story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الصبر الاستراتيجي لإيران على المحك

ص ص

تعودنا منذ سنين أن تطال الاغتيالات رموزا مقاومة، ونتعامل دائما مع هذه الاغتيالات على أنها ثمن خيار ولا تساوي شيئا أمام إنجازات المقاومة في الميدان، بل يكون في الغالب اللجوء إلى هذه الاغتيالات الإرهابية دليلا على تخبط الصهاينة وهزيمتهم وعدم اكتراثهم بالمنتظم الدولي ومؤسساته وقوانينه والقواعد الناظمة له.
الجديد منذ مدة قصيرة هو تواتر الاغتيالات ضد رموز المقاومة في أماكن ومناسبات شديدة الحساسية.
منذ أسبوع تم اغتيال سيد رضي موسوي، أحد كبار مستشاري الحرس الثوري الإيراني في سوريا، أي في عقر دار يفترض فيها أنها محصنة. وليس المقام هنا للحديث عن الخطأ الاستراتيجي لوجود قوات الحرس الثوري وحزب الله في دولة سوريا والجرائم التي ارتكبوها أو زكوا وقوعها ضد الشعب السوري، فهذا موضوع آخر.
هذا الأسبوع، طالت أيادي الغدر الصهيوني الشيخ صالح العاروي وثلة من إخوانه لبوا النداء والتحقوا بالرفيق الأعلى شهداء إن شاء الله. لا يمكن استغراب استهدافهم لشخص مثل العاروري، فقد كان مطلوبا حيا أو ميتا لدى الصهاينة منذ شهور. لكن يطرح أكثر من سؤال حول مكان الاستهداف في لبنان، وبالضبط في الضاحية الجنوبية بالمربع الأمني المحصن. ويطرح السؤال أكثر حول رد الفعل المنتظر لحزب الله الذي سبق وأن تحدث أمينه العام حسن نصر الله عن توعدات الإسرائيليين باستهدافه حين قال “أي اغتيال على الأراضي اللبنانية يطال لبنانيا أو فلسطينيا أو إيرانيا أو سوريا سيكون له رد الفعل القوي ولا يمكن السكوت عنه ولا يمكن تحمله. لن نسمح أن تفتح ساحة لبنان من جديد للاغتيالات ولن نقبل على الإطلاق بتغيير قواعد الاشتباك القائمة حتى الآن خصوصا منذ 2006”.
ها هي القوات الإسرائيلية تنفذ عمليتها في قلب الضاحية الجنوبية وضد من تحدث عنه السيد نصر الله وتغير قواعد الاشتباك من جهة واحدة وبدون سابق إعلان أو اتفاق. وها هما انفجاران يهزان مدينة كرمان جنوبي إيران قرب قبر قاسم سليماني يوم ذكرى استشهاده، وقد أسفر الانفجاران عن عشرات القتلى والمصابين.
يطرح إذن أكثر من سؤال على مكان الانفجار الذي يفترض فيه أن يكون محصنا.
لن أقول جديدا، وإن كان يلزم التذكير بذلك دائما، حين أذكر بأن اللجوء إلى أسلوب الاغتيالات بهذه الطريقة دليل على حالة اليأس والجبن والهزيمة والسعار والتوحش الذي يخيم على الصهاينة، ويفضح الوجه الإجرامي لهذا الكيان وداعميه ومناصريه، ويضع أمام الاختبار من يدافع عنه أو ما يزال يطمع في علاقات طبيعية معه، ولكن تواتر الاغتيالات في هذه الظرفية التي تراكم فيها المقاومة في فلسطين انتصارها وتنزع أسطورة القوة التي لا تقهر من الصهاينة لا يخدم التمثلات التي صار يتقاسمها العالم كله عن مصير الكيان الغاصب.
