story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

العفو الجميل

ص ص

انتهت سلسلة المناسبات الوطنية الصيفية التي يصدر بمناسبتها عفو ملكي، وتحققت فرحتان استثنائيتان بعد العفو عن مجموعة من الصحافيين والمدونين، ودفعة كبيرة من المزارعين البسطاء لنبتة القنب الهندي.
فيما بقيت فرحة أمهات وأهالي معتقلي حراك الريف واحتجاجات الماء في فكيك، ومعهم النقيب والوزير السابق محمد زيان معلقة.
علينا ان نتواضع، مهما تواترت أخبارنا وتعددت مصادرنا، ونعترف بكوننا لا نعرف بالضبط سبب استثناء هذه الفئة من السجناء المعتقلين لأسباب سياسية، من العفو الملكي الصادر خلال هذا الصيف، تماما مثلما لا نعرف أسباب الإقدام على العفو عن الفئات الأخرى في هذا التوقيت بالضبط، وليس قبله كما كنا نتمنى.
نحن امام فعل إرادي محض، يتم من خلاله اختيار التوقيت والطريقة ولائحة المشمولين بالعفو، بعيدا عن أي سياق ضاغط، إلا ما يمكن اعتباره استباقا لتطورات او تحولات مستقبلية، أو ضغوط داخلية او خارجية محتملة.
وحتى إذا كان الأمر كذلك، أي ارتباط هذا العفو باستباق ضغوط ما محتملة الوقوع، فإنه يظل في جميع الحالات، عفوا جميلا، تمنينا جميعا أن يكتمل بطي صفحة انطلقت بالطحن، عن طريق الخطأ، في شاحنة نفايات وما كان لها ان تنتهي بالسجن والمحاكمات.
لقد فرحنا جميعا ليلة عيد العرش الأخير، وعبّرنا عن فرحتنا هذه بعد خطوة العفو الشامل عن معتقلي الصحافة وبعض معتقلي الرأي. كما ابتهجنا لخطوة العفو الموالي التي جرت عشية ذكرى ثورة الملك والشعب، وأدخلت الفرح إلى آلاف البيوت التي استفاد أهلها من عفو خاص عن مزارعي نبتة القنب الهندي. وحتى نكون صادقين علينا أن نقول إن عدم اكتمال هذا المسار بالعفو ع معتقلي حراك الريف قد أحزننا.
من لا ينتقد في ساعة النقد لا مصداقية لإشادته في لحظة الإنجاز. وبالمثل، من لا يشكر ويحيّي في لحظة النجاح والعطاء، لا مصداقية لنقده في أوقات الخطأ.
و”عيب وعار” على من صمتوا صمت القبور ولم نسمع لهم رأيا في لحظة الفرحة العارمة بالعفو الملكي على الصحافيين والمدوّنين، أن نراهم اليوم “ينقزّون” بخطاباتهم السوداوية والتي تكاد تسقط في خطيئة التشفي في من حلموا بالعفو أو أملوا فيه.
هم في ذلك كمن يطبّلون ويزمّر للإنجازات لكنهم يبتلعون ألسنهم في لحظات الخيبة والانكسار.
شخصيا لا أستطيع نسيان تلك الوصية التي خلّفها الحقوقي الراحل عبد العزيز النويضي أمانة بين يدي هذه المؤسسة، حين كان من بين آخر ما قاله في الساعة الأخيرة من حياته، ونحن نحاوره، انتقاده لطينة من الذين يصفّقون للملك إذا أتى فعلا ثم يصفّقون له إن هو قام بنقيضه.
الآن وقد انتهت سلسلة المناسبات الوطنية التي تشهد صدور العفو الملكي، ومع بقائنا على أمل صادق في تحقق الخطوة ولو خارج أي سياق أو مناسبة، لابد لنا من محاولة ولو خجولة لقراءة المشهد.
