story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

استرجاع الأرض.. والإنسان

ص ص

تحلّ اليوم الذكرى 45 لاسترجاع إقليم وادي الذهب. وتؤرخ هذه الذكرى لليوم الذي حلّ فيه شيوخ وأعيان قبائل إقليم وادي الذهب في العاصمة الرباط، لتقديم البيعة للملك الراحل الحسن الثاني صيف العام 1979.
جل المغاربة اليوم لا يعافون عن هذا اليوم سوى أنه يوم عطلة رسمية ينصرفون فيه إلى انشغالاتهم الخاصة، دون أن يدركوا حقيقة وتفاصيل ما جرى. ولو كنا نقدّر ذاكرتنا الجماعية كما يجب، لجعلنا هذا اليوم عيدا وطنيا وبمثابة احتفاء مماثل لذكرى المسيرة الخضراء، لأننا في 1975 استرجعنا ثلثي إقليم الصحراء الذي كان خاضعا للاستعمار الإسباني، وفي مثل هذا اليوم من 1979 استرجعنا الثلث الباقي.
يعتقد البعض أن بين ثنايا هذا الموضوع طابوهات أو أشياء يجب أن نخجل منها ومن اطلاع المغاربة عليها، ومن بينها كون اتفاقية مدريد التي تم توقيعها في 1976 بين كل من المغرب وموريتانيا وإسبانيا، نصّت على خروج الاستعمار وتقاسم البلدين الجارين والشريكين في مسلسل التحرير، أي المغرب وموريتانيا، السيادة على الإقليم.
يخشى هذا البعض أن يِفهم من ذلك أننا فرّطنا في أحد الأيام في جزء من التراب الوطني، أو أن مطالبنا باسترجاع هذه الأرض المغربية لم تكن ثابتة ولا راسخة.
بينما تقدّم لنا تفاصيل المخاض الذي أفضى إلى استرجاعنا الصحراء، وآخرها لم يكن هو بيعة 1979، بل كان معركة معبر الكركرات التي تمكّنا من حسمها متم العام 2020 لنستعيد لأول مرة منذ بدايات التغلغل الاستعماري في المنطقة خلال القرن 19، تواصلنا المباشر مع المجال الإفريقي.
في خلفية التقسيم التكتيكي الذي أفضى إلى منح إقليم وادي اذهب لموريتانيا، كما في عملية الاسترجاع بالقوة العسكرية والعمل الدبلوماسي في 1979 عندما انهزمت نواكشوط وعجزت عن الصمود وقررت الانسحاب، توجد فكرة مركزية كان المغرب واعيا بها منذ البداية: الحفاظ على اتصال مباشر وحدود مشتركة مع موريتانيا، لأننا نعرف جيدا أن عزل المغرب عن عمقه الإفريقي أجندة استعمارية قديمة وسابقة حتى عن المرحلة الأولى من استقلالنا التي جرت عام 1956.
لا أقصد أن المطلوب منا اليوم هو سرد القصة بتفاصيلها الكاملة فقط، وإن كان هذا مهما ومطلوبا وحيويا، بل إن هناك أسئلة أخرى لا تقل أهمية باتت مطروحة علينا. من بينها ماذا نفعل اليوم لاستكمال مسار استرجاع الوحدة الترابية؟
هذه الخطوة ما زالت مرتهنة لقرارات وخطوات لا مفرّ منها، على رأسها انتزاع اعتراف دولي في شكل قرارات رسمية ونهائية لمنظمة الأمم المتحدة، تقرّ لنا بالسيادة الكاملة على الصحراء، وهذا لا يتم إلا بإثبات حصول عملية تقرير المصير، والتي لا تعني بأي شكل من الأشكال الانفصال أو تشكيل كيانات جديدة.
هناك تطورات إيجابية كثيرة تحصل حاليا في هذه الواجهة، منها الاعترافات الثمينة التي تحصل عليها بلادنا من قوى دولية وإقليمية لها وزنها وكلمتها.
