story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

السنوار يكمل المشوار

ص ص

قبل أن يجف الحبر الذي كُتبت به رسائل التعزية والمواساة في القائد السابق للمكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، إسماعيل هنية الذي اغتالته يد الغدر الجبان؛ ها هي الحركة تتلقى رسائل التهنئة بعد انتخاب قائدها الميداني داخل القطاع المقاوم، يحيى السنوار، في خطوة طافحة بالدلالات القوية والواضحة.
ومن يتابع الأحداث الجارية في فلسطين وقطاعها المحاصر، منذ عشرة أشهر على الأقل، ويريد أن يفهم سبب هذا التفوّق الأسطوري وشبه المعجزة، عليه أن يركّز النظر هنا، في هذا الجانب التنظيمي والتدبيري، قبل الجانب الميداني والعسكري.
هذا الاغتيال كانت له أغراض عديدة، ترتبط بالجبهة المقاومة بقيادة إيران، لكنه كان أيضا محاولة لكسر المعنويات ودقّ إسفين بين مكونات حركة حماس.
وإلى جانب مفعول الطمأنة وحشد المعنويات داخل الحواضن السياسية والاجتماعية لفكرة مقاومة الظلم والاحتلال الذي أفرزه القرار، يمكن الوقوف على دلالات أساسية لخطوة انتخاب يحيى السنوار، أهمها:
• رسالة تماسك داخل حماس: نحن أمام تنظيم محاصر بأقوى ما حازته البشرية من أسلحة وتكنولوجيا على الإطلاق. تنظيم يعيش جلّ قادته ومقاتليه في الأنفاق، ويستحيل عليه الخوض في أي تواصل أو اجتماع بين أعضائه. ورغم ذلك، ها هو القرار يصدر سريعا ودقيقا وواضحا: انتخاب بالإجماع ليحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس. هذه الأخيرة هي خليط غير متجانس، يضم حمائم وصقور، سياسيين ودعويين وعسكريين، وفلسطينيين من غزة إلى جانب آخرين من الضفة، فلسطينيون من الداخل وآخرون في المنافي والملاجئ… ورغم ذلك، القرار يصدر بسرعة وعبر التوافق، بل وبالإجماع. وهذه أولى الردود القوية والواضحة على جريمة الاغتيال الجبان.
• استمرار لخط طوفان الأقصى: رغم أن ما جرى يوم 7 أكتوبر 2023 لم يكشف بعد عن جميع أسراره وتفاصيله، لأن مخططيه ومدبّريه ما زالوا يخوضون المعركة.. إلا أن المعلوم “بالضرورة” هو أن يحيى السنوار هو القائد الميداني لحركة حماس داخل قطاع غزة، وأبرز وجوه معسكر “الصقور”، وهو بدون أدنى شك، واحد من العقول المدبّرة الأساسية، إن لم يكن العقل المدبّر، لعملية طوفان الأقصى المجيدة. اختيار السنوار لتولي قيادة المكتب السياسي للحركة، يعني بمنطق تدبير الصراعات والمعارك، أن التقدير الداخلي للحركة، وبعد شهور عشرة من الحرب الطاحنة، أن خطّ طوفان الأقصى ناجح في تحقيق الأهداف الاستراتيجية. لو كان هناك أدنى شكّ داخل قيادة الحركة تجاه ذلك، لكان اغتيال هنيّة فرصة سانحة لتغيير القيادة نحو اختيار جديد، تحت غطاء الاضطرار الذي وفّره هذا العمل الغادر.
• استعادة الثقة والعنفوان الشعبيين: ما من شك في أن اغتيال قيادات من حجم إسماعيل هنية، يبث الإحباط واليأس في قلوب القواعد الشعبية والحواضن الاجتماعية. وبالرغم من كل الإيمان الراسخ بالقضية وببعدها الذي يتجاوز الأشخاص والأفراد، إلا أن خسارة قائد مثل هنية يجعل القلوب تضطرب والعقول تشك، وهو ما جاء اختيار خليفة لم يكن أي من التقارير الإعلامية والبحثية التي كتبت بعد الاغتيال تتوقعه، لما يشكله من رفع للسقف وتوحيد للعملين السياسي والعسكري، يبدّد كل هذه الشكوك والمخاوف الكائنة والمحتملة. ويكفي أن نطل على منصات ومواقع التواصل الاجتماعي في المحيطين العربي والإسلامي، لنرى كيف تحوّل الغضب الشامل إلى فرح عارم.
• إصرار على صفقة تبادل الأسرى: تجري الفصول الأخيرة من العدوان الإسرائيلي على غزة بغاية أساسية هي إسقاط صفقة تبادل الأسرى التي تبناها وعرضها الحليف الأمريكي لإسرائيل، ورحّبت بها جلّ الأطراف المعنية من قريب أو من بعيد. ويمعن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في تحطيم كل الجسور التي تؤدى إلى هذه الصفقة، لأنها تعني انقشاع الغبار عن مشهد الهزيمة الاستراتيجية لإسرائيل التي لم تكن يوما، ومنذ إعلان تأسيسها في 1948، محاطة بهذا الكم من التهديدات والجبهات المتحفّزة لضربها بجرأة ودون أدنى اعتبار لأسطورة القوة التي لا تُقهر. السنوار هو خرّيج عملية تبادل الأسرى الشهيرة التي جرت مقابل الجندي جلعاد شاليط عام 2011، ويعتبر “منظّر” فكرة تحرير الأسرى الفلسطينيين وجني المكاسب السياسية والعسكرية عبر أسلوب تبادل الأسرى هذا، والذي يمثل ورقة ضغط رهيبة على إسرائيل، بما في ذلك ضغط مجتمعها الداخلي.
• الحسم في الميدان: كان الراحل إسماعيل هنية يمثّل الوجه السياسي والمفاوض لحركة حماس، والذي يرمي إلى استثمار الحرب الميدانية بالشكل الذي يسمح بحقن دماء الفلسطينيين دون السماح بالإجهاز على القضية الفلسطينية. اليوم وبعد اغتيال هذا القائد، وفي الوقت الذي توقّع البعض أن يؤدي إلى استسلام الحركة في الجبهة السياسية، وقبولها بصفقة الإذعان التي تطرحها إسرائيل، أي تبادل الأسرى دون توقيف الحرب، أي دون انكشاف الوضع الجيو سياسي الجديد الذي خلقه طوفان الأقصى؛ ها هو الجواب يأتي من تحت الأنقاض والأشلاء والدمار: لا خيار سوى المقاومة.
هناك في الختام كلمة لابد من قولها:
الموقف الرسمي للمغرب بعد جريمة اغتيال إسماعيل هنية لم يبلغ الحدّ الأدنى المطلوب. هناك تحركات يقوم بها رئيس الحكومة السابق، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، تنقذ بعضا من ماء وجهنا الجماعي، سواء حين حضر جنازة هنية أو حين سارع إلى تهنئة السنوار.
لكن الموقف الرسمي يبقى محبطا وبعيدا عن المزاج العام للمغاربة ومشاعرهم. وإذا كان حضور إيران في المشهد هو سبب هذا الصمت الرسمي، فإن علينا أن نعي أننا بهذا الصمت والانسحاب، نحوّل القدس الشريف إلى قضية إيرانية-شيعية، ولن نملك في المستقبل “الوجه” للظهور، سواء في حفل النصر باسترجاعه، أو في حائط المبكى على ضياعه إذا حدث الانهيار الشامل، سواء انهيار بناية المسجد الأقصى أو انهيار ما تبقى من صمود فلسطيني في محيطه.