مناسبة هذه الاغتيالات وتزامنها مع الذكرى الرابعة لاستشهاد قاسم سليماني الذي نذر حياته لنصرة القدس وقاد فيلقها ودعم مناصريها تجعل المصاب مضاعفا، وتوقيت هذه الاغتيالات الذي يستلزم تحصينات أمنية شديدة، لأن الوضع في أعلى درجات الخطورة يطرح أكثر من سؤال حول المناعة التي عند كل أطراف محور المقاومة، وأمكنة الاستهداف برمزيتها كذلك تلقي بأكثر من سؤال حول حدود الجاهزية التي يتوفر عليها كل أطراف هذ المحور.
هي مناسبة أخرى للحديث عن اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس سنة 2020 في العراق، واغتيال عماد مغنية في سوريا سنة 2015.
المثير أنه رغم كل هذه الاستهدافات ما تزال بعض قوى هذا المحور متمسكة بما تسميه “خيار الصبر الاستراتيجي”. غير مطلوب من حزب الله أو إيران الانخراط المباشر في الحرب إسنادا لغزة، فقد تكون المصلحة في عدم خوض هذه المغامرة حتى لا تتم التغطية على غزة بما هي جزء من أرض فلسطين وقضية فلسطين والتعمية على مأساة صارت اليوم تحتل صدارة النشرات الإخبارية وقصاصات وكالات الأنباء وتريندات مواقع التواصل الاجتماعي مع ما يترتب عن ذلك من تزايد الوعي العالمي بعدالة هذه القضية ذات البعد الإنساني والعالمي باعتباره آخر قلاع الاستعمار والعنصرية، ولكن الإصرار على الصبر والاكتفاء بالوعيد وعدم إنجاز الوعود وعدم تناسب رد الفعل مع أفعال الصهاينة يطرح أكثر من علامة استفهام.
لم يكن مطلوبا من حزب الله جر لبنان وشيك الانهيار إلى حرب بدون رضى كل قواه وبما قد تكون له نتائج سلبية على مكانة وشعبية الحزب الذي اختار منذ عقدين الموازنة بين السياسة والمقاومة والكينونة في كل الحكومات المتعاقبة، ولكنه اليوم صار أمام إلزامية موقف واضح وفعل صارم بعد انتهاك سيادة لبنان واستهداف جزء من ترابه، وهو ما يعيه الحزب أكثر من غيره، وقد عبر عنه بيانه الأخير “إننا نعتبر جريمة اغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاقه الشهداء في قلب الضاحية ‏الجنوبية لبيروت‏ اعتداء خطيرا على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته وما فيه ‏من رسائل سياسية وأمنية ‏بالغة الرمزية والدلالات وتطورا خطيرا في مسار الحرب ‏بين العدو ومحور المقاومة”.
سيكون من غير المنطقي انتظار إعلان قرار الحرب في خطاب جماهيري ولكن مضمون الخطاب ونبرة الخطيب ورسائل الخطاب والخطوات الموالية للخطاب مهمة وتجد عند المتلقي الاهتمام اللازم، وإلا فإنها تشجعه على المضي أكثر في سياساته لتوسيع دائرة الحرب.
التجلي الواقعي لوحدة الساحات في مثل هذه الظروف هو توجيه البوصلة نحو العدو الصهيوني كل من موقعه وبما يتناسب مع إمكانياته وحسب المتاح له وأخذا بعين الاعتبار الضرر الحاصل له من هذا الكيان الغاصب.
ليس أمام نتنياهو خيارات كثيرة لتمديد عمره السياسي على رأس حكومة إسرائيلية ولتجنب متابعة قد تنهي مساره السياسي مدانا بعقوبة حبسية، ولذلك فمصلحته تكمن في توسيع دائرة الحرب وإطالة أمدها وإشعالها في مناطق أخرى وإشغال الرأي العام الإسرائيلي بتداعياتها، ومن مؤشرات ذلك اغتيال العاروري وإقدام السلطات التركية يوم الثلاثاء على اعتقال 33 شخصا للاشتباه في تجسسهم لصالح الموساد واستهدافهم لشخصيات أجنبية تعيش في تركيا.
الأولى للجميع تفويت هذه الفرصة عليه وعلى حكومة الحرب الفاقدة لكل حس إنساني والتي تتعامل مع غيرها كالحيوانات.