبيراتكم وتحقيقاتكم. تركتمونا في وحدة موحشة وشبه غربة في متاهة الحلم بمغرب يسع الجميع. نعرف الكثير الكثير ممن مكروا بكم، وكذبوا عليكم، وتآمروا عليكم، ودلّسوا على محاكماتكم ومرافعاتكم… لكننا نعرف شخصا واحدا، لا نخرجه من دائرة مسؤوليات دولة يقودها، لكن يده امتدّت مؤخرا إلى ملفاتكم، وأمر بتحريركم، وأسعدكم، وأسعدنا معكم، هو الملك.
وعلى منوال الرجل الذي أحيا فينا شعلة الرجاء في الإفراج عنكم، وزير الدولة والعدل وحقوق الانسان السابق، المصطفى الرميد، الذي قال إن الدولة العميقة نعمة حين تكون حامية من خطر الحوادث القاتلة.. أقول إن الملكية نعمة…
عيد عرش مجيد.