story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الحملة المهيدية

ص ص

أطلق والي جهة الدار البيضاء سطات محمد امهيدية ­­­الذي عين في منصبه حديثا قادما من جهة طنجة تطوان الحسيمة- حملة لتحرير الملك العمومي في مناطق مختلفة من مدينة الدار البيضاء. هذه الحملة عرفت تحرير شوارع لا أتذكر شخصيا يوما ما كانت فيه خالية من العربات أو الباعة المتجولين، الشيء الذي خلف ردود فعل متباينة في المدينة.

لكن، عند حديثي مع العديد من سكان البيضاء من مشارب وطبقات مختلفة، اتحدوا في تشكيكهم في استدامة هذه “الحملة”، خصوصا مع ما تحمله هذه الكلمة من إيحاءات بالنسبة للبيضاويين، وأعني هنا أن كثيرا من المواطنين يفهمون منها أنها موسمية وغير دائمة.

من حق البيضاويين أن يكونوا مشككين في مثل هاته الديناميات، سيما أن لديهم أمثلة سابقة لمسؤولين جاءوا من أجل تحرير الدار البيضاء، لكن سرعان ما رضخوا لتناقضاتها وضغوطاتها.

مبدئيا، أعتبر أن الملك العمومي هو كذلك: ملك لعموم المواطنين، من شوارع وأرصفة وممرات خاصة بالمواطنين قاطبة، ولا يحق لشخص أو هيئة أن تتصرف فيه دون إذن سابق من ممثلي الدولة والمواطنين. وشخصيا لا يمكن إلا أن أشجع مثل هذه المبادرات -إن حق فعلا استدامتها. لكن الهدف وإن كان نبيلا، لا يعني بالضرورة أن أجرأته ستكون كذلك.

فالطريقة التي تم بها تفعيل هذه القرارات تنم عن سلطوية متجذرة في طريقة تعامل رجال السلطة مع قضايا تهم الفضاء العام. كان على السلطة أن تعلم محتلي الملك العمومي بفترة كي يتدبروا أمور انتقالهم إلى مكان آخر في حالة الباعة المتجولين، أو هدم ما أضافوا إلى محلاتهم. وفي حالة أصحاب المحلات، يمكن تغريمهم سومة التهديم إذا ما لم يقوموا بذلك بأنفسهم.

أما القضية الأعمق فهي مصير آلاف الباعة المتجولين الذين تم حرمانهم من مصدر دخلهم الوحيد. يبدو من خلال سلوكات عديدة للدولة أنها تترك ظواهر سلبية عديدة حتى تنتج دورة اقتصادية كاملة، ثم تأتي بين عشية وضحاها لتمنع بشكل سلطوي ذلك السلوك دون تقديم أي بديل. رأينا ذلك في قضية غلق معبر سبتة الذي كان يدعم آلاف العائلات ماديا، وها نحن نراه مرة أخرى هنا في حالة تحرير الفضاء العمومي في مدينة الدار البيضاء.

كان من الأجدر التفكير في حلول إبداعية تقطع الطريق أمام سخط الآلاف من العائلات التي تعيلها تلك العربات المتجولة عبر الدار البيضاء، والتي صارت بغتة عرضة لانقطاع مصدر رزقها الوحيد.

كان من الممكن تخصيص ساحات معينة للباعة المتجولين وسن نفس المنهج الذي نهجته الدولة لدفعهم إلى التوقف النهائي من أجل نقلهم إلى الفضاءات المخصصة (أي استعمال القوة العمومية لا من أجل منعهم بل لنقلهم إلى فضاء أكثر أمانا للجميع).

كان من الممكن أيضا، تخصيص أزقة خاصة تتوقف فيها حركة مرور السيارات ويتم استغلالها من طرف الباعة المتجولين. ويمكن للسلطة فرض رسم رمزي يومي أو أسبوعي على هؤلاء الباعة، يتم من خلاله تأدية واجبات تنظيف المكان نهاية كل يوم. وبذلك يتم خلق فرص شغل وإن كانت صغيرة، وفي نفس الوقت يبقى لهؤلاء الباعة المجال من أجل كسب رزقهم ولسكان ذلك الحي فرصة اقتناء مواد طرية وقريبة منهم. هذه التجربة متوفرة في عدة دول تشجع هذه النوع من الأسواق، وتكون إما دائمة أو مرخصا لها لأوقات محددة كل أسبوع. أخيرا، كثير من المبادرات التي انطلقت فيها الدولة تكون في عمقها نبيلة واستراتيجيا مفيدة للبلد، لكن ينقصها إشراك حقيقي لكل المتدخلين، الذين لا يمكن لحضورهم في طاولة القرار إلا أن يغني أي مبادرة، ويجعلها متجاوبة مع انتظارات المواطنين وكفيلة بانخراطهم الإيجابي الكامل