بل إن استمرار هذا المسار قد يفتح لنا باب الحصول على إقرار دولي بحصول تقرير المصير، إن هي المنظومة الدولية قررت حسم الموضوع، ودفعت إسبانيا إلى الانخراط في مقاربة قانونية تجعل الاستشارة التي قامت بها في الإقليم قبل انسحابها منه، والتي أسفرت عن تأسيس ما يعرف ب”الجماعة” الصحراوية، ودخول هذه الأخيرة بعد ذلك في بيعة الملك الحسن الثاني، بمثابة تقرير للمصير يغني عن أي استفتاء أو خطوات إضافية.
لكن في المقابل، يجري التركيز حاليا، وبشكل كلي، على هذا المسار الدولي. ويعمد البعض إلى تصوير الوضع كما لو أن حلّه مرتبط بتحصيل هذه الاعترافات الدولية وتحقيق التفوّق العسكري في المنطقة لمنع أي تسلل لمقاتلي جبهة البوليساريو.
سنفترض أننا حققنا النجاح الكامل في الواجهتين، أي الدولية والعسكرية، فماذا عن الشق الإنساني؟ ألم يقل الملك الراحل الحسن الثاني ذات لحظة انفتاح على جبهة البوليساريو، بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، إننا استرجعنا الأرض ولم ننجح بعد في استرجاع الإنسان؟
ما هي وصفتنا اليوم لتحقيق الوحدة الوطنية الكاملة؟ وما هو مشروعنا لاستقبال وإدماج هؤلاء المواطنين المغاربة الموجودين في مخيمات تندوف؟ وأين هو النموذج التنموي الخاص بأقاليم الصحراء الذي أنفقنا عليه وعبأنا له واستثمرنا فيه وخلصنا من خلاله إلى تصوّر يتضمن أرضية ممكنة لاسترجاع الإنسان؟ أين هو هذا النقاش العمومي حول كيفية بناء الثقة مع من أخطأوا يوما وحملوا السلاح الأجنبي في وجه الوطن؟ ماذا أعددنا لهم من برامج وتصورات للإدماج الاقتصادي والاجتماعي وتجاوز جراح الحرب وآثار الدم الذي سال هنا وهناك؟
ثم ما هو المضمون العملي الذي نعطيه لمقترح الحكم الذاتي؟ ماذا حضّرنا على الأرض لتنزيله وإنجاحه؟ هل الحكم الذاتي يعني شيا آخر غير التمكين للروح الديمقراطية وترسيخ ثقافتها وترويض مفاصل الدولة على استيعابها واحترامها؟ ألا تطالعنا جل دراسات واستطلاعات الرأي أن منسوب الثقة في المؤسسات، وتحديدا منها المنتخبة، في الحضيض؟ بل أين هو مشروع الجهوية الموسّعة وماذا تبقّى منه كي لا نقول ماذا أنجز منه؟
حاورت قبل بضع سنوات بمناسبة حلول هذه الذكرى، السيد ماء العينين بوكرن، وهو منتخب محلي في منطقة وادي الذهب ومدينة الداخلة، وعضو المجلس الملكي للشؤون الصحراوية. ومما قال له لي الرجل، أن المنطقة عاشت حكما ذاتيا فعليا مباشرة بعد عودتها إلى حضن الوطن، عندما حرص الملك الراحل على الاحتفال بعيد العرش الموالي (مارس 1980) في مدينة الداخلة، وقام بتعيين الشريف الدليمي عاملا للإقليم، والشيخ الذي قام بتلاوة نص وثيقة البيعة وكيلا للنيابة العامة بالداخلة، والمسؤول الذي تم تعيينه على رأس الأمن بالمدينة كان ابن المنطقة أيضا…

لقد بدأنا معركتنا المجيدة لاستكمال الوحدة الترابية وتحرير الصحراء بمعركة قانونية طويلة ضد فكرة “الأرض الخلاء”. ولا يمكننا اليوم، ونحن أصحاب حق وشرعية وفي موقع قوة ميدانيا، أن نتصرّف وفقا لهذا المنطق الذي يستحضر الأرض وينسى الإنسان، لأنه بكل بساطة يعيدنا إلى فكرة الأرض الخلاء.