story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

الساعة لله!

ص ص

لم تكفّ طفلتي خلال أيام الأسبوع الأول من شهر رمضان الحالي، عن التعبير بطريقة عفوية كل صباح ونحن في طريقنا إلى مدرستها، عن سعادتها بمشاهدة الطريق وهي تبدو ملوّنة (colorée) بدل الظلام القاتم الذي اعتادت عليه منذ بداية الموسم الدراسي بفعل الساعة الإضافية المشؤومة.
يقولون إن الحقيقة تخرج من أفواه الأطفال، وحقيقتنا أننا نعيش ومنذ بضع سنوات، شكلا فريدا وعجيبا من الدكتاتورية والاستبداد، من خلال اعتماد توقيت لا يناسب عاداتنا اليومية ولا نمط حياتنا ولا إيقاعنا البيولوجي.
بل يتحوّل هذا الاستبداد كلما حلّ شهر رمضان إلى نوع من التعذيب، لأن الحكومة تذكّرنا فيه بساعتنا “القانونية” المهجورة، وتقلّب علينا المواجع، وتحيي فينا الشعور بالضعف والقهر والعجز، ونحن نضطر للعيش وفقا لتوقيت لا نرغب فيه ولا نرتاح إليه ولا يحقق لنا أية مصلحة، كبيرة كانت أو صغيرة، بل لا يحمّل أصحاب القرار أنفسهم حتى عناء “الكذب علينا” ولو باختلاق مبررات لهذا الانزياح بحياتنا عن ايقاعها الطبيعي.
لو كنا في سياق يحظى فيه الانسان بالحد الأدنى من التقدير والاعتبار، لما استمر العمل بهذه الساعة التي لا ترضي في النهاية سوى أبناء وأحفاد المستعمرين الفرنسيين، الذي يرغموننا على الاقتراب من توقيتهم حتى يجودوا علينا بفتات استثماراتهم التي لا تعدو أن تكون في النهاية سوى إعادة إنتاج للاستعمار، بتسخير أيدينا العاملة الرخيصة لإنتاج سيارات “رونو” و”بوجو” وتوفير بقشيش من العملة الصعبة لدولتنا الفقيرة، بعد تصديرها.
وإذا كانت ذاكرة البعض ضعيفة تعالوا نذكرهم كيف أن الحكومة السابقة أقرت هذه الساعة الإضافية بشكل باغثها هي نفسها ذات مجلس حكومي، بعدما كان أحد وزراءها، محمد بن عبد القادر، قد فشل في اصطناع حجة مقنعة بجدوى هذه الساعة الإضافية، وجاءت النتائج الأولية لدراسة حكومية مزعومة تقول إننا لا نكسب شيئا من هذا التوقيت الافرنجي، باستثناء بضع عشرات من ملايين الدراهم التي زعموا أننا نوفرها في استهلاك الطاقة، وقلنا لهم حينها: ها هي مساهمتنا الجماعية بدرهم عن كل مواطن لتوفير هذا المبلغ و”ها العار” اتركوا إيقاع حيانا بعيدا عن قرابين معبد الاستعمار.
تذكروا كيف أننا في نهاية صيف العام 2018، وبينما كانت “بلحوحة” حناجرنا تصدح بالصراخ والمطالبة بالتراجع عن الساعة المشؤومة، خرج نائب برلماني بتصريح علني قال فيه إنه التقى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية، محمد بنعبد القادر، على هامش جلسة للأسئلة الشفوية انعقدت يوم الاثنين 22 أكتوبر 2018، فبادره بالتحية ثم سأله: هل من جديد بخصوص مشكل الساعة الإضافية؟ فرد الوزير: “نعم.. نحن قريبون من اتخاذ قرار بتوحيد التوقيت بشكل نهائي. المغاربة لا يناسبهم التوقيت الصيفي، غالبا سنعود إلى الساعة العادية طيلة السنة”.
