story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
إعلام |

التدمير الذاتي

ص ص

في 20 نونبر 2025، نشر الصحفي حميد المهداوي شريط فيديو على قناته في يوتيوب، يحتوي على تسجيلات بالصوت والصورة، لاجتماع داخلي للجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية التابعة للجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر بالمجلس الوطني للصحافة.

يتعلق موضوع الاجتماع بشكوى مقدمة ضد المهداوي نفسه، ويظهر التسجيل –حسب وصف المهداوي دائما– مداولات تحتوي على كلمات نابية، وعبارات سوقية، شخصية ومهينة، ضده وضد فريق دفاعه، بالإضافة إلى إشارات حول تدخلات محتملة في الملف مع الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بغرض الانتقام والتدمير، ما يشير إلى محاولة تصفية حسابات سياسية تحت غطاء تأديبي مهني.

ردت اللجنة المؤقتة في 21 نونبر ببلاغ رسمي، تنفي فيه صحة بعض العبارات المنسوبة إلى رئيسها، يونس مجاهد، معتبرة إياها “محرفة ومفبركة”، وظفت خارج سياقها. وأعلنت عزمها اللجوء إلى القضاء ضد المهداوي، وأي شخص آخر ثبتت مسؤوليته في تسريب التسجيل المذكور أو التلاعب بمحتوياته، معتبرا ذلك “عملا غير قانوني”، يهدف إلى تضليل الرأي العام، والإساءة إلى أعضاء اللجنة، ومؤكدا أن الاجتماع كان “عاديا”، وتم فيه احترام المساطر القانونية، مع التركيز على مسؤوليتها عن حماية سرية المداولات وفقا لما هو مقرر في النظام الداخلي للمجلس.

لكن ردود الفعل تجاوزت المهداوي واللجنة نحو فاعلين في مواقع مختلفة، إذ مثّلت محتويات التسجيل صدمة للرأي العام الوطني، وللوسط الإعلامي والسياسي والحقوقي المغربي، بعدما أبان التسجيل عينه عن وجود نية انتقام واضحة من الصحفي المهداوي تحت غطاء تأديبي مهني.

حجم الصدمة عبّرت عنه بيانات هيئات مهنية وحزبية وحقوقية، التي وصفت الواقعة بأنها “انحراف خطير” و”مجزرة أخلاقية وحقوقية”، مطالبة بفتح تحقيق قضائي مستقل ونزيه.

واعتبر المصطفى الرميد، حقوقي ووزير سابق، ما حصل يعكس “إفلاس بعض النخب” في مواقع المسؤولية، لأن ما شاهده من ممارسات “يذبح الحقوق والحريات من الوريد إلى الوريد”، مؤكدا “هذا هو السقوط الأخلاقي المدوي”.

ويكشف حجم ردود الفعل اتجاه التسجيل أزمة عميقة سقطت فيها تجربة التنظيم الذاتي للصحافة في عهد حكومة أخنوش. كيف ذلك؟

تفترض هذه المقالة أن التدمير الذاتي للصحافة حصل نتيجة تحالف غير أخلاقي بين بعض الناشرين والحكومة من جهة، وانهيار الدفاع الذاتي لدى الجسم الصحفي من جهة ثانية.

تحالف غير أخلاقي

يتعلّق الأمر في هذا السياق بتحالف بين حكومة أخنوش وبعض الناشرين ممثلين في الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، التي تأسست في 2020 أي عشية ميلاد حكومة أخنوش.

تحالف يبدو أنه كان وراء الكثير من القرارات المالية والتشريعية للحكومة الحالية، والتي أبانت عن أنه تحالف غير أخلاقي، لأنه عوض أن يصب في صالح مهنة الصحافة ومؤسساتها، ويحافظ على استقلالية الصحافة إزاء السلطة التنفيذية، تحول إلى عامل قوي في تدميرها تقريبا.

ولعل من المؤشرات القوية على هذا الطرح، فكرة توجيه الدعم العمومي لتغطية أجور الصحفيين مباشرة مع تحمل واجبات انخراطهم في الصندوق الوطني للتضامن الاجتماعي، وهو إجراء تقرر بصفة استثنائية خلال فترة كورونا، ثم أبقت عليه الحكومة الحالية إلى اليوم.