عنوان ما نعيشه حاليا لا يخرج عن الثلاثية التي خلّفها ضيف آخر من ضيوف حلقات برنامجنا “ضفاف الفنجان” في الأسابيع القليلة الماضية، وهو الأكاديمي والسياسي محمد الساسي.
يعتبر هذا الأخير أننا نعيش حاليا تحت تأثير ثلاثية الغموض والخوف والتشدّد. ومنها أقتبس لأقول إن العنوان العريض لما عشناه هو الغموض، ومنه أزعم أن كلا من الخوف والتشدّد ينبعان.
لا أحد منا يمكنه أن يزعم معرفة لماذا جاء العفو هنا وغاب هناك.
وبسبب غياب القدرة على قراءة المشهد وتفسيره، يولد الخوف في الأسفل، ويؤدي بالتالي إلى كل الظواهر التي تحدّث عنها الفلاسفة وعلماء الاجتماع من فردانية وفساد في الأخلاق وقلة مروءة واستعداد للانخراط في الفساد… وبسبب الغموض أيضا ينتج التشدّد في الأعلى، فتتوالى الضربات الاستباقية لخطر غامض قد ينتج عن واقع أكثر غموضا.
لابد لهذا المسار الذي انطلق عشية الذكرى 25 لاعتلاء الملك محمد السادس العرش أن يكتمل.
إنها فرصة نادرة ولحظة استثنائية استعدنا فيها القدرة على الحلم الجماعي والاستعداد لتجاوز الجراح والتطلّع إلى مستقبل إن لم يكن أفضل فبالإمكان منعه من أن يكون أسوأ.
استكمال هذا المسار لا يعني العفو عن فلان أو علان، بل يعني أولا استعادة الثقة، والدخول أخيرا في مسار البناء الديمقراطي الذي استنفدنا جميع حلول الالتفاف عليه.
لقد راكمت صفحة “العهد الجديد” ما يكفي من الأخطاء التي ينبغي الإقرار بها وتصحيحها والقيام بما يلزم لضمان عدم تكرارها.
والقصة لن تنتهي بالعفو عن المعتقلين على ذمم قضايا الاحتجاج والتظاهر والتعبير والنقد والاختلاف. بل لابد من ضمان عدم السقوط في الأخطاء نفسها التي أتى العفو الملكي بمناسبة عيد العرش الماضي لتصحيحها، وتجنيبنا هذا المأزق الذي يصبح فيه الملك كل مرة وجهة لنظرات أمهات حالمات، دون أن يتحقّق رجاؤهن دائما.
لدينا ما يكفي من تحديات وتهديدات، داخلية وخارجية، كي نضرب صفحا عن لحظات التوتّر وشدّ الحبل الظرفيين، ونعيد الثقة للمغاربة في إمكانية الحلم كما كان الحال قبل أكثر من عشرين سنة من اليوم.
هذا الشرخ الناتج عن طبقات الغموض والخوف والتشدد يتّسع كل يوم. ولا يمكننا أن نتجاهل ما ذهبت إليه نسبة من التعليقات والتعبيرات عقب العفو الملكي عن مزارعي القنب الهندي البسطاء من استهزاء وتبخيس وقلة تقدير… بل لابد لنا أن نخرج رؤوسنا المدسوسة في التراب لنواجه هذا الشك والاستهزاء الذي باتت تواجه به حتى مناسبة وطنية مثل ذكرى ثورة الملك والشعب، والتي تؤرخ لواحدة من لحظات تشكّل الأسطورة الموحّدة للمغاربة.
هذا أكثر ما يعزّز الخوف مما تخبئه لنا الأيام من تحديات وتهديدات جديدة: ألا نكون على قلب رجل واحد، ليس لأننا نختلف أو نتناقض، بل فقط لأننا لا نتواصل ولا نتشارك في الأحلام والمشاريع والإصلاحات، ولا نطمئن إلى قواعد ومؤسسات تمثّلنا وتحمينا جميعا.