هل تعرفون ماذا وقع بعد هذا التصريح الذي لم تقدم الحكومة السابقة على نفيه؟ لقد سارع الوزير بنعبد القادر في اليوم الموالي، إلى إصدار بلاغ رسمي، يخبر فيه الرأي العام بالاستعداد لتأخير الساعة بستين دقيقة صباح يوم الأحد 28 أكتوبر 2018. وتابعنا جميعا كالبلهاء، مساء ذلك اليوم، نشرات الأخبار في القنوات العمومية وهي تعلن هذا الخبر. ونشرت الأمانة العامة للحكومة جدول أعمال المجلس الحكومي لذلك الأسبوع، ولم يكن يتضمن ما يتعلّق ب”الساعة القانونية”، وانعقد المجلس الحكومي في الخميس الموالي، وانصرفوا لحال سبيلهم على أساس انعقاد المجلس الحكومي الموالي في ظل توقيت غرينيتش، ليفاجئهم ليلتها استدعاء طارئ من الأمانة العامة للحكومة، للاجتماع صباح الجمعة الموالية للمصادقة على مرسوم يجعل الساعة الإضافية دائمة ولا تقتصر على فصل الصيف.
في المسافة الزمنية الفاصلة بين اجتماع مجلس الحكومة لذلك الخميس 25 أكتوبر 2018، ولقاء الجمعة الموالي، كان وزير الصناعة والتجارة السابق، مولاي حفيظ العلمي، يرافق الرئيس المدير العام لمجموعة “رونو” الفرنسية، الفرنسي كارلوس غصن، لزيارة القصر الملكي بمدينة مراكش بشكل رسمي، حيث حظي باستقبال قال بعده الإعلام الرسمي إن الرجل الذي سيصبح فارا من العدالة اليابانية بعد وقت وجيز، أطلع الملك على مشروع توسيع الشركة المغربية لصناعة السيارات “صوماكا” من خلال مضاعفة قدرتها الإنتاجية في أفق 2022.
لقد ظل التلاعب بعقارب ساعة المغاربة طيلة القرن الماضي مرتبطا بمصالح فرنسا، حيث نص أول نص قانوني أحدث الساعة القانونية في المغرب في أكتوبر 1913، وقّعه السلطان المغربي على أنه جاء من أجل خدمة الفرنسيين وقضاتهم الذين التحقوا بالرباط بناء على معاهدة الحماية. فالمغرب قبل ذلك لم يكن يعرف شيئا اسمه الساعة القانونية.
والثابت تاريخيا أن تغيير الساعة القانونية للمغرب ارتبط دائما بمراحل أزمات اقتصادية واجتماعية عاشها المغرب، فنجد أن ظهائر ومراسيم تعديل الساعة القانونية للمغرب، وجدت مبررها في اندلاع الحرب العالمية الأولى (1918)، و”عام البون” (1945)، والجفاف (1959)، وخلال فترة حالة الاستثناء (1967)، وبعد اشتعال نار الحرب في الصحراء، وفي أواسط الثمانينيات حين فرض على المغاربة برنامج التقويم الهيكلي…
رغم كل هذا، لا يتورّع بعض الذين يدعون حمل الهم الاقتصادي في الدفع بوجود مصلحة مغربية في تقريب الساعة القانونية من تلك المعتمدة في فرنسا، بدعوى ارتباط المصالح الاقتصادية وحاجة أصحاب المال والاعمال إلى افتتاح بورصة الدار البيضاء وبنوكها وشركاتها تزامنا مع استيقاظ الفرنسيين من نومهم، كما لو أن الارتهان إلى فرنسا وحي أُوحي إلى المغاربة، أو حتمية أثبتها الحجة العلمية… لكنها مبررات واهية، وإلا لماذا لم نغيّر توقيتنا للاقتراب من توقيت السوق البريطانية أو الكندية أو الأمريكية؟ ومن الذي يملي على المغاربة قدرا محتوما يجعلهم يفصلون حياتهم بالشكل الذي يبقيهم رهينة لدى المستعمر الفرنسي السابق؟ ومتى جرى هذا النقاش الوطني الذي أفضى بالمغاربة إلى اختيار البقاء تحت السيطرة الفرنسية؟ وأية مصداقية سنكسبها أمام الشركاء الأمريكيين والصينيين والأفارقة ونحن نبتعد عنهم بساعة إضافية، نزيدها على القرن الذي يسبقوننا به حضاريا؟ وأي رسالة نبعثها إلى دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، “صيدياو”، الذين طلبنا الانضمام إليهم، وهم الذين يكاد يوحّدهم توقيت غرينتش؟
سينتهي شهر رمضان منتصف الأسبوع المقبل، وسنعيش بعده أيام عطلة استثنائية أقرتها الحكومة لتصل عطلة العيد بعطلة نهاية الأسبوع، لكننا في صبيحة الأحد الموالي، سنكون على موعد جديد مع الساعة المشؤومة، التي ستجعل حياتنا قاتمة ومظلمة من جديد، وتحرمنا من المشهد “الملوّن”.