في السابق، كانت الحكومة توجه الدعم للمقاولات الصحفية، لكن منذ صيف 2020، وبسبب الجائحة التي فرضت الإغلاق الشامل لعدة أشهر، اختارت الحكومة السابقة توجيه الدعم مؤقتا في شكل أجور إلى الصحفيين والعاملين في القطاع مباشرة، مع تحمل واجبات انخراطهم في صندوق الضمان الاجتماعي.

ومع رفع الحجر الصحي، وعودة القطاع الخاص إلى العمل بكل طاقته، كان منتظرا أن تكف حكومة أخنوش عن فكرة توجيه الدعم العمومي في شكل أجور للصحافيين، والعودة إلى المسار الطبيعي، أي دعم المقاولات الصحافية مباشرة وفق المعايير والقانون. لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.

وبالرغم من الوعود المتكررة لوزير الاتصال الحالي بمراجعة هذا الخيار، إلا أنه لم يف بوعوده تلك، ويبدو أيضا أن المقاولات المهيمنة في قطاع الصحافة مرتاحة لهذا الخيار نفسه، علما أنه وضع ملتبس من الناحية القانونية والأخلاقية والسياسية.

بالعودة إلى الإحصائيات، بعضها ورد في دراسة للباحث عبد الله أموش، بعنوان “لماذا تدفع الحكومة أجور الصحافة الخاصة؟، ونشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، فقد تلقى العاملون في المقاولات الصحفية الخاصة دعما ماليا عموميا، يصل إلى نحو 325 مليون درهم في أواخر عهد حكومة سعد الدين العثماني سنة 2020، ثم ارتفع الرقم إلى مليار درهم في فترة الحكومة الحالية خلال الفترة ما بين 2021 حتى مارس 2025، وذلك استنادا إلى بيانات رسمية.

وقد بلغ عدد المقاولات الصحفية التي تلقت الدعم المالي المباشر 142 مقاولة بعد منتصف 2020، ثم ارتفع العدد تدريجيا إلى 207 مقاولة سنة 2024، في حين ارتفع عدد المستفيدين من الدعم في صفوف الصحافيين والعاملين من 2,199 فردًا سنة 2021 إلى 2,309 سنة 2024.

كما شمل الدعم العمومي مؤسسات أخرى في السلسلة الاقتصادية للصحافة، حيث استفادت إحدى شركات توزيع الصحف من دعم مالي قدره 60 مليون درهم على مدى أربع سنوات، بينما تلقت 11 مقاولة للطباعة دعما بقيمة 30 مليون درهم، في حين نالت 12 إذاعة خاصة دعما مباشرا قدره 55 مليون درهم.

ماذا يخفي هذا المسار؟

الجواب في تسريبات من داخل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التي كشفت أن بعض مديري المقاولات الصحفية الخاصة تشملهم تغطية الدعم أيضا، ما يثير تساؤلات حول وجود شبهة تضارب مصالح. علاوة على ذلك، فإن استمرار الحكومة في دفع أجور الصحفيين ومدراء المقاولات الإعلامية، بحجة أولوية “الإنقاذ الاقتصادي” لهذه المقاولات، يطرح أسئلة أخلاقية وسياسية، علما أن الحكومة تتكتم حول المستفيدين، وترفض نشر اللوائح الخاصة بالدعم لحد الآن في تعد صريح على مبدأ الشفافية والحق في الوصول إلى المعلومة. بينما يعرف المطلعون على القطاع أن بعض المقاولات تحقق أرباحا خيالية، لكونها تحصل على دعم مزدوج من الحكومة ومن القطاع الخاص (عبر الإشهار).

أما الأدهى، فهو التأثير السياسي غير المباشر لهذه الحكومة على قطاع الصحافة والنشر، إذ بات الدعم بمثابة رقابة ضمنية على الصحافيين، هذا إن لم تمارس بواسطة الدعم ضغطا سياسيا على المقاولات، خصوصا التي تسعى منها إلى الحفاظ على مهنيتها واستقلاليتها.

ولا حاجة للقول إن الدعم بات يُقرأ سياسيا مع هذه الحكومة كوسيلة لـ”شراء الولاء” غير المباشر، حيث إن دفع الأجور للصحافيين، يصرف كمقابل لضمان خط تحريري موال لحكومة أخنوش، وعلى حساب دور الصحافة ووظيفتها النقدية اتجاه من يملك السلطة والثروة.

ولعل هذا الوضع يؤثر بوضوح شديد في مستوى المقاومة الصحفية لسياسات أخنوش المثيرة للجدل، مثل ارتفاع أسعار المحروقات، أو فضائح تضارب المصالح في صفقات تحلية مياه البحر وصفقات الأدوية، وقضايا أخرى.

