العرائش تنتفض ضد “تشويه” معالمها.. حقوقية: نطالب بإعادة الاعتبار

تظاهر مئات المواطنيين من سكان العرائش، نهاية الأسبوع المنصرم، احتجاجاً على تغيير معالم الشرفة الأطلسية التاريخية، إحدى أهم الفضاءات التي تشكل متنفساً لسكان المدينة وزوارها، وذلك على إثر الإصلاحات الأخيرة.
وعبرت المظاهرة، التي دعت إليها فعاليات المجتمع المدني، مساء السبت 19 يوليوز 2025، عن رفضها الشديد للشكل الذي أصبحت عليه الشرفة الأطلسية بعد الإصلاحات التي أدخلت عليها، والتي أدت بحسب تعبيرهم إلى “طمس هويتها التاريخية”، بعدما خالفت التصاميم التي كانت الساكنة تتطلع إليها.
في هذا الصدد، أوضحت فتحية اليعقوبي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعرائش، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن القضية تعود إلى سنة 2023، عندما تحرك المجتمع المدني بالعرائش “من أجل إعادة الاعتبار للشرفة الأطلسية والمنحدر الساحلي، إلى جانب باقي المعالم والمآثر التاريخية المتواجدة في المدينة، والتي تعرضت لتدمير ممنهج عبر مراحل تاريخية متعددة”.
وأضافت اليعقوبي أن المآثر التاريخية والمعالم الحضارية التي تزخر بها مدينة العرائش التي تُعد من أقدم المدن في شمال المغرب “تعرضت للتهميش على مدى سنوات طويلة، مما أفقد المدينة بريقها السياحي، والفني، والثقافي، والحضاري بشكل عام”.
وأشارت إلى أن المدينة شهدت منذ أكثر من عقد، “مسلسلاً من الإهمال والتفريط في تراثها العمراني، حيث تعرض عدد من المعالم التاريخية والثقافية للتدمير أو البيع والشراء”. وذكرت من بين هذه المعالم “سينما إسبانيا، والمسرح الإسباني، وسينما كوليسيو، وعدد من القاعات السينمائية والمسارح التي تم هدمها واستبدالها بعمارات سكنية”.
كما أوضحت أن “الشرفة الأطلسية”، التي أثارت الإصلاحات بها غضب سكان العرائش، “تعد فضاء طبيعياً جميلاً يُطل على المحيط الأطلسي، وكان بمثابة متنفس لسكان العرائش ومكاناً للاستجمام”.
وكان سكان المدينة والمجتمع المدني سنة 2023، قد طالبوا فبإعادة الاعتبار لهذا الفضاء، والعمل على ترميمه وتوسيعه ليكون مؤهلاً لاستقبال السياح والزوار، سواء من داخل المدينة أو خارجها، إلى جانب إعادة الاعتبار لباقي المعالم التاريخية الواقعة على الساحل. إلى أن جاء مشروع إعادة تأهيل الشرفة الأطلسية والمنحدر الساحلي، من قبل وزارة التجهيز، ووزارة السياحة، وعمالة العرائش، والمجلس الجماعي للمدينة، بهدف ترميم الشرفة التي بدأت تظهر عليها علامات التهدم.
وذكرت الناشطة الحقوقية أن المشروع، الذي انطلقت أشغاله منذ حوالي ستة أشهر، “كان في بدايته محطّ أمل كبير لدى ساكنة العرائش، والمواطنين الذين اعتقدوا أنه سيُعيد الاعتبار للشرفة الأطلسية، ويُخرجها في حلة جديدة أفضل مما كانت عليه”.
ومع انطلاقة الأشغال، “تم الشروع في تهديم بعض المعالم الموجودة سابقاً، على أساس أن تتم إعادة بنائها والحفاظ على روحها التاريخية، كما كانت في الفضاء القديم”. لكن ما حصل لاحقاً، تضيف المتحدثة “كان مخالفاً لتطلعات السكان”.
وأوضحت أن المعالم الجديدة التي جاء بها المشروع قُسمت إلى ثلاثة مستويات “الشرفة الأطلسية في الأعلى، ومستوى ثانٍ مخصص لفضاء ترفيهي وسياحي. وكورنيش ساحلي بمحاذاة البحر”، مشيرة إلى أن هذا التصور الجديد “لم يرق لعدد كبير من الساكنة، ولا للمثقفين، ولا لفعاليات المجتمع المدني”.
واعتبر سكان العرائش أن المشروع، في صيغته الحالية، “لا يعكس هوية المكان ولا يحترم خصوصيته، سواء من حيث الحفاظ على الموروث السياحي، أو من حيث الجوانب البيئية”، كما أن المستوى الأول من المشروع تحوّل إلى ساحة كبيرة مغطاة بالإسمنت، “بدون أي مساحات خضراء ولا لمسة بيئية، ولا احترام للمعايير التي ينادي بها المجتمع المدني منذ سنوات”.
وهذا ما دفع بعدد من الجمعيات إلى جانب الساكنة إلى اعتبار طريقة تنفيذ المشروع بمثابة “تشويه” لمعلمة تاريخية، وليس تأهيلاً لها. وعلى إثر ذلك، قالت فتحية اليعقوبي إن فعاليات المجتمع المدني قررت مع فاعلين ومثقفين تنظيم وقفة احتجاجية “للتعبير عن رفضهم للطريقة التي تم بها إخراج المشروع، والمطالبة بإعادة النظر فيه”.
في غضون ذلك، علمت صحيفة “صوت المغرب” أن السلطات تواصلت مع ممثلي الفعاليات المدنية، مع تقديم وعود بإعادة النظر في تصاميم الشرفة الأطلسية.
ومع ذلك ترى اليعقوبي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن “الغموض يبقى سيد الموقف حول مستقبل الورش، وهل ستتم الاستجابة لمطالب الساكنة أم لا”، معربة عن أملها في أن يتم الإنصات لنبض الشارع العرائشي، وأن يُعاد النظر في طريقة تأهيل الشرفة الأطلسية، بما يراعي الطابع التاريخي للمكان، والخصوصية البيئية والجغرافية، بالإضافة إلى البُعد الثقافي والسياحي للمدينة.
وشددت على أنه من حق ساكنة العرائش أن تستفيد من مشاريع تنموية توازي ما شهدته مدن الشمال الأخرى، التي عرفت طفرة عمرانية وسياحية مهمة خلال السنوات الأخيرة، “بينما ظلت العرائش تعاني من التهميش ونقص الاستثمار”.
ودعت إلى تصحيح المسار، “والتعامل مع العرائش بما تستحقه كمدينة ساحلية ذات موقع استراتيجي، وتاريخ حضاري وثقافي غني، وأن تنال نصيبها العادل من التنمية”، وذلك بما ينسجم مع تطلعات أبنائها، ومع ما تعرفه البلاد والمنطقة من تطور مستمر.