story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الإذعان للصندوق

ص ص

خرجت إلى حيز التنفيذ الزيادة المتوقعة في ثمن قنينة غاز البوطان التي يستعملها غالبية المغاربة في الطهي. وخلال ساعات قليلة من إذاعة الخبر، برزت أخبار عن الرفع أو نية الرفع من أثمان عدة منتوجات مرتبطة بالمعيش اليومي للمواطن المغربي.
كي نكون موضوعيين، فقد بادرت الحكومة إلى إعلان هذا النبأ، بل ذهبت إلى حد تأجيل تنزيله على أرض الواقع إلى أن يتم شهر رمضان الكريم الذي تستعمل فيه العائلات المغربية نسبة أكبر من غاز البوطان. لكن لم نر ولو خروجا واحدا للحكومة يشرح مخلفات هذا القرار، أو يطمئن المغاربة عبر تقديم خطة واضحة للتصدي لمخلفاته المتوقعة.
كما هو معلوم عند أهل الاقتصاد، فإن الرفع من ثمن مصادر الطاقة يخلف نتائج نسقية على المجتمع بأكمله. إذ عند الرفع من ثمن الطاقة (وقود، غاز الطهي، الغاز الطبيعي…) فإن أثمان أغلب المنتوجات في الأسواق تجنح نحو الارتفاع، حتى وإن لم تكن مرتبطة بشكل مباشر بالارتفاع في ثمن مصادر الطاقة. ففي مثل هذه المحطات، يبرز نوع معين من المضاربين الذين يستغلون توقع الناس للارتفاع في بعض المنتوجات. هنا يأتي دور السلطات التي عليها أن تقطع الطريق على مثل هؤلاء المضاربين.
مستوى آخر يجب الإشارة إليه هنا هو أن جل ما تقوم به الحكومة على المستوى الاقتصادي يمكن تتبع مصدره إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. الحكومة المغربية (ولا أعني هنا فقط الحالية) هي تلميذ نجيب لهاته المؤسسات الدولية.
هاته المؤسسات لا تشتغل من أجل مصلحة الدول التي تشتغل إلى جانبها، بل همها الأساسي ضمان تسديد الديون التي تمنحها لهذه الدول. كما أن هذه المؤسسات المالية الدولية أبانت من قبل عن فشلها في مواكبة الدول المقترضة من أجل تنمية اقتصادية مندمجة. حيث إن صندوق النقد الدولي كان قد ساهم في تأجيج الصراعات الداخلية في عدة دول بسبب برنامجها الكارثي للتقويم الهيكلي، من بينها انتفاضات الخبز في مصر سنة 1977 وانتفاضة 1981 بالدار البيضاء أو “كوميرا” كما سماها وزير الداخلية السابق ادريس البصري.
يظهر هذا جليا أن هاته المؤسسات المالية ليست نبيا لا ينطق عن الهوى، بل منظمات تحكمها ايديولوجيات اقتصادية معيبة بطبعها، ومن حق الدول أن تفرض رأيها في طريقة صرف الديون والشروط المقترنة به.
تقدم هاته المؤسسات توصيات للبلدان المقترضة، وحكومتنا تطبقها بحذافيرها، لكنها تسوق لنا في الداخل بأن هذا برنامج انتخابي فريد من حكومة ستفكر بطريقة إبداعية لمجابهة التحديات الوطنية. لكن إذا نظرنا إلى بعض هاته الخطط نجدها إما طبقت أو تطبق حاليا في دول مختلفة، مما يسقط عنها سمة التفرد والخصوصية.
الفكرة الأولى هي تعويم العملة التي رأيناها تطبق في دول مختلفة بإيعاز من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي دونما اكتراث للآثار المدمرة التي قد تضرب القدرة الشرائية للمواطن البسيط في هذه الدول. الفكرة الثانية هي فكرة التخلي عن الدعم المباشر للمواد الأساسية وتعويضها بدعم مباشر للأسر الأكثر حاجة.
هذه الفكرة كذلك تم تطبيقها في عدة دول، وللأمانة منها نماذج ناجحة. فمثلا في البرازيل التي أطلقت برنامج الدعم المباشر للأسر في بداية الألفية الجديدة، قامت بذلك بعد جرد دقيق وشامل لوضعية الأسر البرازيلية، وأطلقت برامج لمواكبة هذا الدعم وأثره على المواطنين.
لذلك، فمادام البرنامج في بدايته، أعتقد أنه لازال بإمكان الحكومة تقويم تنزيل المشروع الذي كان لا بد من الخوض فيه يوما ما، عبر التصدي لتبعاته على القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة، بالإضافة إلى ضمان استفادة الأسر الأكثر احتياجا من البدائل المختلفة لدعم الدولة.