وفي كثير من تلك الملفات، التي تفجرت في وجه حكومة تبدو عاجزة عن الفصل بين المصالح الخاصة لوزرائها والمصلحة العامة للدولة، دائما ما نجد مقاولات صحفية تقف إلى جانب سياسات أخنوش ضد مقاومة المجتمع لها.

هكذا، وبدل أن تقف الصحافة إلى جانب الحقيقة المجتمعية، تتحول إلى أداة في يد النخبة النافذة والمتحكمة، أي وسيلة للدعاية والتضليل، في تعبير صريح عن تحالف غير أخلاقي وفج، كما سبقت الإشارة.

ولعل المؤشر الثاني على هذا التحالف غير الأخلاقي، ما تضمنه مشروع القانون الجديد رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، المثير للجدل حد الانقسام بين الرأسمال والمهنيين.

قانون تزعم الحكومة بأنه يريد “تحصين القطاع”، في حين تكشف بعض مضامينه عن رغبة عارمة في السيطرة على القطاع عبر وضعه تحت سيطرة الرأسمال الإعلامي أساسا. في هذا السياق، تكشف المادة 5 من المشروع مثلا، عن تراجع مقصود عن مبدأ تمثيلية الجمهور في المجلس الوطني للصحافة، المعمول به عالميا في الدول التي تعتمد مبدأ التنظيم الذاتي للمهنة.

اقتصر تمثيل ما يمكن أن يُفهم منه “الجمهور” على ثلاثة أعضاء تعيّنهم مؤسسات رسمية هي: المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وبالتالي التراجع عن الصيغة السابقة التي كانت تسمح بتمثيل هيئات المحامين، واتحاد كتاب المغرب.

توجه يعكس احتكار رسميا للتمثيلية في المجلس، يجعلها تقتصر على ممثلي السلطات العمومية، ويُقصي الجمهور. ويكشف ذلك عن محاولة حثيثة من أجل إفراغ فكرة التنظيم الذاتي من مضمونها الأصلي، أي ضرورة وأولوية تمثيل الجمهور.

إن الاقتصار على تمثيلية ثلاث مؤسسات رسمية في فئة “الهيئات”، يُحوّل المجلس الوطني للصحافة إلى مجرد امتداد جديد لبيروقراطية الدولة، بدل أن يكون صدى لنبض الشارع أو لضمير الرأي العام المجتمعي. وهذا يتناقض مع روح التجارب الناجحة والممارسات الجيدة التي توصي بفصل واضح بين المجلس والدولة، وإشراك المجتمع كطرف فاعل لا كمتفرّج.

أما الأدهى مما سبق، فهو أن انحرافات مشروع القانون المغربي الجديد بشأن إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، لا تقتصر على خلل في التمثيلية فقط، بل يتعداه إلى استعمال القانون لإنشاء وخلق ميزان قوى جديد، لا يعبر عن الواقع، داخل المؤسسة التنظيمية المذكورة.

توجه يكشف عن أمرين: الأول، استغلال القانون لخلق ميزان قوى جديد لا يعبر عن الواقع الموضوعي، وهو توجه سلطوي صريح يوجد مثيله فقط في الأنظمة السلطوية، الأمر الثاني أن هذا التوجه يكشف عن انحراف جوهري في فلسفة التنظيم الذاتي نفسها؛ فأن تُسند صلاحية تمثيل الناشرين وانتدابهم داخل المجلس إلى “المنظمة المهنية” دون قيد أو شرط، ثم ينص في الفرع الثالث من الباب الرابع (ابتداء من المادة 43) على أن هذه المنظمة لا تمثل إلا “الناشرين المستوفين للشروط المالية والاقتصادية”، أي رقم معاملاتهم في السوق، معناه تمكين الرأسمال صراحة من السيطرة على مؤسسة دستورية، دون أي اعتبار للقانون ولا للتوازنات القائمة.

دلالة ذلك أن مشروع القانون الجديد لتنظيم المجلس، الذي وافق عليه مجلس النواب في يوليوز الماضي ويوجد حاليا بين يدي مجلس المستشارين، يعكس في العمق ممارسة سلطوية تنطوي على الرغبة في تغيير واقع الإعلام عبر استغلال القانون كأداة.

