المجلس الأعلى للرياضة !
مقترح قانون إحداث المجلس الأعلى للرياضة الذي تقدمت به المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، رافقه صمت مطبق، وتجاهل تام من طرف جل المتدخلين في الشأن الرياضي المغربي، ولم نسمع أي “حس” لمنتقدي الوضع في الجامعات الرياضية، وكأننا “ما خاصنا حتى خير” في أنديتنا ومنتخباتنا، أو كأن الأمر يعني قطاعا لا علاقة لهم به.
في بلدٍ يعيش على وقع انتصارات متفرقة وإخفاقات متكررة في ميادين رياضية متعددة، كان من المنتظر أن يُستقبل هذا المقترح بنقاش وطني واسع يشارك فيه الرياضيون، الجامعات، الإعلام، والخبراء في التدبير الرياضي. غير أن الصمت الذي أحاط به يطرح أكثر من سؤال. هل هو غياب ثقة في جدوى المجالس العليا كمؤسسات استشارية؟ أم أن هناك تخوفا من إعادة توزيع النفوذ داخل المنظومة الرياضية؟ أم أن الفاعلين الرياضيين غير معنيين بالإصلاحات المؤسساتية ويريدون إبقاء الهيئات الرياضية على حالها وما تمنحه فوضاها من امتيازات و”هميزات” ومصالح شخصية؟
التجارب الدولية تُبرز بوضوح أهمية إحداث مجالس عليا للرياضة. فإسبانيا مثلا استفادت من “المجلس الأعلى للرياضة” في إرساء حكامة متقدمة، حيث يتكفل هذا المجلس بصياغة السياسات الرياضية وتوزيع الدعم العمومي وفق معايير واضحة. وساهم إحداثه في وضع مخططات طويلة الأمد أثمرت كل هذه النتائج المبهرة التي تحصدها الرياضة الإسبانية اليوم.. وفي فرنسا، لعبت الوكالة الوطنية للرياضة دوراً محورياً في التنسيق بين الدولة والفاعلين المحليين، ما ساهم في الرفع من جودة التكوين والبنية التحتية، وأنتجت هذا الكم الهائل من الأبطال الرياضيين من المستوى العالي في مختلف الرياضات.. بالإضافة إلى أن دول مثل إنجلترا وأستراليا بدورها أنشأت هيئات دستورية عامة تُعنى بالسياسة الرياضية، والتي تعتبر مرجعية في الحكامة الرياضية وتقييم الأداء، وتلعب دورا أساسياً في التحضير للمنافسات الدولية الكبرى كالألعاب الأولمبية وبطولات العالم في مختلف الرياضات.
المغرب، إذ يسعى إلى تنظيم تظاهرات كبرى ككأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، يحتاج إلى رؤية استراتيجية واضحة في الرياضة ككل، ومؤسسة قوية تؤطر وتنسق، عوض الإقتصار على سياسة كروية هدفها المحوري الوحيد هو تلميع صورة البلاد، واستعمالها في الدبلوماسية الناعمة، والاعتماد فقط على مبادرات موسمية أو شخصيات نافذة في البحث عن النتائج الرياضية الآنية.
إحداث مجلس أعلى للرياضة ليست ترفاً مؤسساتياً، بل ضرورة تفرضها لحظة تاريخية حاسمة في تطور الرياضة الوطنية، وغياب النقاش حوله بهذا الشكل، أو اختزاله في الزوايا التقنية، يفوّت على المغرب فرصة بناء سياسة رياضية حقيقية تنتظرها الآلاف من مواهب الوطن المنتشرين في المدن والقرى والأحياء الهامشية، التي تعقد آمالها على الرياضة كسُلم للترقي الإجتماعي، ومجالا لتحقيق الطموحات الشخصية التي تفيد العباد وترفع راية البلاد.