story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

الثورة الكروية الموؤودة

ص ص

شاءت برمجة مبارتين نهائيتين في أوربا وإفريقيا في وقت متقارب، أن تضعنا أمام حقيقة كروية مفجعة بدأنا نطبع معها يائسين منذ زمن ليس بالقصير، ألا وهي اتساع الهوة بين القارتين فيما يتعلق بمنظومة كرة القدم، واحترافها، وبنياتها التحتية، وكيفية تسويقها، ومستواها التقني.

نهائي دوري أبطال أوروبا بين باري سان جيرمان الفرنسي وإنتر ميلانو الإيطالي مساء السبت بميونيخ، وإياب نهائي دوري أبطال إفريقيا بين بيراميدز المصري وماميلودي سانداونز الجنوب إفريقي مساء الأحد بالقاهرة. لقاءان يحملان التسمية نفسها، لكن الأربع والعشرين ساعة التي فصلت زمنيا بينهما كانت فارق السماء والأرض في كل شيء، من الإبهار البصري إلى قيمة البث، ومن التنظيم اللوجستيكي إلى متابعة الإعلام والجمهور العالمي. الحدث الأوروبي بدا كأنه عرض سينمائي ضخم، تدور حوله عجلة الاقتصاد، والإعلانات، والسياسة، ونجوم الكرة، وكان المستوى التقني على أرضية الملعب جذابا ومثيرا، فيما جاء النهائي الإفريقي باهتًا، بمباراة غلبت عليها الإصطدامات والتوقفات والإحتجاج على التحكيم، وبدت أقرب إلى مناسبة محلية محدودة الانتشار، تدور أمام مدرجات شبه فارغة من الجمهور.

هذا التباين الفاضح بين مبارتين لهما نفس التسمية ونفس اللعبة، لا يتعلق فقط بالمال أو الإمكانيات التقنية، بل يعكس الإتساع المتزايد يوم عن يوم في الهوة بين كرة القدم الأوروبية ونظيرتها الإفريقية، على كل المستويات، بعدما كان الحديث في نهاية القرن الماضي عن “الثورة الكروية الإفريقية” والتطور الذي بدا حاصلا في المستوى الكروي العام داخل القارة السمراء، وقَرَّبها قليلا من أوربا، بل وتمكنت منتخبات إفريقية كالكاميرون ونيجيريا من دحر منتخبات أوربية عريقة في المونديال، وبرزت الكثير من المواهب الإفريقية الخارقة التي تحولت بسلاسة إلى نجوم في أوربا داخل أندية عملاقة.

الذي وقع بعد ذلك هو أن تلك “الثورة” الكروية الإفريقية بدأت في التراجع شيئا فشيئا حتى تم وأدها رسميا خلال السنوات الأخيرة من “حكم” الكاميروني الراحل عيسى حياتو، وهذا الفارق المهول الذي أصبح يفصلها عن الكرة الأوربية ، هو نتيجة حتمية لقارة تشتغل بالليل والنهار على تجويد المنتوج الكروي، وجلب رؤوس الأموال الخاصة للإستثمار فيه، وتطوير مناهج التكوين وإدخال الوسائل التكنولوجية الحديثة للتدريب.. وقارة تغرق في التسيير الإرتجالي وتتصارع على كراسي القرار الكروي، وتعيش على الفساد الفاضح في أجهزة الكاف، وتعجز عن فرض شروطها للإستفادة من القيمة السوقية العالية لمواهبها التي تتألق في الدوريات الأوربية، وتهدر الكثير من الأموال التي بإمكانها أن تأتي من تسويق جيد لمنافساتها الكروية.

من المؤسف أن كثيرًا من الدول الإفريقية التي سبق أن احتضنت نسخًا من كأس إفريقيا للأمم لم تعد تتوفر على ملاعب تستوفي الحد الأدنى من شروط “الكاف” و”الفيفا”. بشكل تحول المغرب إلى “دار الضمانة” لكل نظام سياسي إفريقي فاشل يعجز عن بناء ملعب بشروط مقبولة، وأصبحت نصف منتخبات القارة تستضيف في مبارياتها الرسمية بملاعب برشيد والمحمدية والجديدة والحسيمة وغيرها، حتى أصبح الوضع مألوفا وعاديا دون أن يكون هناك تحرك حازم من الإتحاد الإفريقي لتخيير أنظمة هذه الدول بين التوفر على ملعب قانوني، أو منع منتخباتها من المشاركة في أية إقصائيات أو مسابقات، لأن المنطق يقول أن بلدا ليست لديه الإمكانيات لبناء ملعب صغير، “آش غيدير بشي كرة أصلا”.

جانب آخر يساهم باستمرار في اتساع الهوة بين أوربا وإفريقيا على مستوى كرة القدم. فالقارة السمراء تواصل نزيفها الأكبر: هجرة جماعية للمواهب الشابة نحو أوروبا. حيث “تختطف” المواهب في سن مبكرة من أحياء الفقر الشامل، ويتم إلحاقها بفروع أكاديميات الأندية الأوربية التي تم بناؤها داخل الكثير من بلدان إفريقيا، لتصقل موهبتها ويُعاد تصديرها إلى العالم كلاعبين أوربيين بجذور إفريقية. ولا تستفيد بلدانهم لا من مسارهم ولا من قيمتهم السوقية، إلا نادرًا، حين يُنسب أحدهم لبلد المنشأ في نشرات الأخبار أو خلال المشاركات الدولية. أما على مستوى العائد المادي أو الإضافة التقنية للبطولات المحلية، فصفر على الشمال.

الوضع الكروي في إفريقيا يزداد كارثية يوما عن يوم، والمستوى العام لأندية ومنتخبات القارة السمراء أصبح يدعو لتغيير مفصلي حازم يعيد قطار التطور إلى سكته التي زاغ عنها منذ سنوات طويلة، عوض الترقيع والإتكال على المغرب ومصر في أن يحملا “هبال” قارة بكاملها.