story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

المغرب و’نظرية الدومينو’

ص ص

ما الذي سيحدث لو حصلت الحرب بين المغرب والجزائر خلال الأسابيع أو الشهور القليلة المقبلة؟ كيف سيتصرف الجيش الفرنسي لو وقعت مالي أو أحد البلدان المجاورة في أيدي الجهاديين؟ وكيف سيتصرف لو حاصرت الصين تايوان؟ وماذا سيكون رد فعلها لو هاجم الكيان الصهيوني إيران بدافع اقتراب هذه الأخيرة من إنتاج قنبلة نووية؟ وماذا لو اقتطع هذا الكيان مزيدا من الأراضي العربية في سورية ولبنان والسعودية والأردن ومصر؟ وماذا لو غزت روسيا دول البلطيق؟ ليست هذه الأسئلة مجرد افتراضات أو تخيلات، بل هي أسئلة حقيقية تطرحها الباحثة الفرنسية ‘ألكسندرا سافيانا’ في كتابها الجديد ‘سيناريوهات الجيش الفرنسي السوداء: في فهم المخاطر التي تنتظرنا’، الذي صدر في الآونة الأخيرة عن واحدة من أهم دور النشر الفرنسية، وهي دار ‘بيير لافون’.

تستند ‘سافيانا’ في دراستها هذه على مقابلات وحوارات مع كبار الضباط في الجيش الفرنسي، فضلا عن خبراء وباحثين في الحروب والصراعات المسلحة. لكن ما يلفت الأنظار في أسئلتها هذه، وغيرها تهم مناطق أخرى من العالم، تتصل بفرنسا بصلة معينة، هو احتمال نشوب الحرب بين المغرب والجزائر. تفترض الكاتبة أن هذه الحرب شتنشب بين البلدين الجارين في غشت 2025، وبالضبط في اليوم السابع عشر منه، بعد أن تقتحم القوات الجزائرية الحدود الفاصلة بين البلدين، وتتوغل في واحة فكيك. وهي تتوقع أن تحصل هذه الحرب في إطار ما تسميه بـ’نظرية الدومينو’؛ أي أن أحداثا أخرى ستحصل في كامل منطقتي الساحل وشمال أفريقيا، ستنطلق أولا من السينغال، التي ستشهد أحداثا خطيرة خلال يناير المقبل، لتتوالى بعدها في كل دول الساحل، قبل أن يشتعل فتيل الحرب بين البلدين الشماليين.

هل يتعلق الأمر فعلا بمخطط مدروس ومعد مسبقا؟ وما هي المصادر التي اعتمدتها الكاتبة في صياغة مثل هذه السيناريوهات؟ لا نملك أي جواب عن هذين السؤالين، لأن الكاتبة لا تكشف عن مصادرها، ولا تعترف أن الأمر يعد مؤامرة أو خطة سرية لتغيير أنظمة المنطقة وخرائطها. لكن يمكن أن نفترض أن هذا الكتاب لم يصدر من فراغ، أو من أجل تحقيق مبيعات فحسب، لما تثيره عناوين فصوله من فزع، أو حتى تكهنات لما سيحصل حالَ انطلاق هذه ‘السيناريوهات السوداء’. ولا يمكن أيضا أن نلغي هذه الفرضيات، ونعدّها مجرد مهاترة بحثية تروم صاحبتها من خلالها نيل الشهرة أو لفت الأنظار إليها، بوصفها باحثة تمتلك اطلاعا واسعا جعلها تصوغ هذه النبوءة الخطيرة، التي ينبغي على الجيش الفرنسي أن يستعد لها بكل ما أوتي من قوة وسلاح.

الواقع أن نشوب حرب بين المغرب والجزائر يمثل أمنية غربية تأمل في حصولها قوى كثيرة، منها فرنسا وبريطانيا وأمريكا وروسيا والكيان الصهيوني، وربما قوى أخرى. ستعود أي حرب بين البلدين بفائدة جمة على كل هذه القوى، سواء من خلال الأرباح الهائلة التي ستجنيها من مبيعات الأسلحة للطرفين، أ, من خلال المواقف والإجراءات التي ستتخذها تجاههما. وستحتم نتائج هذه الحرب على اقتصاديهما أن يصيرا تابعين لهذه القوى، بل مرهونين بإملاءاتهما، وستعود بتاريخ البلدين إلى نقطة البداية. ولا شك أن هذه القوى، لا سيما الكيان الصهيوني، تعمل بكل جدية على وقوع سيناريو مثل هذا منذ مدة طويلة.

ولمن ينكر وجود مؤامرة من هذا النوع، عليه أن يتذكر الحروب الأهلية والأزمات الداخلية التي حصلت منذ مدة، وما تزال تحصل، في كثير من البلدان العربية، وحتى الأفريقية. ذلك أن استقرار منطقة شمال أفريقيا قد يثير حفيظة هذه القوى، وربما تخوفها من تحالف محتمل مستقبلا بين أنظمتها السياسية والعسكرية. كما أن التطورات الإقليمية، خاصة ما حصل في بعض بلدان الساحل، تدل على أن الأجيال الناشئة لم تعد تؤمن بجدوى العلاقة مع القوى الكولونيالية، وهي تدشن ثورات جذرية على مناصريها، وتغير الأنظمة الموروثة عنها، وتعمل على بناء علاقات جديدة ضمن منظور ‘الجنوب العالمي’.

من هنا، ينبغي ألا نمر على كتاب ‘سافيانا’ مرور الكرام، بل يجب أن نقرأه قراءة واعية في سياقات المخططات المعلنة والخفية، الرامية إلى تغيير خرائط المنطقة العربية برمتها، وفي مقدمتها مخطط الشرق الأوسط الجديد. في نظري، لا يمثل هذا الكتاب مجرد رغبة شخصية في نيل الشهرة أو لفت الأنظار بالخوض في سيناريوهات خطيرة للغاية. ألم ننظر، من قبل، إلى كتاب ‘صراع الحضارات’ على النحو ذاته، ولم نتأكد من مرامي صاحبه ومن يقف وراءه إلا بعد أن عاشت المنطقة العربية الويلات جراء الحرب الأمريكية الهوجاء على شعوبها؟