يعتقد من يقف وراء ذلك أن كل شيء يمكن السيطرة عليه بالمال، وعبر توجيه المال العام لتضخيم رقم معاملات المقاولات المفضلة. وهي مقاربة يعني تطبيقها في مجلس الصحافة، تمكين الناشرين، أي رأسماليي قطاع الإعلام، من السيطرة على هيئة دستورية، أنشئت في الأصل بهدف تعزيز التنظيم الذاتي للمهنة وحماية استقلالية الصحافة الوطنية.

يعكس هذا الجدل تناقضا صارخا في الجوهر بين الوعود الدستورية (الفصول 25، 27، 28) حول حرية الصحافة والنشر، وبين الواقع الاقتصادي الذي يجعل الناشرين – وهم في الأصل أصحاب رؤوس أموال – أكثر نفوذا.

وهنا تكمن المفارقة الصادمة: كيف يُعقل أن نمنح كبرى الشركات والمقاولات الإعلامية، وهي بطبيعتها مُهيمنة اقتصادياً ومستفيدة، كليا أو جزئيا، من الريع الإشهاري، سلطة المشاركة في صياغة مدونات الأخلاقيات، والنظر في الخروقات التأديبية، والسهر على تخليق المهنة؟

إن الرأسمال، بحسب جميع نظريات الاقتصاد السياسي الكلاسيكية والنقدية، ليس فاعلا أخلاقيا. بل هو “أعور أخلاقيا”، لا يعرف من القيم سوى ما يخدم الربح ويُعظّم حصص السوق. وقديماً قيل: “الرأسمال جبان”، لكنه أيضا، في السياق الإعلامي، جشِع ومنحل أخلاقياً حين لا يجد من يراقبه أو يردعه.

انهيار الدفاع الذاتي

إزاء تغول الرأسمال، بقيادة حكومة “تبزنيس” كما وصفها بذلك الأستاذ عبد الله ساعف، يبدو دور المهنيين، أي الصحفيين تحديدا، هامشيا وضعيفا ومشتتا. في الأصل، من الطبيعي أن يميل الرأسمال للهيمنة على المؤسسات، لكن الذي يحد من سيطرته ويحدث التوازن، هو وجود كتلة مهنية مقاومة، تدافع عن استقلالية الصحافة والإعلام، وعن الحقوق المهنية، وعن الحرية والديمقراطية. وفي الواقع، من المفترض أن تضطلع النقابة الوطنية للصحافة المغربية، والهيئات المماثلة لها، بهذا الدور المحوري. فالنقابة الوطنية لا تعتبر في الأصل مجرد نقابة مهنية، بل أداة للمقاومة السياسية والديمقراطية ضد أي سياسة حكومية ترمي إلى التحكم في القطاع أو إلى تدجينه.

إن النقابة الوطنية للصحافة المغربية بوصفها تنظيما صحفيا موحدا، يُفترض أن يمثل جميع الصحفيين والصحفيات المغاربة، وأن يدافع عنهم ضد كل السياسات والإجراءات غير الديمقراطية. لكن، يبدو أن نقطة الضعف بالنسبة لهذه النقابة تكمن في تخليها التدريجي عن روحها الديمقراطية والمهنية، وتحولها إلى أداة للمساومة من أجل منافع شخصية وانتهازية.

معلوم أن هيئة مهنية غير ديمقراطية لا يمكنها أن تتصدى للسياسات الحكومية غير الديمقراطية كذلك. بل من الطبيعي أن يحدث تحالف موضوعي بين غير الديمقراطيين سواء في الحكومة أو النقابة، ويبدو أن هذا الذي حدث بالضبط في السنوات الأخيرة من الجهتين.

ففي كثير من المحطات، يبدو التواطؤ بين الطرفين واضحا وصريحا. وفي النهاية، وجدت النقابة نفسها معزولة وسط قطاع الصحافيين، وبالتالي غير قادرة على المقاومة، بفعل تآكل مصداقيتها والثقة فيها. ولعل واقعة شريط الفيديو المسجل حول قضية الصحفي المهداوي، يبرز على نحو صريح هذا التواطؤ المذكور بين رموز صحفية نقابية وبين رموز من الرأسمال الإعلامي، وهي فضيحة أخلاقية ستظل شاهدة على الاندحار الأخلاقي لكل الأسماء التي ظهرت في شريط الفيديو المذكور.

حينما تفقد هيئة مهنية مصداقيتها، تُصبح مواقفها حتى لو كانت منطقية أشبه بصيحة في واد. ففي إطار التصدي لمشروع القانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة، حاولت النقابة المذكورة تنسيق احتجاجات ميدانية كأداة لمقاومة المشروع، كونه يمس بمبدأ تمثيلية الجمهور كما سبق الذكر في المجلس الوطني الصحافة، ويضع المجلس تحت سيطرة الرأسمال الإعلامي بقوة القانون، ناهيك عن أنه يحجم التمثيل النقابي المهني في المجلس.

وفي شتنبر 2025، بادرت هيئات نقابية ومهنية من أجل توحيد جهودها للاحتجاج ضد مشروع القانون بعد التصويت عليه في مجلس النواب. وفي أكتوبر الماضي نظمت وقفة احتجاجية أمام البرلمان للتنديد بما وصفته بـ”المخطط الحكومي الرامي إلى تمرير مشروع قانون يعيد تنظيم المجلس الوطني للصحافة بشكل انفرادي وخارج آليات الحوار التشاركي”. ورفضا لما اعتبرته “تراجعا خطيرا عن المكتسبات التاريخية للجسم الصحافي”.

لكن حينما تفجّرت فضيحة تسريب فيديو حول قضية الصحفي المهداوي، استنكرت النقابة ما وصفته في بيان لها بـ”الرعونة والمجزرة المسطرية”، مطالبة بتحقيق عاجل ومحايد، وإنهاء اللجنة المؤقتة التي انتهى أجلها القانوني في 6 أكتوبر الماضي.

كما استنكرت النقابة ما وصفته بـ”الاستهتار المباشر بسمعة التنظيم الذاتي للمهنة كمكسب تاريخي لكفاح الصحافيات والصحافيين، وتلاعب غير مسؤول بإنجاز تاريخي لحرية الصحافة ومهنيتها ببلدنا، من خلال سلوكات غير مسؤولة، بل رعناء تضرب في العمق سمعة القطاع، وتُعمّق جراحات القرارات التي أصدرتها اللجنة المؤقتة في كل اللجان”، متبرئة من سلوكيات أعضاء كانوا محسوبين عليها.

تبدو مثل هذه المواقف أو المبادرات منطقية ومطلوبة، خصوصا وأن تعاون النقابة الوطنية مع هيئات حقوقية ومدنية أخرى، التي عبرت عن رفضها قرارات اللجنة المؤقتة لـ”شبهة خرق حقوق الدفاع”، من شأنه أن يعزز من المقاومة المهنية والمدنية الواسعة للتوجهات الحكومية المتغطرسة.

بل إن كل تحالف حقوقي ومدني من أجل مقاومة السياسات السلطوية للحكومة قد يُقرأ بوصفه “محطة فارقة” في مسار الدفاع عن التنظيم الذاتي للمهنة، لأن التحالف الواسع قد يُحول الدعم الحكومي الذي يزعم “إنقاذ” الصحافة إلى “تهديد” صريح لحريتها واستقلاليتها، وسط مخاوف متصاعدة من “تراجع المكتسبات الدستورية”.

ومع اقتراب 2026، قد تتصاعد هذه الجهود نحو تشكيل تحالفات أوسع مع المعارضة السياسية، لكنها جهود قد تواجه تحديات مثل “التضليل الإعلامي” و”التمويل المشبوه” لمنصات معادية.

وعموما، يظل دور النقابات المهنية هو المقاومة، أي الدفاع عن الصحافة الحرة والمستقلة، باعتبارها ركيزة الديمقراطية. غير أن النجاح في القيام بهذه الوظيفة، يعتمد على المصداقية والثقة، وعلى التعبئة المدنية والشعبية، لمواجهة النهج الحكومي الأحادي. وهي عناصر قوة لا تتوفر عليها النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي تبدو في حالة تقلص وعزلة وسط الجسم المهني، بسبب هيمنة المصلحة الشخصية والانتهازية على ممارسات بعض مسؤوليها في السنوات الأخيرة.

ولعل التحرك الأخير لأزيد من 100 صحفي من أجل المطالبة بحل اللجنة المؤقتة والمجلس الوطني للصحافة، دون المرور عبر النقابة المذكورة، دليل قوي على تراجع الثقة في النقابة، التي كانت سببا رئيسيا في التدمير الذاتي للمهنة بسبب حسابات حزبية وسياسية ضيقة، كانت ولا تزال نقطة ضعفها الرئيسية.